الرئيسية / أخبار / طريق السلام في غزة يمر عبر الضفة الغربية الأكثر تعقيدا

طريق السلام في غزة يمر عبر الضفة الغربية الأكثر تعقيدا

رأي المحلل في مركز ستراتفور، سام ليختنشتاين، أن التفكير في وضع غزة ما بعد انتهاء الحرب المتواصلة منذ 41 يوما بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية يستحوذ على غالبية الاهتمام الإعلامي والسياسي حاليا، ويأتي في مقدمة الأوليات الأطراف الفاعلة في الصراع؛ إذ يشكل التوصل إلى خطة أو هدنة قابلة للتطبيق في القطاع خطوة ضرورية لإنهاء الصراع الحالي.

لكن بالرغم من ذلك، بحسب ليختنشتاين، فإن أي شيء يشبه السلام المستدام سوف يتطلب خطة مستقبلية لأراضي فلسطينية أخرى وهي الضفة الغربية، الأكثر تعقيدا باعتبارها مأهولة بالفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين، وتحظي بوجود عسكري إسرائيلي مستمر، وعدد سكانها (الفلسطينيين والإسرائيلي) أكبر بمقدار الثلث على الأقل من غزة، كما أن لديها حدود مع القدس الشرقية التي يطالب الفلسطينيون بأن تكون عاصمتهم.

وأكد ليختنشتاين أنه بدون مواجهة التحديات التي تفرضها هذه المعطيات الشائكة في الضفة وحلها، فإن أياً كان ما يحدث في غزة من سلام أو غيره لن يكون كافياً في نهاية المطاف لتلبية متطلبات الإسرائيليين الأمنية ورغبات الفلسطينيين في تقرير المصير.

وعقب أنه “باختصار فإن الحرب قائمة في غزة، لكن الطريق إلى السلام موجود في الضفة الغربية”.

اضطرابات غير مسبوقة

وأوضح أن الإسرائيليين يرون أن الفلسطينيين هم مصدر مستمر للتشدد، في حين ينظر الفلسطينيون إلى الإسرائيليين باعتبارهم مستعمرين قاموا بتوسيع المستوطنات بشكل مضطرد مما أدى إلى تقويض اتفاقيات أوسلو.

وصنفت اتفاقية أوسلو (1995) بين منظمة التحرير وإسرائيل أراضي الضفة إلى 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و “ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و “ج” تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية.

وكان من المفترض أن يكون ذلك التقسيم بمثابة نقطة انطلاق لما يسمى باتفاق “الوضع النهائي” الذي من شأنه أن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، لكن عملية السلام انهارت تحت وطأة العنف والمقاومة السياسية من كلا الجانبين.

وقبل اندلاع الحرب الحالية بين حماس وإسرائيل في 7أكتوبر/ تشرين أول، وصلت الاضطرابات في الضفة الغربية إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، مع تصاعد كبير في كافة أشكال العنف، بما في ذلك الهجمات المسلحة الفلسطينية، والغارات العسكرية الإسرائيلية، وهجمات المستوطنين الإسرائيليين.

وضع معقد

وأكد ليختنشتاين أنه مما لا شك فيه أن وضع خطة حكم سهلة التعامل في قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب سوف يكون أمراً بالغ الصعوبة، ولكن أصبح من الواضح على نحو متزايد أن الطريق إلى السلام المستدام سوف يمر عبر الضفة الغربية، بغض النظر عما يحدث في بالقطاع.

واستشهد ليختنشتاين بواحدة من الأفكار المطروحة لوضع الحكم في غزة بعد الحرب، والذي يتمثل في تولي السلطة الفلسطينية السلطة بدلا من حماس.

ولفت إلى أن هذا الحل من وجهة النظر الإسرائيلية، هو أسهل حبة يمكن ابتلاعها من بين قائمة من الخيارات غير الشهية، نظراً للوضع الراهن، لكن في المقابل أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 10 نوفمبر/تشرين ثان الجاري عدم موافقة السلطة في رام الله على إدارة غزة إلا إذا وقعت إسرائيل اتفاق سلام شامل يقضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وبالتالي، يبدو أن إسرائيل لن تجد الضمانات الأمنية الدائمة التي تسعى إليها دون معالجة التحديات الأكثر تعقيدًا التي تربك الضفة الغربية، والتي أصبحت بعد عقود من النشاط الاستيطاني الإسرائيلي والنضال الفلسطيني، مزيجًا من سيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية ما سيجعل فك الارتباط أمر صعبا للغاية.

