الرئيسية / أخبار / المكاحله: تأثير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الانتخابات الرئاسية الأميركية

المكاحله: تأثير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الانتخابات الرئاسية الأميركية

د.شهاب المكاحله 

 في الأسابيع الأخيرة، عاد الصراع القديم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والذي أبرزته الأحداث المأساوية في الحرب بين غزة وإسرائيل، إلى مركز الاهتمام مرة أخرى على الساحة العالمية. وبعيدًا عن الخسائر البشرية المباشرة والعواقب الجيوسياسية، فمن المرجح أن تكون التأثيرات المتتابعة لهذا الصراع محسوسة حتى في عالم السياسة الأمريكية، مما قد يؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية المستقبلية.

في ١٩ نوفمبر ٢٠٢٣، أظهرت نتائج استطلاع للرأي انخفاض تأييد الشارع الأميركي للرئيس جو بايدن مسجلة أدنى مستوى ٤٠٪، الأدنى منذ توليه المنصب الرئاسي مطلع العام ٢٠٢١، حيث لا توافق أغلبية كبيرة من الناخبين على تعاطيه للسياسة الخارجية والحرب بين إسرائيل وحماس، وفقا لأحدث استطلاع وطني أجرته شبكة ” إن بي سي نيوز”. وبدأت مستويات شعبية بايدن بالتراجع تزامناً مع عملية “طوفان الأقصى”، وعقب تأييد الإدارة الأميركية للحرب على قطاع غزة، حيث اقتربت من أدنى مستوياتها منذ توليه المنصب الرئاسي، مطلع ٢٠٢١.
وبالمقابل استغل المرشحون من الحزب الجمهوري هذا الخلاف في الحزب الديمقراطي بل وتراجع شعبية الرئيس بايدن، حيث وجهوا انتقادات حادة له، على الرغم من أن الناخبين الأميركيين لا يولون القضايا السياسية الخارجية أهمية كبيرة، ومع ذلك لا يوافق عدد منهم على تعامل بايدن مع الحرب بين غزة وإسرائيل ما يشكل مصدر قلق لبايدن وحزبه في محاولة إعادة انتخابه عام ٢٠٢٤.
علاوة على ذلك، وجد استطلاع أخر أن بايدن يتخلف عن الرئيس السابق دونالد ترامب لأول مرة قبل الانتخابات الحقيقية التي تفصلنا عنها ١١ شهرا.  وتتجلى تلك النتائج بتضاؤل شعبية بايدن بشكل واضح بين الديمقراطيين، وبين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ إلى ٣٤ عاما، حيث رفض ٧٠٪ منهم طريقة تعامل بايدن مع الحرب ويعتقد أغلبهم أن إسرائيل قد ذهبت بعيدا جدا في عملها العسكري في غزة.
في السياق التاريخي، كان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ فترة طويلة قضية معقدة ومثيرة للجدل، ما أثار مشاعر قوية وآراء معارضة عالميا للسياسة الأميركية ونهجها لإدارة الصراع في غزة. وفي الولايات المتحدة، حيث تشكل الانتماءات السياسية في كثير من الأحيان مواقف السياسة الخارجية، أصبح التعامل مع هذا الصراع بمثابة اختبار حاسم للمرشحين الرئاسيين الذين يسعون إلى شغل أعلى منصب.
من ناحية الرأي العام وتأثير الناخبين، أصبح الرأي العام في الولايات المتحدة مستقطباً عقب تطور الصراع بين حماس واسرائيل حيث أعربت شرائح من الشعب الاميركي عن تضامنها مع القضية الفلسطينية. وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي، وهي قوة قوية في تشكيل الخطاب العام، طفرة في الدعوة، حيث قام الأفراد والجماعات بتضخيم وجهات نظرهم والانخراط في محادثات امتدت إلى ما وراء الحدود حتى اتهم بعضهم بأنه مدعوم من أجهزة استخبارات عالمية تحرض الرأي العام وتقلب الحقائق.  ومن الممكن أن يؤثر هذا الاستقطاب بشكل كبير على سلوك الناخبين. وسوف يضطر المرشحون إلى الاختيار بعناية من يمثلهم، مع إدراكهم لحقيقة أن أي انحراف ملحوظ عن المشاعر السائدة يمكن أن يؤثر على نتائج الانتخابات ومستقبل الولايات المتحدة في المرحلة القادمة ومصير حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.
ومن ناحية أثر مجموعات المصالح واللوبيات، فقد اجتذب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تاريخياً انتباه مجموعات المصالح المؤثرة في الولايات المتحدة، حيث دافعت كل منها عن سياسات تتماشى مع وجهات نظرها الخاصة. وتمارس الجماعات المؤيدة لإسرائيل والفلسطينيين نفوذاً كبيراً، ليس فقط في تشكيل الرأي العام ولكن أيضاً في المساهمة مالياً في الحملات السياسية. ويدرك المرشحون أن موقفهم من الصراع قد يجذب الدعم من الجهات الفاعلة والمؤثرة في السياسة الأميركية.
أما التصور العالمي والقيادة الأميركية، فكلاهما يترقب ما ستسفر عنه المرحلة القادمة من الحرب بين غزة وإسرائيل، العالم يراقب عن كثب كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الصراعات في الشرق الأوسط، بالنظر إلى دورها التاريخي كوسيط وثقل دبلوماسي. ومن المرجح أن يساهم أسلوب التعامل مع الحرب الأخيرة بين غزة وإسرائيل في تشكيل التصورات العالمية للقيادة الأميركية. إن مدى النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها حَكماً وقوة سلام وحرب سوف يؤثر بلا شك في الآراء الدولية، ما قد يشكل العلاقات الدبلوماسية والتحالفات في المستقبل.
وفي الختام، هل ستتقاطع السياسة الأميركية مع القضايا الشرق أوسطية بحيادية وهل فعلا أصبح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر من مجرد صراع جيوسياسي أي أنه أصبح قضية سياسية أميركية لديها القدرة على التأثير على الأصوات والتأثير على النتائج الانتخابية الرئاسية؟ هل سيتعين على الرئيس الأميركي القادم أن يبحر في هذه المياه المضطربة بحكمة، وأن يدرك تأثير موقفه على الساحة العالمية وصناديق الاقتراع على حد سواء؟! هل يتعين على الناخبين أن يكونوا يقظين حيال آلية تعامل المرشحين مع هذا الصراع الدائم في الشرق الأوسط، لأنه يعكس التزام المرشحين بالعدالة، والدبلوماسية، والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة كقائد عالمي؟