سلط الزميل في مؤسسة “جيمس تاون” البحثية، مايكل هورتون، الضوء على تداعيات الهجمات التي شنتها جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) على السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، مشيرا إلى أنها خلقت أزمة شحن عالمية، بينما أكسبت الحوثيين الدعم والإشادة من الدول والشعوب الإسلامية الأخرى، لوقوفهم إلى جانب الفلسطينيين في غزة.
وفي مقال نشره بموقع “ريسبونسبل ستيتكرافت” وترجمه “الخليج الجديد“، تساءل هورتون: إلى أي مدى قد يصل الأمر قبل أن يرد الغرب دفاعاً عن “التجارة العالمية” والأمن الإقليمي؟
وفي معرض الإجابة، ذكر هورتون أن وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت، في 18 ديسمبر/كانون الأول، عن تشكيل قوة لتنفيذ عملية “حارس الازدهار”، مكونة من 10 دول؛ لضمان الأمن البحري في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ردا على أكثر من 100 هجوم مسلح بطائرات مسيرة وصواريخ، شنها الحوثيون على سفن، بينها سفن حربية أمريكية.
وأضاف أن هجمات الحوثيين دفعت شركات الشحن العالمية إلى إبعاد سفنها عن البحر الأحمر لتمر بمسار رأس الرجاء الصالح، ما يضيف أكثر من أسبوع إلى أوقات الإبحار وما يصل إلى 20% من تكاليف الشحن.
وتؤثر عمليات تحويل مسار السفن أيضًا على الاقتصاد الهش في مصر، إذ تعد رسوم المرور من قناة السويس مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة للحكومة المصرية، كما شهد ميناء إيلات الإسرائيلي انخفاضًا في إيراداته بنسبة 80%.
العلاقات العامة
وفي حين تتزايد التكاليف العالمية للهجمات البحرية، ينتصر الحوثيون على جبهة العلاقات العامة داخل اليمن وخارجه، حسبما يرى هورتون.
ففي اليمن، ازداد الدعم للحوثيين، حتى بين بعض أعدائهم، وفي العديد من الدول الإسلامية الأخرى، يُنظر إليهم على أنهم “الجماعة الإسلامية الوحيدة التي تقف ضد العدوان الإسرائيلي”.
وأثارت الهجمات البارزة، بما في ذلك اختطاف سفينة “جالاكسي ليدر”، الفخر الوطني بين العديد من اليمنيين، وتلفت عمليات الاتصالات الاستراتيجية المتطورة التي يقوم بها الحوثيون انتباه الجماهير المحلية والدولية إلى كل هذه الهجمات.
وينقل هورتون عن مصادر يمنية مطلعة أن زيادة شعبية الحوثيين مكنتهم من زيادة كبيرة في التجنيد وفي تدفق التبرعات للمجهود الحربي من الشركات اليمنية والمواطنين الأفراد.
وأشار الزميل بمؤسسة “جيمس تاون” إلى أن الهجمات البحرية تمثل أيضًا دليلاً على الامتداد الجغرافي للحوثيين وبروزهم كقوة إقليمية.
غير أن النتيجة السلبية الوحيدة لحملة الحوثيين المناهضة لإسرائيل تمثلت في انخفاض عدد السفن التي ترسو في مينائي: الحديدة والصليف، إذ يستورد اليمن ما يزيد عن 90% من احتياجاته الغذائية، وتصل غالبية الواردات عبر الحديدة.
وتشكل الرسوم والضرائب الناشئة عن نشاط الميناء مصدراً مهماً للدخل بالنسبة للحوثيين، كما أن انخفاض عدد مرات الرسو في الحديدة وارتفاع تكاليف التأمين البحري لهما تأثير مالي سلبي أيضًا، لكن الشعب اليمني هو الذي سيدفع الثمن.
فالحوثيون يتمتعون بمصادر إيرادات متعددة أخرى تشمل مجموعة الضرائب المحصلة بكفاءة، والاستيلاء على الشركات والممتلكات، وبعض المصالح في الأنشطة غير المشروعة التي تتراوح من الاتجار بالبشر والأسلحة إلى تصنيع وتوزيع المخدرات المختلفة.
ويتمتع الحوثيون بقدرة كبيرة على الصمود والتكيف، فقد أدى ما يقرب من عقدين من الحرب إلى شحذ قدراتهم القتالية، وبعد السقوط الفعلي للحكومة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014، عززوا هذه القدرات من خلال تطعيم تنظيمهم بما تبقى من الجيش اليمني وأجهزة المخابرات. ومنذ عام 2014، سيطر الحوثيون بشكل منهجي على كل جوانب الحكم المدني والأمن والتعليم والاقتصاد في شمال غرب اليمن تقريبًا.
وفي حين كان الحوثيون بين أفضل القوات المقاتلة في المنطقة، وربما في العالم، فإن نجاحهم داخل وخارج ساحة المعركة في اليمن كان مدعومًا بعدم كفاءة أعدائهم وانقسامهم، إذ فشلت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ومجلس القيادة الرئاسي باستمرار في توحيد عشرات الميليشيات التي تعمل في المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين.
وإضافة لذلك، فشلت الحكومة الإيرانية في كبح جماح الفساد المستشري، والذي يمثل دعما للحوثيين، إذ يأتي جزء كبير من أسلحتهم وعتادهم مما تقدمه السعودية والإمارات لوكلائهما في اليمن.
