يرى بعض الخبراء الأمنيين والمحللين العسكريين الإسرائيليين أن اتساع رقعة المواجهات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي و”حزب الله” اللبناني على نحو أكبر، هو مسألة وقت، في ظل التصعيد المتواصل على الحدود، والذي بدأ يطاول مناطق أعمق، سواء من خلال قصف إسرائيل لمواقع لبنانية، أو استهداف “حزب الله” إسرائيل بقذائف وطائرات مسيّرة.
ويعتقد بعضهم أن إسرائيل يجب أن “ترد بقوة أكبر”، وأن تبادر هي للهجوم، وإلى حرب محدودة، حتى لو تدهورت إلى حرب شاملة.
ويرى الكاتب والمحلل العسكري في صحيفة “معاريف” تال ليف رام، أن الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، يعرف أن الحزب وإسرائيل في طريقهما إلى الحرب، لافتاً إلى أن حجم الدمار في أحد المواقع العسكرية التي استهدفها “حزب الله” الاثنين، “يوضح كم أن المواجهة العسكرية قريبة بقوة أكبر” مما هي عليه اليوم.
ويعتبر الكاتب أن الهجوم الذي شنّه “حزب الله” على مقر قيادة الفرقة بواسطة صواريخ “بركان” الاثنين، “ليس وليد الصدفة، كما لم يكن صدفة نشر التوثيق المصوّر من قبل الطرف اللبناني بعد بضع ساعات من الهجوم. وحتى عندما ينتهي حدث من هذا النوع بدون إصابات، فإنه يشير إلى تصعيد آخر”.
ويلفت إلى أن أكثر من ألف وسيلة مسلّحة من أنواع مختلفة سواء كانت قذائف، أو قذائف هاون، أو صواريخ مضادة للدروع ومسيّرات مسلحة وغيرها، أرسلها “حزب الله” باتجاه إسرائيل على مدار نحو شهر ونصف.
ويوضح أن المنظمة “واصلت تصعيدها في اليومين الأخيرين، وإرسال القذائف والطائرات المسيّرة باتجاه البلدات على خط المواجهة وفي الجليل الغربي. صحيح أن “حزب الله” لا يزال حتى اليوم يقوم بإطلاق قذائف لمسافات قصيرة، ولكن من أسبوع إلى آخر تم تسجيل تصعيد إضافي. وعليه، حتى لو كانت إسرائيل تريد التركيز على إخضاع “حماس”، ففي نهاية الأمر الحدث سوف يقع، وامتحان النتيجة سيلزم إسرائيل بتصعيد ردودها في لبنان”.
ويرى الكاتب أنه حتى الآن، لا توجد أي جهة تعمل على التصعيد في الشمال، حتى لو كان يتم بشكل تدريجي، وفي إسرائيل ينظرون إلى الحرب في غزة على أنها فرصة من أجل ترميم الردع أمام “حزب الله”، ومواجهات أخرى في المنطقة، في ظل شدة العملية الإسرائيلية في القطاع، والدمار الهائل الذي تحدثه في غزة، فيما يحاول “حزب الله” في المقابل بذل كل الجهود لإثبات أنه حتى اللحظة على الأقل، مستعد للمخاطرة في حرب، حتى لو كان ذلك على حساب لبنان، ويبدو أن إسرائيل لا تردعه”.
السؤال هو التوقيت
ويشير المحلل العسكري إلى أن حدود المواجهة بين “حزب الله” وإسرائيل لم تتغيّر بشكل جوهري منذ بدايتها، ولكن داخل الحدود التي رسمها الطرفان، يبدو أن هناك تصعيداً ملموساً في الأسبوع الأخير، حتى لو لم ينعكس ذلك من خلال عدد كبير من المصابين، كما يرى أن المعادلة لا تزال لمصلحة إسرائيل، حتى لو كان “حزب الله” هو الطرف المهاجم، وأن قوات جيش الاحتلالألحقت أضراراً كبيرة بالحزب في الجنوب، وجرّدته من “قدرات عسكرية يقوم بتحضيرها للحرب”، على حدّ تعبيره.
ويقول الكاتب في السطر الأخير، إن إسرائيل غير معنية الآن بحرب في الشمال، كما أن “حزب الله” بعيد عن إطلاق قذائف لمسافات أبعد مما هي عليه اليوم، مضيفاً أنهم “في إسرائيل يقدّرون أن العملية في غزة ستتواصل لشهور طويلة، ومع هذا من أسبوع إلى آخر، يتواصل التصعيد الزاحف في الشمال والمواجهة المباشرة بين إسرائيل و(حزب الله) تبدو كشيء لا يمكن منعه، والسؤال فقط هو متى؟”.
حرب محدودة آيلة للتطوّر
من جانبه، يعتبر الجنرال في جيش الاحتياط كوبي مروم، المختص بالأمن القومي والجبهة الشمالية، في حديث لإذاعة “103 إف إم” العبرية اليوم، أن ما يحدث على الجبهة الشمالية هو حرب محدودة قد تتحول إلى حرب شاملة، مضيفاً أن “الرد الإسرائيلي يجب أن يكون أكثر حزماً (..) ويجب إبلاغ الجمهور أنه قد تنتظرنا أشهر طويلة”.
