الرئيسية / أخبار / المكاحله: هل تبقى القوات الأميركية في الشرق الأوسط أم ستنسحب؟

المكاحله: هل تبقى القوات الأميركية في الشرق الأوسط أم ستنسحب؟

د. شهاب المكاحله

كنت وعدد من الزملاء نناقش عددا من قضايا الشرق الأوسط والعالم في حلقة نقاش قبل أيام وقد أشار أحدهم إلى أنه وفق استطلاع أجري مؤخراً، فليس من الصعب القول بأن سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط تنتابها حالة من عدم اليقين فيما يتعلق بالتطورات السياسية والعسكرية في ظل لعبة أممية على رقعة شطرنج الشرق الأوسط في معركة تصفية حسابات بين الشرق والغرب.
إن نسبة ٦٢٪ من الأميركيين لا يحبذون عودة الولايات المتحدة الى الشرق الأوسط بأساطيلها بعيداً عن المحيطين الهندي والهادئ حيث الصراع الحقيقي مع الصين في بحر الصين الجنوبي والمضائق التي تتحكم بالتجارة البحرية الصينية. ففي أعقاب أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، دخلت إسرائيل في عملية انتقامية عقابية ضد غزة، مع اشتباكات يشنها شركاء إيران في المنطقة لإشغال كل من إسرائيل والولايات المتحدة في إشارة الى أن طهران قادرة على إشغال تل ابيب وواشنطن في حرب استنزاف عبر وكلائها في المنطقة والتلويح تارة أخرى بإغلاق المضائق التي تمر بها أكثر من ٦٠٪ من التجارة العالمية لممارسة المزيد من الضغط على دول الخليج العربية بعدم توفير أي دعم للولايات المتحدة او للناتو في الصراع الجاري حالياً بين إسرائيل وقطاع غزة وفي ذات الوقت تحذير الغرب من أن شتاءه سيكون قاسياً هذه المرة في ظل إغلاق المضائق ما يعني تعطل الملاحة الدولية، وضعف إمدادات الوقود وشح الأمن الغذائي العالمي وارتفاع معدلات التضخم ما يؤثر على شريحة كبيرة في الغرب قد تطيح بحكوماتها خاصة وأن هناك اكثر من ٧٠ دولة في العالم منها ١٥ دولة أوروبية وأميركية ستشهد انتخابات برلمانية ستؤثر على ماهية حكوماتها.

لقد وصلت مشاعر العداء للولايات المتحدة في الشارع العربي إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. وعلى الرغم من حرص حلفاء واشنطن العرب منذ فترة طويلة على عودة القوات الأميركية للمنطقة للوقوف في ظل تهديدات إيران، إلا أن الضوء الأخضر الذي منح لإسرائيل قد منح الصين وروسيا فرصاً أكثر في الشرق الأوسط. ويشكل هذا بالفعل التحدي الأكبر للمصالح الأميركية في المنطقة منذ العام ٢٠١١.

ويشير بعض المراقبين إلى أن جذور هذا الاضطراب تكمن في الجهود التي بذلتها واشنطن على مدى عقد من الزمن “للتحول” بعيداً عن الشرق الأوسط وتحويل الالتزامات العسكرية الأميركية نحو آسيا. ويقولون إن فراغ السلطة الذي خلقه هذا الأمر مهد الطريق للفوضى الحالية. ويبدو أن الإدارة الأميركية ذاتها تصدق هذا الاستنتاج، وتستخدمه كأساس لإعادة المزيد من القوات العسكرية إلى الشرق الأوسط.

لكن هناك تحفظات من عدد من الخبراء بشأن انتشار القوات الاميركية في الشرق الأوسط مجدداً. أولاً، كان من المفترض أن يكون الانتشار محدوداً للغاية من حيث النطاق والحجم. ثانياً، إن تعزيز بايدن للقوات والأسلحة الأميركية منذ ٧ اكتوبر ليس هو ما تحتاجه هذه المنطقة المعسكرة بالفعل. وبعيداً عن كونه عامل استقرار، فإن هذا الرد قد يؤدي إلى تصعيد نحو حرب أوسع نطاقاً ويوقع الولايات المتحدة في التزامات مفتوحة، في وقت تحتاج فيه آسيا إلى الموارد العسكرية الأميركية أكثر من أي جزء من العالم.

فقد زاد عديد القوات الأميركية في جميع أنحاء الشرق الأوسط في العام الماضي ليصل إلى إجمالي ٤٥ ألف جندي، مدعومين بالطائرات والسفن الحربية. وفي أعقاب ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، عزز بايدن هذا الوجود بإضافة مجموعتين من حاملات الطائرات، وغواصة تعمل بالطاقة النووية من طراز أوهايو، والمزيد من أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة، إلى جانب الآلاف من الأفراد العسكريين الأميركيين. والهدف المعلن هو طمأنة الحلفاء الذين يواجهون الاستفزازات الإيرانية ومنع الصراع الحالي من التوسع. لكن من المرجح أن يؤدي إرسال المزيد من القوات إلى خلق مخاطر تصعيد جديدة بدلاً من ذلك.

إن الوجود العسكري الأميركي الكبير والدائم على ما يبدو يمنح طهران مبرراً لمضاعفة تعزيزها العسكري وتعزيز قدرات وكلائها، مما يزيد من احتمالات العنف في المنطقة. فمنذ ٧ أكتوبر، زادت الهجمات التي يشنها وكلاء إيران في المنطقة على القوات الأميركية في العراق وسوريا. وقد امتدت تلك الهجمات إلى البحر الأحمر بهجمات على الشحن التجاري. وما هو متوقع في العام ٢٠٢٤، أن تتصاعد تلك المناوشات والاشتباكات لتخرج عن نطاق السيطرة.

ويرى أحد الخبراء العسكريين والأمنيين أن إرسال المزيد من القوات العسكرية الأميركية إلى الشرق الأوسط ينطوي أيضا على خطر توريط واشنطن في توفير الأمن بشكل مفتوح للحلفاء الإقليميين في وقت لا بد فيه من التعاطي مع الواقع بأدوات سياسية. وترى تلك الأوساط إن التواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط يترك واشنطن غير مستعدة للأزمات المستقبلية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث المنافسة الأميركية الصينية. عمليات انتشار القوات الأميركية في الشرق الأوسط ستؤدي إلى استنزاف العسكريين الأميركيين وتحويل الاستثمارات اللازمة لردع بكين. فأنظمة الدفاع الجوي الأميركية التي تم نشرها مؤخراً في الشرق الأوسط لن تكون متاحة في آسيا للدفاع ضد التهديد الصاروخي الصيني.

ما يخفيه العام ٢٠٢٤ وفق رؤية عدد من الخبراء الأمنيين والاستراتيجيين، ينطوي على تهديدات حقيقية للأساطيل الأميركية التي تجوب البحار وخاصة في البحر الأحمر نظراً للتقنيات الحديثة التي توافرت لدى الحوثيين وغيرهم بحرًا وجواً وبراً ما قد يؤثر على مكانة واشنطن عالمياً في حال استهداف سفنها وطائراتها التي تراهن تلك التنظيمات على زعزعة ثقة العالم بتلك الترسانة ما يؤثر على النفوذ الأميركي السياسي العالمي بل وعلى مكانتها كقوة عالمية.