وتقوم العديد من الميليشيات المدعومة من السعودية والإمارات ببيع الأسلحة في سوق الأسلحة المزدهر في اليمن، حيث يشتري الحوثيون أو عملاؤهم الأسلحة.
وهنا يشير هورتون إلى أن الفساد موجود أيضا داخل جماعة الحوثيين، لكنه مع ذلك تحت السيطرة ويقتصر إلى حد كبير على كبار أعضاء الجماعة، إذ يمارس الحوثيون قيادة وسيطرة مشددة على ترساناتهم، ومرافق تجميع الأسلحة، والوزارات الحكومية، والإمبراطورية الاقتصادية المزدهرة في اليمن.
“ولم يسبق أن حظي شمال غرب اليمن بحكومة أكثر كفاءة أو وحشية من النظام الحالي الذي يقوده الحوثيون”، حسب تعبير هورتون.
مصانع الحوثيين
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الإجراءات الدفاعية التي تهدف إلى اعتراض صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، وهي الإجراءات التي تتزايد تكاليفها باطراد، إذ لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الاستمرار بسهولة في إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ النادرة، التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات للقضاء على طائرات مسيرة يمكن أن تكلف أقل من ألف دولار.
ويمتلك الحوثيون مصانع، يقع الكثير منها في مناطق حضرية كثيفة يصعب استهدافها، ويمكنها تصنيع عشرات إلى مئات الطائرات المسيرة أسبوعيًا إذا سمحت الإمدادات بذلك.
ويتم إنتاج الطائرات المسيرة الأكثر تطوراً بوتيرة أبطأ، لكن لا يزال بإمكان الحوثيين تجميع عدة مئات منها على مدار بضعة أشهر. وفي حين أن الحوثيين ما زالوا يتلقون المساعدة والعتاد من إيران، إلا أنه يتم تجميع جميع طائراتهم المسيرة وصواريخهم في اليمن.
ويلفت هورتون إلى أن الحوثيون يركزون أيضًا، بشكل متزايد، على تعديل وتكييف التصاميم الإيرانية للصواريخ والطائرات المسيرة لتناسب متطلباتهم الخاصة، مؤكدا أنهم لم يستخدموا سوى جزء صغير من طائراتهم المسيرة وصواريخهم حتى الآن. فالحوثيون يمتلكون أعداداً كبيرة من الألغام البحرية، بما في ذلك الألغام النفوذية التي يصعب اكتشافها.
ويقر هورتون بأن مجموعة السفن الحربية، التي تقودها الولايات المتحدة، والتي يتم تجميعها الآن في البحر الأحمر وخليج عدن، إلى جانب الأصول العسكرية البرية في البلدان المجاورة، تمتلك قوة نيران كافية لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين، بالمدى القصير على الأقل، ومع ذلك، فإن مثل هذه الحملة ستحتاج إلى الاستمرار لمدة قد تصل إلى أشهر، بتكلفة هائلة لجميع المشاركين فيها.
ولذا يرى الزميل في “جيمس تاون” أن “الحوثيين هم سادة الحرب غير المتناظرة” كما يتضح بوضوح من حملتهم على البحر الأحمر، وسيردون على الضربات التي تقودها الولايات المتحدة من خلال مهاجمة البنية التحتية للطاقة في السعودية والإمارات.
خطر متزايد
وبينما يقوم الحوثيون بنشر صواريخ أكثر تطوراً وطائرات مسيرة مسلحة، من المرجح أن تكون السفن الحربية الأمريكية وقوات التحالف قادرة على الدفاع عن نفسها، بينما ستكون سفن الشحن التجاري، وخاصة الناقلات، عرضة للخطر بشكل متزايد.
ويشير هورتون إلى أن “الحوثيين أغلقوا باب المندب بالفعل أمام العديد من شركات الشحن العالمية”، وقد يعني الصراع الشديد الحدة في المضيق وما حوله أن حركة الشحن في البحر الأحمر قد تتضاءل أو حتى تتوقف تمامًا لعدة أشهر.
ويخلص الزميل في “جيمس تاون” إلى أن الحوثيين حققوا أهدافهم إلى حد كبير، وهي: فرض التكاليف على إسرائيل وحلفائها، وإظهار نفوذهم الإقليمي، وتعزيز الدعم المحلي لجماعتهم، وليس لدى الولايات المتحدة وحلفائها خيارات جيدة عندما يتعلق الأمر بالتعامل معهم.
وبصرف النظر عن العمل على تقييد الهجوم الإسرائيلي المتواصل على غزة، يرى هورتون أن الطريقة الوحيدة لتجنب الدخول في حلقة تصعيدية هي أن تستمر الولايات المتحدة في دعم الجهود التي تقودها السعودية وعُمان بهدف كبح جماح تهديدات الحوثيين وهجماتهم.
ويختتم هورتون تحليله بالتأكيد على أن الصراع في البحر الأحمر “هو نذير لما يخبئه المستقبل مع استمرار انتشار أنظمة الأسلحة منخفضة التكلفة”، ما يؤشر إلى تزايد احتمالات مواجهة الولايات المتحدة وحلفاؤها المزيد من المواقف التي لا توجد فيها خيارات جيدة مع تزايد عدم التناظر بين أنظمة الأسلحة عالية ومنخفضة التكلفة.