 ومقارنة بغزة، فإن وضع الضفة الغربية سوف يخلف تأثيراً أعظم كثيراً على مستقبل الفلسطينيين، نظراً لمطالبتهم بالقدس الشرقية عاصمة لهم، وحقيقة أن الضفة الغربية أكثر سكاناً وتوسعاً جغرافياً.

ووفق ليختنشتاين فإن أي سلام مستدام محتمل، سوف يتوقع فيه الفلسطينيون السيطرة الكاملة على الأراضي أو على الأقل على شريحة أكبر بكثير مما لديهم الآن، ومع ذلك، فمن الصعب أن نتصور أن الحكومة الإسرائيلية – لاسيما في ظل وجود العديد من المتطرفين فيه- توافق على ذلك.

وفي ظل المناخ الحالي في إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، قد يتطلب الأمر عملاً شجاعاً للغاية – وربما انتحارياً سياسياً – من قبل حكومة مستقبلية تقوم بسحب المستوطنين والقوات من الضفة الغربية، وهو عمل يصعب تصوره بشكل خاص في ظل الغموض الذي يحيط بمستقبل غزة وحكومة نتنياهو، فشركاء الائتلاف اليميني غير راغبين في تلبية مطالب السلطة الفلسطينية بالتوصل إلى اتفاق سلام شامل.

حق العودة وفساد السلطة

ورأي المحلل أن حقيقة أن أي اتفاق سلام مستقبلي قد يتضمن بعض الاهتمام لحق العودة للفلسطينيين، حتى ولو بطريقة محدودة، لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأمور.

ومن المرجح أن يذهب أي عائد فلسطيني إلى الضفة الغربية أكثر من قطاع غزة، نظراً للدمار المادي الذي تعرض له القطاع الأخير خلال الحرب الحالية وفضلا أن مساحته الأصغر بكثير.

وإضافة لتلك المعوقات يرى ليختنشتاين أن مسألة حكم الضفة الغربية تظل بلا إجابة.

وأكد أن السلطة الفلسطينية فقدت كل مصداقيتها بشكل أساسي بعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة، وسوف تواجه أزمة خلافة كبرى بعد أن لم يعد الرئيس عباس البالغ من العمر 88 عاما في منصبه (سواء للوفاة أي سبب أخر)، مما يعني أن الحكم المستقبلي في الضفة الغربية سيواجه نفس الشيء إن لم تكن التحديات أكثر حدة كما هو الحال في غزة.

وإذا تم إعادة حكم السلطة الفلسطينية بطريقة أو بأخرى إلى قطاع غزة كجزء من خطة حكم ما بعد الحرب، فإن فكرة أن الفاسدين المتسلسلين، فإن فكرة أن السلطة الفلسطينية الفاسدة والمقسمة والتي تعاني من نقص الموارد يمكن أن تدير كلا المنطقتين في وقت واحد تبدو غير محتملة.

 كما أن غياب التمويل الأجنبي الكبير والمستدام، والدعم الأمني ​​والسياسي يمكن أن يولد مجموعة من التعقيدات مع مرور الوقت.

وضع القدس الشرقية

وبطبيعة الحال، كما كان الحال في كثير من الأحيان في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فإن وضع القدس – على وجه التحديد، القدس الشرقية – يلوح في الأفق باعتباره أكبر حجر عثرة، حيث يشكل الفلسطينيون أغلبية أولئك الذين يعيشون في ذلك الجزء من المدينة.

 من الصعب أن نتصور موافقة السلطة الفلسطينية على الإطلاق على صفقة لا تعترف صراحة بالقدس كعاصمة لها، ومع ذلك فإن الحصول على موافقة إسرائيلية على ذلك لا يزال محفوفا بالمخاطر كما كان دائما.

وحتى إذا وضعنا جانباً التحديات السياسية الهائلة والأهمية الرمزية لتنازل الحكومة الإسرائيلية عن هذه الأراضي، فإن الأمور العملية الهائلة ستظل قائمة لأن المدينة القديمة، وهي موقع بعض من أقدس المواقع في كل من اليهودية والإسلام (والمسيحية)، تقع في القدس الشرقية.

وبالتالي، فإن معرفة كيفية تمكين وصول المصلين من كلا الديانتين مع ضمان الأمن أيضًا – وهو عمل موازنة صعب أثار في كثير من الأحيان اضطرابات عنيفة عندما منعت قوات الأمن الإسرائيلية الفلسطينيين من زيارة المسجد الأقصى – مما لا شك فيه أنها ستستمر وتهدد باندلاع أعمال عنف في المستقبل.