المهندس سليم البطاينة
ما يميز حالتنا الاردنية هو ان الذاكرة الجمعية مُترعة بالاحداث ! وإذا أردت البحث عن موضوع لتكتب فيه أو عنه لن تحتاج الى وقت طويل لإن المشهد يغُص بالمواضيع ويعجُ بالعناوين ! ومن اراد فعلياً وصف المشهد الداخلي الاردني فهو الأكثر تأثراً بأرتدادات معركة ٧ أكتوبر الماضي مقارنة بدول الاقليم الاخرى ! والذي دفعني لكتابة مقالي هذا هو : المماحكات العبثية التي تحظر أي منطق في المقاربة وفي الخطاب ! ذلك الخطاب الرسمي وغير الرسمي للدولة الذي تعدّى الفبركات والتضليل الى المضمون السياسي للدولة نفسها ، وساعد على تأجيج الشارع وعلى الاستثمار في الخوف والانخراط في التخويف ، وأسهم في رفع حالة النزق والاستفزاز في الشارع المحتقن أثناء المظاهرات الاخيرة قرب السفارة الإسرائيلية تنديداً بحرب الابادة الجماعية ضد غزة ،،، فإن لا تكون سياسياً لا يعفيك هذا من ضرورة ان تمتلك وعياً سياسياً يخرجك من منطق الهباء واللاعقلانية !
كل معطيات الواقع وإفرازات الحدث تقول أن الاوضاع في الاردن صعبة على كل المستويات ! ولا نُحسد عليها ، وهي أقرب ما تكون إلى التشاؤم منها إلى التفاؤل ! ولعلنا ننتظر القادم بغموضه ! ودون مبالغة نحن نعيش ضعف ادارة الازمة ، في ظل منسوب ثقة وصل الى مستوى أكثر بلوى وأشد خطورة ! حتى بات الاردنيون يخضعون لحالة غير مسبوقة من فوضى الاحوال والافكار ! فالناظر من النافذة للمشهد الداخلي لابد وان يستنتج الاخطار التي تُحيق بنا ، وحالة التشتت التي تسود البلاد !
كنا ولا زلنا في الاردن نفتقر إلى مؤسسة تفكير أستراتيجي في اتخاذ القرار ، ترتبط بشبكة أعلامية من شأنها تقوية القرار الاردني ، وجعل هذا القرار مبنياً على حقائق ومعلومات دقيقة ، لتخرج الصورة واضحة غير منقوصة الاحداث ! فقد تعودنا في الاردن دوماً ان هناك جزء من النص مفقود !
الحاصل ان الرواية الرسمية تتصدع باستمرار ! والغموض والشك يطغيان على كل شيء ! والصورة مُلتبسة إن لم نقل مُشوهة ! والسبب هو غياب الوضوح ، وفردية الدولة ومزاجيتها المحصورة بين أشخاص معيّنين !
وربما نبقى على اتفاق بخصوص حقيقة قلة الخبرة وضعف التكوين المعرفي للبعض ووجود مجموعة لا يستهان بها من طبقة ثقافية وسياسية ترفض مغادرة سلوكيات المراهقة السياسية ! ويُخيم عليها ظلام غياب الاقتدار السياسي ، وتفضّل العبث والفوضى وانتاج الخصوم.
الدولة استعارت الكثير من مفردات الخوف اثناء المظاهرات الاخيرة قرب السفارة الاسرائيلية في عمان ، وعلى ما يبدو أن هناك من قرأ الصورة بالمقلوب ! لكن لا يوجد في الاوراق المتداولة ما يؤكد نظرية المؤامرة في تأليب وتحريض الشارع الاردني أثناء التظاهرات الاخيرة ( بإستثناء بعضٍ من خطابات الفتنة والتحريض ( داخلية و خارجية ) والتي حذّر منها وتصدى لها رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز ) ، وباقي ما تبقى يتعلق بإستنتاجات ليس أكثر !
إن خفض الإجراءات الرسمية ضد إسرائيل على ارض الواقع ! وانبطاح دور الاعلام الرسمي كمصدر موثوق للمعلومات ! كان من شأنه ان ترك فراغاً كبيراً ملأه الشارع الغاضب المتصلُ تاريخياً وجغرافياً بفلسطين.
الشعب الاردني واعٍ ومن أوعى شعوب المنطقة ،، وإذا خاطبته بالدلائل لوَقف مع الدولة وأخذ حذره ،،،، فالاردنيون لا يريدن تعفين الاجواء الداخلية والانزلاق نحو الفوضى ، وغرق البلاد في تجارب مؤلمة مثل التي سادت سوريا ولبنان واليمن وليبيا ،،، الخ ، والتي ادت الى مذابح وحمامات دماء وتدمير للمؤسسات.
صدقاً أصبح الحليم حيران في هذه الايام ! ولستُ مغرماً في تصيّد مواقف سابقة للدولة، ولا في ابتداع مفردات لا تعني في الامر شيئا ،، فلم نسمع أو نشاهد موجة من الشيطنة او التحريض على المتظاهرين قبل سنوات ضد حكومة الدكتور هاني الملقي التي تآمر عليها الكثيرين من اركان الدولة ومن الأولغاريشيات والبنوك واصحاب المصالح المالية.
الجروح كبيرة ، والخوف من أتساعها ، وقلب الاردن لا يحتمل أكثر ،،، فالحرب على غزة طرحت ملفات كثيرة وخطيرة في المنطقة ، وأثبتت أن إسرائيل تطارد أي مصدر للحياة على أرض فلسطين.
حِيَلُ الماضي لم تعد تَنفع والأمر لم يعد يحتمل التأخير أو التراخي ! فأستقرار الاردن صار على المحك ! لذا من الضروري اعادة تفكيك وتركيب وترتيب أوراق البيت الداخلي المُبعثرة منذ سنوات طويلة ! وفتح ممرات تسمح بتجاوز الوضع المأزوم ،، والى أطلاق منصات حوار ،، فأية مشكلة يبدأ حلها من قراءة الواقع بموضوعية وحيادية ،،، فأخطر أنواع الخوف هو الخوف الذي يولد الخوف من المصير ،،، ولعل تجارب التاريخ ودروسه القريبة والبعيدة خير دليل على ما نقول
المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني