الرئيسية / أخبار / حرب إسرائيلية في الضفة الغربية هدفها القضاء على المقاومة وإضعاف السلطة

حرب إسرائيلية في الضفة الغربية هدفها القضاء على المقاومة وإضعاف السلطة

في وقت تشهد فيه الضفة الغربية تصعيداً عسكرياً غير مسبوق، منذ بداية معركة طوفان الأقصى، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي مداهمات وحملات اعتقالات هدفها المعلن هو القضاء على المقاومة الفلسطينية وضرب الحاضنة الشعبية لها، لكنها في ذات الوقت تُضعف السلطة الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى.

وبينما لم تتوقف الاقتحامات وعمليات الاغتيال في الضفة الغربية منذ انتهاء معركة سيف القدس، في مايو/ أيار من عام 2021، إلا أن معركة “طوفان الأقصى” شكلت تصعيد عسكرياً دموياً لم تشهدها الضفة الغربية، وتحديداً مخيماتها، منذ إعادة احتلالها كاملة في عملية السور الواقي في الانتفاضة الثانية 2002.

حرب على الضفة الغربية

ترى قيادات ميدانية ومحللون سياسيون أن الاحتلال أدخل الضفة الغربية بسياق الحرب على قطاع غزة بوتيرة منخفضة عن القطاع، لكن أكبر مما كانت عليه في الضفة بكثير.

ويُجمل المحللون عدداً من الأهداف وراء الاقتحامات المتوحشة التي تعيشها الضفة الغربية بشكل شبه يومي، وهي القضاء على جيوب المقاومة وتحديداً في المخيمات، وإنهاء الحاضنة الشعبية لها، والمزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية الحالية، وكل هذه الأهداف يتم تحقيقها وسط استعراض عسكري انتقامي متوحش وتخريب منظم للبنية التحتية في المخيمات الأكثر فقراً وتهميشاً في الضفة الغربية بشكل شبه يومي.

محاولة إجهاض الحاضنة الشعبية

ويرى القيادي في حركة فتح، جمال حويل، من مخيم جنين، أن الاحتلال منذ الحرب على قطاع غزة يقوم باستهداف المخيمات في الضفة بشكل خاص لقتل المقاومين وضرب الحاضنة الشعبية لهم، لأنها الأقوى في المخيمات.

ويقول حويل، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّه “رغم أن مخيم جنين تعرض للكثير من الاقتحامات قبل الحرب على قطاع غزة، إلا أنه سجل منذ الحرب 16 اقتحاماً مدمراً”، مضيفاً: “يقوم الاحتلال بتدمير البنية التحتية في مخيم جنين بشكل منظم، وحتى اليوم تم إعادة ترميم البنية التحتية أكثر من سبع مرات منذ بداية العام”.

ويوضح حويل أن الاحتلال يتبع سياسة جديدة منذ الحرب الحالية تقوم على قطع المياه والكهرباء والإنترنت عن مخيم جنين، وتجريف الشوارع وإلحاق أكبر الأضرار بالبيوت والمنشآت في المخيم، مؤكداً أنه “لا يوجد بيت أو محل تجاري لم يخترقه الرصاص، ولا يوجد خزان ماء واحد ما زال صالحاً للاستخدام بفعل اختراقه بعشرات الرصاص، إن لم يكن المئات”.

ويضيف حويل أن “الهدف هو ضرب الحاضنة المجتمعية عبر تخريب البنية التحتية، وإرغام الناس على ترك المخيم ليقوم بالاستفراد بالمقاومين، في الوقت الذي تتوجه فيه كل الأنظار نحو حرب الإبادة في قطاع غزة، ولا أحد ينتبه لما يدور في الضفة”.

من جهته، قال أحد المواطنين المقيمين على أطراف المخيم، فضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنّه “في أكثر من مرة عندما تسيطر قوات الاحتلال على المنازل الواقعة على أطراف مخيم جنين، وتحولها إلى نقاط للقناصة، يسأل الجنود أهل المنزل بمكر وهم يضحكون: هل تعجبكم الحياة بالقرب من المخيم؟”.

وتتشارك مخيمات جنين وبلاطة وطولكرم ونور شمس في عمليات تخريب ممنهجة للبنية التحتية والطرق، ولأن الاقتحامات شبه يومية، فتقوم جرافات الاحتلال في كل اقتحام بالتجريف من حيث انتهت أعمال الصيانة التي لم تكتمل إطلاقاً في جميع المخيمات المذكورة.

اغتيالات بالمسيّرات

ورغم وحشية الاقتحامات في مخيم جنين، حيث تم قصف المقاومين بالطائرات المسيّرة في أكثر من مرة، فإن المواجهة ما زالت غير مباشرة حتى الآن بين جنود الاحتلال والمقاومين.

وتحوم طائرات الأباتشي في سماء جنين ومخيمها في تحذير مباشر للمقاومة الفلسطينية، فضلاً عن الطائرات المسيّرة التي استخدمت لقصف المقاومين أكثر من مرة، وذلك على العكس من مخيم بلاطة الذي شهد في الأيام الماضية مواجهة مباشرة مع جنود الاحتلال الذين حوّلوا المخيم إلى ثكنة عسكرية لمئات الجنود الذين دهموا بيوت الشهداء والأسرى، وقاموا بتخريبها وانتشروا في الشوارع والحارات وحاصروا المخيم على مدار يومين تقريباً.

وينعكس التصعيد العسكري الدموي في المخيمات باستخدام القصف عبر المسيّرات كطريقة مفضّلة إسرائيلياً للاغتيالات منذ الحرب على قطاع غزة، ما ينتج عنها أعداد كبيرة من الشهداء وتدمير كامل في المباني، كما هو الحال في مخيمات: جنين، وبلاطة، طولكرم، ونور شمس، أو من خلال اجتياح بمئات الجنود والآليات العسكرية، واعتقال العشرات من المواطنين كما هو الحال في مخيمات العروب والفوار في الخليل، وبلاطة في نابلس، وعقبة جبر وعين السلطان في أريحا.

اقتحامات انتقامية بطابع استعراضي

وتأخذ اقتحامات الاحتلال طابعاً انتقامياً واستعراضياً في ذات الوقت، إذ يحتفي الجنود بطرق استعراضية بالاقتحامات والاعتقالات، كان آخر هذه الاستعراضات وقوف جندي في شارع ضيق مدّمر في مخيم بلاطة ليرفع علم دولة الاحتلال الإسرائيلي ويقدم لها التحية، بينما يقوم زميله بتصويره.

ذات الاستعراض تكرر، لكن عبر اقتحام الاحتلال مسجد معاذ بن جبل في مخيم الفوار جنوبي الخليل، ورفع علم إسرائيل على المئذنة، وقد يبدو ذلك واضحاً في أن الآليات العسكرية التي تقتحم المخيمات منذ الحرب على غزة ترفع علم دولة الاحتلال.

من جهة أخرى، يبرز طابع الانتقام والتخريب خلال الاقتحامات، حيث يقوم الجنود بتدمير كل النصب التذكارية للشهداء ومصادرة بعضها، وإطلاق الرصاص على صور الشهداء التي تكسو جدران المخيمات، فضلاً عن تدمير محتويات المنازل، وأحياناً تفجير أجزاء منها، والاعتداء بالضرب المبرّح على الأهالي والمعتقلين الذي يتم اعتقالهم حفاة أو شبه عراة أحياناً.

حسب المعلومات التي حصل عليها “العربي الجديد”، فإن الاحتلال الإسرائيلي أبلغ السلطة الفلسطينية برفضه أي تسوية أمنية لعدد من المطلوبين في مخيم بلاطة.

ويقول أحد المواطنين في مخيم عقبة جبر جنوبي أريحا، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “اللافت في اقتحام المخيم السبت الماضي هو قيام الاحتلال بتفجير أبواب منازل المواطنين وعدم مداهمة هذه المنازل، أي أن التدمير لا يحتاج حتى لذريعة واهية”.

