الرئيسية / أخبار / كيف ستبدو خارطة الأحزاب الإسرائيلية إذا جرت الانتخابات اليوم

كيف ستبدو خارطة الأحزاب الإسرائيلية إذا جرت الانتخابات اليوم

منذ انطلاق عملية التسوية في أواخر عام 1991 باتت إسرائيل تشهد نوعا من عدم الاستقرار في نظامها السياسي، ويتجلى ذلك في تغير حكوماتها، وعدم استكمال الكنيست دورته الانتخابية (ومدتها أربعة أعوام)، والتوجه نحو انتخابات مبكرة بين فترة وأخرى بسبب الخلاف بين تياراتها وأقطابها، وعدم حسمهم بشأن كيفية التعاطي مع هذه العملية.

تبدو اليوم الساحة الإسرائيلية بعد الحرب على غزة مختلفة عما قبل السابع من أكتوبر، وحسب ما يجري من استطلاعات الرأي، والتي تشير إلى تقدم بيني غانتس المعارض لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفه بشكل كبير، وفي نفس الوقت تراجع حزب الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش، الذي وحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية لم يصل إلى نسبة الحسم إذا ما جرت الانتخابات اليوم، فإن المعارضة تقدمت لتحصل على 71 مقعدا في الكنيست مقابل 44 لحلف نتنياهو.

امتاز هيكل النظام الانتخابي في إسرائيل بالتغير وعدم الاستقرار، وخلال ذلك لا يلقى سلم تراتبية القوى الحزبية في إسرائيل إجماعا خاصة من قبل الفاعلين في الساحة الإسرائيلية، فسرعان ما تتحول الأصوات الانتخابية إلى السباحة عكس التيار، والبحث عن حزب يوفر لها الأمن، وهو ما تنشده دائما، غير أن الحاصل اليوم هو حالة عدم رضا في الشارع الإسرائيلي من حكومة اليمين المتطرف وما جلبته من ويلات كثيرة على الإسرائيليين، منها تغيير القانون العام، والبطش بالعلمانية واتهامها بالكفر والزندقة ومحاولاتها تغيير البيئة الحياتية إلى جحيم، ويتعارض هذا حتما مع أيديولوجيا جل الإسرائيليين أصحاب التوجه العلماني. فهنالك مرحلة مفصلية تمر بها إسرائيل اليوم وهي المظاهرات وأشكال أخرى رافضة لنهج نتنياهو في إدارة الأزمة، وتلكؤه في صفقة تحرير الرهائن، وذلك انطلاقا مما تشهده إسرائيل هذه الأيام من دلالات ومعالم انتقال نحو تغيير الخارطة الحزبية باتجاه التحول إلى العلمانية، في ظل التجربة التي مر بها المجتمع وحكم اليمين وسيطرته على كل مفاصل الدولة، بما يخدم الفئة المتدينة على حساب الأطياف الأخرى.

ولعل الطبيعة الحزبية المتشاكسة في إسرائيل كانت العامل المساعد في اختفاء أحزاب وبزوغ نور أحزاب أخرى، فقد شكل عامل الاختلاف أرضية صلبة في عدم الارتهان بحزب على مدار الوقت، فالمتمرسون خلف أي حزب باتوا على قناعة بأن العمر الزمني لأي حزب له فترة محددة، فحزب العمل على سبيل المثل ولد قويا وهو الآن في مرحلة الشيخوخة، وربما يعلن عن وفاته في أقرب انتخابات قادمة، وهذا أيضا ينسحب على الليكود الذي بدأت أسهمه تتهالك بعد أحداث السابع من أكتوبر.

إن ملاحظة هذه التطورات ورؤية التناقضات والتعارضات في بنية المجتمع “الإسرائيلي” اليهودي الحزبية على أرض فلسطين التاريخية، والجذور التي يعود إليها اليهود بقومياتهم المختلفة مثلا من حيث التوجهات الدينية العامة، يسعى التيار الديني القومي لدفع المجتمع بأسره نحو التدين الجماعي، فعمد هذا التيار إلى الاهتمام بمقتضيات التدين على الصعيد الشخصي، حيث يتخذ موقفا فقهيا من المرأة، ويرفض مشاركتها في الحياة السياسية والأكاديمية ومختلف الأنشطة الحياتية، وهذا جوهر الخلاف بين اليمين المتطرف الديني واليساري والعلماني، حتى اليمين العلماني الذي يمثله نتنياهو يختلف مع القوى الصهيونية الدينية في الجوانب الدينية، لكن هنالك توجهات أخرى لها علاقة بالبعد السياسي، وهي من تجمع الدين مع العلمانية، وتبقى مصلحة نتنياهو في هذه المرحلة مع أعدائه فكريا.

وفي هذا السياق العام، ورغم أن العلمانيين الصهاينة هم أصحاب فكرة المشروع والدولة على أرض فلسطين، مما مكنهم ليس فقط من قيادة المؤسسات العسكرية والسياسية التي دشنت في فلسطين قبل الإعلان عن الدولة، بل إنهم مثلوا أيضا عماد المؤسسات الحزبية والتعليمية، والثقافية والإعلامية، والبنى الاقتصادية. وقد أسسوا نقابة العمال التي قامت على ظهرها الدولة وشكلوا أيضا الذراع العسكرية الهاجاناه، المنظمة التي أصبحت فيما بعد نواة الجيش. لكنهم باتوا كما لم يكونوا من قبل كقوة مؤسسة ذاع صيتها.

قد مكن التفوق الديموغرافي العلمانيين الغربيين من اكتساح الانتخابات التشريعية التي نظمت بعد الإعلان عن الكيان الجديد، وهو ما جعلهم يمثلون النخبة السياسية، من خلال الانفراد بتشكيل الحكومات المتعاقبة واحتكار الغالبية المطلقة في الكنيست. وتعبّر التحولات السياسية الحاصلة في إسرائيل بمجملها عن تنامي شعور الإسرائيليين بالخطر الوجودي الناجم عن ضعف استقرار البيئة الأمنية في الشرق الأوسط عموما، وتنامي نفوذ إيران في هذه المنطقة، وصعود قوى المقاومة بأشكالها المتنوعة، وهذا مؤشر آخر يتمحور حول الكل الإسرائيلي بمشاربه المختلفة، وهذا المشهد شبيه بأعراض الخوف الذي يوحد الكل ضد الخطر لكن سرعان ما يزول.

الخلاصة: تشهد الساحة الحزبية في إسرائيل حراكا يتم معه رسم الخارطة الحزبية الإسرائيلية من جديد، فهناك حالات اتحاد بين حزبين أو أكثر، وهناك انقسام داخل الحزب الواحد أو الكتل الحزبية، وهناك ولادة أحزاب جديدة أو كتل حزبية جديدة.