سلط الخبير في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية بمعهد “نيو لاينز” في واشنطن، قمران بخاري، الضوء على تداعيات استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة بالنسبة للأردن، مشيرا إلى أن استمرار الحرب مرشح للتوسع إلى الضفة الغربية، خلافاً للحروب السابقة في غزة.
وذكر بخاري، في تحليل نشره بموقع “جيوبوليتيكال فيوتشرز” وترجمه “الخليج الجديد“، أن السلطة الفلسطينية، المعترف بها دولياً، استمرت في الانهيار بالضفة الغربية بينما تعمل قوات الدفاع الإسرائيلية على تفكيك نظام حماس في غزة، وإذا فقدت إسرائيل السيطرة فستواجه فوضى غير مسبوقة في كل من الأراضي الفلسطينية، ولن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تمتد الاضطرابات في الضفة الغربية إلى الأردن المجاور.
وأضاف: “من شأن مثل هذا التحول في الأحداث أن يوفر فرصة لإيران لتوسيع نفوذها في النظام الملكي الهاشمي من سوريا والعراق”.
وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 8 فلسطينيين في الضفة الغربية خلال مداهمة واشتباكات مع مسلحين مشتبه بهم في بلدة طولكرم، كما قُتل 170 فلسطينيًا في اشتباكات مع إسرائيليين في أنحاء الضفة الغربية منذ عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي الوقت نفسه، أفادت التقارير بأن المستوطنين اليهود يستولون على المزيد من الأراضي في الضفة الغربية، بينما تملك السلطة الفلسطينية سيطرة محدودة على المنطقة منذ تأسيسها في عام 1994، وهي آخذة في الضعف، ليس فقط بسبب عدم قدرتها على فعل الكثير بشأن تعديات المستوطنين ولكن أيضًا بسبب فسادها، وقيادتها المسنة وانقساماتها الداخلية.
وحتى الآن، تبدو السلطة الفلسطينية متمكنة من احتواء الاستياء الشعبي من حكمها، والاستياء من الاحتلال الإسرائيلي، لكن تقديرات عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة يصل إلى أكثر من 11 ألفًا، ما يرشح إثارة اضطرابات مدنية في الضفة الغربية.
وفي حال حدوث ذلك فإن السلطة الفلسطينية ستكافح بقوة لاستعادة النظام، فضلا عن تولي السيطرة على غزة بعد الحرب، كما تأمل الولايات المتحدة.
وإضافة لذلك، فإن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يبلغ من العمر 88 عاماً، وكانت الفصائل المختلفة في الهيئة الحكومية التي تهيمن عليها حركة فتح تتنافس على منصبه تحسباً لانتقال القيادة.
ومن المرجح أن تمتد هذه الانقسامات إلى صفوف أجهزة الأمن الفلسطينية، المسؤولة عن المنطقة (أ) في الضفة الغربية، حيث تتمتع السلطة الفلسطينية بالسيطرة الكاملة، والمنطقة (ب)، حيث تدير الإدارة المدنية تحت إشراف أمني إسرائيلي، ما يراه بخاري وضعا مهيأ لاستغلال حماس وحركات المقاومة الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية.
وأضاف أن تصعيد الاشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الجيش الإسرائيلي و/أو المستوطنين الإسرائيليين يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الانضباط بين أجهزة الأمن الفلسطينية ويؤدي إلى قتال بين أفراد الأمن الفلسطينيين والجماعات المسلحة من جهة وقوات جيش الدفاع الإسرائيلي والمستوطنين المسلحين من جهة أخرى.
مخاطر على الأردن
ويشير بخاير إلى أن القتال يمكن احتواؤه بسهولة أكبر في غزة، بسبب صغر حجم المنطقة وحقيقة أنه من الممكن أن ينتشر مباشرة إلى سيناء فقط، حيث تحتفظ مصر بوجود عسكري قوي، لكن الضفة الغربية على النقيض من ذلك، فهي أكبر بكثير وأكثر اكتظاظا بالسكان، ومن الممكن أن تؤدي عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة هناك إلى دفع اللاجئين إلى الأردن المجاور، حيث ينتمي أكثر من نصف السكان إلى أصول فلسطينية.
