صعب جدا أن نتخيل نجاح أي استراتيجية اختراق أردنية في العمق الفلسطيني بالشراكة فقط مع مجموعة فلسطينية واحدة.
كل التنظير لاستبعاد المقاومة الفلسطينية وحرمانها من مكتسبات سياسية ووطنية ينبغي أن يرفض في المداولات السياسية الأردنية لأن مصالح عمان وليس مخيم جباليا على المحك.
على الدولة إدراك أن الوقت الآن «من دم» ويمر بسرعة وإذا تمكن اليمين الإسرائيلي من حسم الصراع لصالح برنامجه التوطيني الإحلالي، فسنشهد كأردنيين الندم والعبودية السياسية.
استمرار المشروع الوطني الأردني ونفاذه يتمثل بإعادة تدوير الزوايا لصالح تيار المقاومةالفلسطينية ولا أساس لمقولات قديمة لا تريد تناقضا مع المشروع الإسرائيلي.
النقاش الجاد حول مآلات المشهد الفلسطيني ليس مطلبا وطنيا ملحا فقط بل حاجة موضوعية «دفاعية» مع عناوين: تهجير أهل فلسطين، تصفية قضية فلسطين، حسم الصراع بحلول على حساب الأردن ومصر.
على الشعب الأردني الذي مست قلبه المقاومة ويؤيدها بقوة تفهُم مسوغات توازن إدارة المصالح وإظهار احترام أكثر للمواقف الرسمية الأخلاقية المهمة التي اتخذت ضد العدوان وترك هامشا لمناورات القرار والتحول.
* * *
انخراط الأردن حكومة وشعبا في النقاش الحيوي المرتبط بمآلات المشهد الفلسطيني لم يعد مطلبا وطنيا ملحا بل حاجة موضوعية «دفاعية» مع عناوين عريضة فكرتها تهجير أهل فلسطين وتصفية قضية فلسطين وحسم الصراع عبر حلول وبدائل على حساب الأردن ومصر.
لم يعد ذلك سرا ولم يعد فرضية ولا اقتراحا بل عملية عسكرية همجية وإجرامية يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي وفي كل مواقع فلسطين المحتلة، وهي عملية مستمرة بتواطؤ أوروبي وغربي وبغطاء أمريكي، توفيره ابتسامات وأفلام الوزير أنتوني بلينكن والأخطر بحالة عربية وإسلامية متماهية من الخنوع والإذلال.
فقط الشعب الفلسطيني في غير مكان قرر المقاومة والتصدي.
بالتالي وحتى لا نخطئ كأردنيين على الأقل التصويب على الهدف، لم يعد من الممكن إلا تذكير دوائر صناعة القرار في عمان، وهي تتماهى وتنشط وتحاول التأسيس لاختراقات محسوبة في عمق الملف الفلسطيني بأن الجدار الأول الذي يدافع اليوم عن «خيارات المملكة» في ظل هجمة بربرية لليمين الإسرائيلي هو فقط وحصرا «المقاومة «.
وعليه صمود المقاومة بكل الصيغ والأحوال أصبح أو ينبغي له أن يتحول وفجأة لهدف أساسي ومرحلي وسريع وفعال لكل أجنحة الدولة الأردنية، وعلى المترددين في هذا الأمر ترك التشكيك والتيقن من هذه الوقائع والالتحاق بأكبر فرصة ممكنة على أساس القناعة بأن معيار الولاء والانتماء الحقيقيين وبكل صراحة يتحقق اليوم فقط بطريقة مفهومة وبدرب واضح، وفكرته مغادرة المربع الإسرائيلي وطريقة التفكير الأمريكية وبأسرع وقت ممكن.
إذا كنا كأردنيين ولأسباب مفهومة أو غير علنية لا نستطيع دعم المقاومة الفلسطينية بمعنى المال والسلاح فعلى الأقل لابد وحتما تجنب إعاقتها والأهم ينبغي علينا تفهم حوافزها، وطبيعة الدور التاريخي الذي تقوم به الآن مع طبيعة وجوهر المحكمة، ليس فقط دفاعا عن الشعب الفلسطيني لكن مجددا دفاعا عن مصالح المملكة.