ويقول أفراد في عائلة أحد المطلوبين في مخيم بلاطة، فضلوا عدم ذكر اسمهم، لـ”العربي الجديد”، إنّ جنود الاحتلال “اقتحموا المنزل بوحشية وقاموا بتدمير كل ما وجدوه في طريقهم، وأطلقوا الرصاص على محتويات المنزل، وخلعوا الشبابيك”.

ويوضح والد أحد المطلوبين لـ”العربي الجديد”: “نعيش مشاهد الانتفاضة الأولى، حين ينتشر الاحتلال في أنحاء المخيم بالآليات العسكرية والقوى الراجلة، ويتخذ من بعض المباني نقطة عسكرية، ويقوم بمداهمة المنازل واعتقال العشرات من المواطنين وتجميعهم في أماكن معينة، وإجراء تحقيق ميداني معهم”.

وتابع: “في الانتفاضة الثانية أصبحت شراسة القتل بالرصاص الحي عبر تنفيذ عمليات عسكرية داخل المخيم المحاصر بآليات الاحتلال هي السمة السائدة أيضاً في الوقت الحالي، لكن الأمر زاد سوءاً في هذه الاقتحامات ليتضمن القصف بالطائرات الحربية كما جرى في شارع السوق، وهو أكثر الشوارع ازدحاماً في المخيم، في  18 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي”.

إضافة لما سبق بات تصاعد اعتقال أفراد عائلات المطاردين، من زوجات وأمهات وآباء، للضغط على المقاومين لتسليم أنفسهم.

المزيد من إضعاف السلطة

خلال الفترة الماضية، رفض الاحتلال أي تسوية أمنية لعدد من المطلوبين مع السلطة الفلسطينية في مخيم بلاطة، كما أًصبح مألوفاً في العامين الماضيين.

ويقول والد أحد المطلوبين من مخيم بلاطة لـ”العربي الجديد”: “لقد اتصل ضابط المخابرات الإسرائيلية علي وأخبرني بضرورة تسليم ابني المطلوب لهم، وعندما أخبرته أنني قد سلمته بالفعل لـ(الأمن الوقائي) رفض ذلك وأخبرني بضرورة تسليمه للاحتلال فقط”.

وحسب المعلومات التي حصل عليها “العربي الجديد”، فإن الاحتلال الإسرائيلي “أبلغ السلطة الفلسطينية برفضه أية تسوية أمنية لعدد من المطلوبين في المخيم، وضرورة تسليم أنفسهم للاحتلال”.

ويأتي رفض هذه التسويات الأمنية حالياً رغم عدم توقف الاعتقال السياسي والتنسيق الأمني من جهة السلطة الفلسطينية.

وتقول إحدى نساء مخيم بلاطة التي تمت مداهمة منزلها في حديث مع “العربي الجديد”: “لقد قال لنا ضابط الاحتلال وهو يعتدي على أبنائي: السلطة ما ربتكم، إحنا راح (سوف) نربيكم”.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية معاوية موسى في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أن “الاقتحامات الأخيرة أعادت الفلسطينيين لمرحلة عام 2002، عندما بدأ العمل إسرائيلياً ودولياً على إيجاد قيادة جديدة للسلطة”.

وتابع موسى: “إسرائيل معنية أن تضع السلطة الفلسطينية على حافة الهاوية حتى يتم تجهيزها لنسخة محدثة منها، وهذه ما تحدث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام، مستخدماً عبارة ‘سلطة محدثة’ والإصدار الجديد للنسخة الجديدة يجب أن يأتي عبر أزمة مالية، وعمليات إسرائيلية عسكرية عميقة ومتواصلة ليُبقى الشارع الفلسطيني تحت ضغط هائل ومتواصل، حتى يقبل بأي إملاءات في المرحلة القادمة”.

ويؤكد موسى أنّ “ضباط الأمن في الاحتلال الإسرائيلي اعترفوا أن الحرب على غزة فتحت أفقاً أكبر وأشرس على الضفة الغربية، لأنهم في السابق كانوا يخشون أن التصعيد العسكري في الضفة سيقود لتصعيد في قطاع غزة، لكن الحرب اندلعت بالفعل في غزة من السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فلم يعد هناك ما يخشوه”.