ويتابع: “لا شك أنني أرى تصعيداً في اليومين الأخيرين. “حزب الله” يبدأ القتال ضد إسرائيل، ونحن لا نزال برأيي في أكتوبر (أي في إشارة إلى أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول). نحن نرد كما كان عليه الحال قبل الحرب. صحيح أن مجلس الحرب قرر أن الأولوية هي لغزة، ولكننا نرى على مدار الشهر ونصف الماضيين أن “حزب الله” يبادر، والجيش الإسرائيلي يردّ، وينجر وراء ذلك، بدل أن يكون الأمر معاكساً”.
ويوضح مروم أن “المبادرة يجب أن تأتي من طرفنا، وهذا مرتبط بالمرحلة المقبلة لما سنقوم به. إذا كان “حزب الله” هو من بدأ الحرب ضد إسرائيل، فيجب تدفيعه ثمناً باهظاً، وهو الآن لا يدفع ثمناً كافياً. أعتقد أن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون أكثر حزماً”.
حرب شاملة
ويضيف مروم أن “على إسرائيل، بعد إنهاء الجهود الرئيسية في غزة، المبادرة إلى حرب محدودة في الشمال، لأنه برأيي، ليست هناك أي تسوية أو جهد دبلوماسي سيبعد “قوات الرضوان” وعناصر “حزب الله” إلى ما بعد الليطاني. أعتقد أنه يجب الآن تصعيد الردود الإسرائيلية، والتحدث إلى الجمهور بشكل واضح بأنه تنتظرنا شهور طويلة”.
ويشدد على أنه “على إسرائيل خلال بضعة أسابيع، أن تنقل الجهود من غزة إلى الشمال، وأن تطلب من المجتمع الدولي وحكومة لبنان نزع كل السلاح من كل المناطق جنوب الليطاني. أعتقد أن هذا الجهد لن ينجح، وبعده سيكون على إسرائيل البدء بحرب محدودة ربما تتدهور إلى حرب شاملة. ولكن هذا هو واجبنا تجاه سكان الشمال. بعد 7 أكتوبر، هناك فرصة استراتيجية يجب عدم تفويتها. يجب علينا عدم تفويت فرصة كهذه من أجل خلق واقع مختلف في الشمال”.
يذكر أن وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها القناة 12، ذكرت الاثنين، أن الهجوم على الشمال من لبنان كان الأعنف منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تحذير إسرائيلي من حرب إقليمية
وفي سياق متّصل، حذرت إسرائيل مجلس الأمن الدولي من اندلاع “حرب إقليمية” في حال لم يتم إجلاء عناصر “حزب الله” من منطقة الحدود بين لبنان وفلسطين.
وذكرت قناة التلفزة “13”، ليل أمس الثلاثاء، أن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بعث رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، هدّد فيها برد عسكري يمكن أن يفضي إلى “حرب إقليمية” في حال لم يسحب “حزب الله” عناصر وحدة “الرضوان” التابعة له من منطقة الحدود الشمالية.
وطالبت إسرائيل مجلس الأمن بالعمل على تطبيق القرار 1701، الذي على أساسه تم إنهاء حرب لبنان الثانية في 2006، والذي زعمت أنه يلزم لبنان بعدم السماح لـ”حزب الله” بالوجود عسكرياً جنوب نهر الليطاني.
وحثت إسرائيل مجلس الأمن الدولي على ضرورة إلزام قوة حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان “اليونيفيل”، بالعمل على منع وجود “حزب الله” بالقرب من الحدود الشمالية، من منطلق أن عدم التزام القوة الدولية بتحقيق هذا الهدف يمكن أن ينتهي إلى “حرب إقليمية”.
وجاء في الرسالة: “لمصلحة الاستقرار الإقليمي، ومن أجل منع تصعيد إضافي، النقاش القادم لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجب أن يتبنى توجهاً مغايراً تماماً، بحيث يضمن إنهاء تجاوزات “حزب الله” والمنظمات الإرهابية الأخرى الخطيرة لقرار 1701″.
ورأت القناة أن الإنذار الإسرائيلي يمكن أن يفضي إلى تداعيات عسكرية، مشيرة إلى أن الرسالة جاءت في أعقاب نقاشات وحوارات على مستوى المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، ومستويات رسمية أخرى في تل أبيب.
وبحسب القناة، فإنه قد تقرر إرسال هذه الرسالة بهدف إحاطة مجلس الأمن بخطورة الأوضاع على الحدود الشمالية، وتداعياتها المختلفة.
وعلى الرغم من رسالة كوهين إلى مجلس الأمن، إلا أن هناك الكثير من القيادات العسكرية الإسرائيلية في الاحتياط التي تحذر من مغبة الانجرار إلى فتح جبهة إضافية، إلى جانب الحرب التي يشنها جيش الاحتلال ضد قطاع غزة حالياً.