أضم صوتي للقائلين بأن المشروع الوطني الأردني بكل تعبيراته التي نعرفها منذ عام 1921 مجاله الحيوي الوحيد الآن للاستمرار والنفاذ يتمثل في إعادة تدوير الزوايا لصالح التيار المقاوم في فلسطين ولا أساس من أي صنف للمقولات الخشبية القديمة التي لا ترى تناقضا مع المشروع الإسرائيلي.
نقرأ مصلحة الأردن اليوم باعتبارها النقيض الموضوعي لطموحات اليمين الإسرائيلي في حسم الصراع وتهجير الفلسطينيين شرقي النهر العظيم وأي تعايش مع أفكار معلبة معاكسة، من هنا وهناك يتوجب ولزاما علينا أن نعيد قراءتها حتى نتوقف عن خداع الذات.
طبعا على الشعب الأردني الذي مست قلبه المقاومة ويقف معها بكل سطوته أن يتفهم مسوغات التوازن في إدارة المصالح ويظهر الاحترام أكثر للمواقف الرسمية الأخلاقية المهمة التي اتخذت ضد العدوان وعليه أن يترك هامشا لمناورات القرار والتحول.
لكن بالمقابل على الدولة بكل مؤسساتها أن تدرك بأن الوقت الآن «من دم» ويمر بسرعة وإذا تمكن اليمين الإسرائيلي لا سمح ألله من حسم الصراع لصالح برنامجه التوطيني الإحلالي، فسنجلس جميعا كأردنيين في مستوى الندم والعبودية السياسية لمرحلة طويلة من الزمن، وسنموت بحسرتنا ونحن نخسر الأشياء الأساسية والمهمة بالقطعة والتقسيط.
لا نحسد كل من هم في مواقع المسؤولية اليوم. ونؤكد على دعمنا الكبير لاختراقات أردنية رسمية أساسية في عمق المشهد الفلسطيني، لكن الأهم بصورة استثنائية أن نفهم معا كيف نخترق وبأي اتجاه وما الذي ينبغي أن نبدله فينا ونحن نفعل، وكيف سنراقب ونقيم ونهتم بالتفاصيل التي قد يجلس فيها شيطان الأجندة الإسرائيلية البغيضة؟
ثقتنا كبيرة بالمؤسسات التي تدير دفة المصالح الأردنية بتوازن ولا نصفق لدعاة المجازفات والمغامرات، لكن بالمقابل نحذر وبشدة وبعنف من مخاطر دعاة ورموز التكيف الذين يعبثون بأولويات الشعب الأردني اليوم وهم يزعمون الحرص على دولته ومستقبله.
خاصة بعد ما راقبنا بأسف بعد المقالات السامة التي تنشر ومعها سيل من قمامة «السوشال ميديا» في اتجاه يريد تأزيم مكونات المجتمع الأردني وتسميم الأجواء والضرب على أوتار الانقسامات القديمة التي ضربها بالعمق أصلا فلسطينيا وأردنيا طوفان الأقصى ومع صبيحة يوم 7 أكتوبر المبارك.
رصدنا مؤخرا بعض الاجتهادات التي نرى أنها مختلة في فهم وهضم المستجدات الفلسطينية وما نحذر منه بكل وضوح بعد قناعتنا بأن السردية الإسرائيلية بعد الآن لن يشتريها أردني واحد هو أن نستبدل سردية الافتراء والكذب الإسرائيلية الامريكية برواية فلسطينية مضى عليها الزمن.
كل التنظير لعملية استبعاد المقاومة وحرمانها من مكتسبات سياسية ووطنية ينبغي أن يواجه بخشونة في عمق المداولات السياسية الأردنية لأن مصالح عمان وليس مخيم جباليا هي التي على المحك اليوم، وكل الملحقات المألوفة من علبة الاتهامات بعناوين يعرفها الشعب على دوائر صناعة القرار أن ترفضها.
صعب جدا أن نتخيل نجاح أي استراتيجية اختراق أردنية في العمق الفلسطيني بالشراكة فقط مع مجموعة فلسطينية واحدة.
*بسام البدارين كاتب وإعلامي أردني