وقد حدث ذلك من قبل بالفعل، وحكم الأردن الضفة الغربية منذ عام 1948 حتى سيطرة إسرائيل عليها عام 1967 في أعقاب حرب الأيام الستة، وبدلاً من التخلي عن القتال، لجأ مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأردن بحثاً عن ملاذ لهم.
وطاردتهم القوات الإسرائيلية عبر الحدود في عام 1968، ما أدى إلى حدوث صدع بين عمان ومنظمة التحرير الفلسطينية. وبعد فشلها في صراعها ضد إسرائيل، سعت المنظمة الفلسطينية إلى تعزيز موقعها في الأردن.
وبحلول عام 1970، كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أنشأت وجودًا على شكل دولة داخل المملكة وبدأت في الدعوة إلى الإطاحة بالنظام الملكي، وخوفًا من فقدان السلطة، اختار عاهل الأردن في ذلك الوقت، الملك حسين، الرد عبر الحدث المعروف باسم “أيلول الأسود”، عندما هزمت القوات الأردنية، بمساعدة فرقة عمل عسكرية باكستانية، منظمة التحرير الفلسطينية وطردتها إلى لبنان.
((3))
ويلفت بخاري إلى أن هذه التجربة التاريخية محفورة في نفسية النخبة السياسية الأردنية، وظل القادة الأردنيون يشعرون بالقلق من أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وخاصة في الضفة الغربية، يمثل تهديدا كبيرا لاستقرار الملكية الهاشمية.
وفي السنوات الأخيرة، أدى انهيار عملية السلام، ونمو المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والحروب العديدة في غزة، إلى تضخيم مخاوف عمان، على الرغم من اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن عام 1994.
ولهذا السبب كان العاهل الأردني الملك، عبدالله الثاني، أكثر صراحة من المعتاد في انتقاده لإسرائيل منذ عملية “طوفان الأقصى”.
وتتفهم الحكومة الأردنية أيضًا الضغوط الداخلية التي تتعرض لها لبذل المزيد من الجهود للتخفيف من حدة الوضع الفلسطيني، لكن خياراتها محدودة كدولة صغيرة وضعيفة، حسب تقدير بخاري، مشيرا إلى أن “عمان كانت تأمل، في ظل غياب حل إسرائيلي فلسطيني، أن يظل الصراع على الأقل محصوراً في قطاع غزة”.
وشعرت القيادة الأردنية بالارتياح لأن الضفة الغربية، على الرغم من مشاكلها العديدة، لا تزال تحت السيطرة رغم تكرار الحروب في غزة على مدى السنوات الـ 15 الماضية.
لكن سعي إسرائيل إلى تغيير النظام في غزة يهدد بشكل حقيقي بكسر النظام الهش في الضفة الغربية، بحسب بخاري، مشيرا إلى أن آخر ما يريده الأردنيون هو الظروف التي تشبه ظروف غزة في الضفة الغربية، زاعما أن هذا السيناريو هو ما تريده حماس وإيران.
وأضاف أن الأردن “لطالما خشي من تنامي قوة إيران، التي تتمتع بموقع جيد على حدود الأردن، في العراق وسوريا، وتسعى لتوسيع نفوذها في الضفة الغربية”.
وفي عام 2004، حذر الملك، عبدالله الثاني، من ظهور “هلال شيعي” يمتد من الخليج إلى البحر المتوسط، “وهذا من شأنه أن يزعزع استقرار دول الخليج، وفي الواقع المنطقة بأكملها” حسب قوله.
وبعد مرور ما يقرب من 20 عامًا، أصبح هذا الهلال على وشك تهديد الأردن نفسه، وبينما يستعد العالم لفتح حزب الله جبهة ثانية على الجناح الشمالي لإسرائيل، هناك جبهة أخرى في الشرق قيد الإنشاء.