بسام البدارين

ندفع النخب الأردنية نحو محاولة محمومة للإجابة على سؤال الخطوة التالية بعد التأسيس لمسافة كبيرة وواضحة وحادة الملامح ما بين موقف المملكة وموقف الإدارة الأمريكية واليمين الإسرائيلي.

ما الذي ينبغي ان نفعله لاحقا؟ كيف ينبغي التصرف؟
سؤالان طرحهما على هامش نقاش مع « القدس العربي» السياسي طاهر المصري معتبرا مجددا بأن البقاء في مسارات إنكار المخاطر أكبر من مغادرة هذه المسارات.
لكن الوضع عموما اليوم فيه قدر من المخاطر ولا بد من إستراتيجية وطنية أعمق وأشمل.
كلاهما الأردن الرسمي والشعبي تفاعل مع كل المقتضيات في مرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى. وكلاهما يحتفظ بأسئلة حائرة عن خريطة المشهد الإقليمي وسط الاحتمالين اللذين طرحهما هاكان فيدان وزير الخارجية التركي في الدوحة وهما نهاية تحيي وتنعش عملية السلام إذا ما توقف القصف الإسرائيلي وبدأ الحوار الدولي، أو نهاية درامية عنوانها امتداد الصراع إقليميا وغرق الجميع بالفوضى.

التحذير من الغرق في صراع عسكري إقليمي

العاهل الملك عبد الله الثاني استرسل في التحذير العلني من سيناريو الغرق في صراع عسكري إقليمي، والقناعة راسخة وسط المؤسسات الأردنية بأن إسرائيل ورغم جبهة الدول الغربية التي وقفت معها وتقف حتى اللحظة لا تستطيع حسم وإنهاء صراع عسكري رغم ان حركة حماس هي التي بدأت. ومجددا في التموقعين الرسمي والشعبي ارتفاع حاد في الإحساس بمنسوب المخاطر. لكن المطبخ السياسي الرسمي يتباين جزئيا مع الشعبين في السعي للإفلات من تلك المخاطر.
والمطبخ هنا يرى أن أحدا لا يمكنه ضبط الأمور أو حسمها لصالحه إذا ما توسع الصراع العسكري وشمل محور المقاومة ثم إيران وانتقل التوتر إلى العراق وسوريا ولبنان والخليج، فيما يرى الشعبي والشعبوي ان تلك الفوضى التي يحذر منها الرسمي هي المطلوبة أصلا لحسم الصراع وإنقاذ الشعب الفلسطيني.
عبر عن ذلك الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة في آخر تعبيراته المصورة عندما تجاوز مطلب وقف التطبيع وطرد السفير باتجاه فتح الحدود لكي يناصر الشعب الأردني شقيقه الفلسطيني.
طبعا البوصلة الرسمية لا ترى بفتح الحدود أي فرصة إلا لتعزيز الفوضى والانهيار بينما في الموقف الشعبي ورغم تطابق المواقف إصرار على ان تلك الفوضى وذلك الانهيار هما الحل اليتيم لتحجيم العدو المحتل الذي يتلاعب وفقا للعضايلة بالأردن وفلسطين والمنطقة معا.
التقاطعات بين الموقفين الرسمي والشعبي مردها حرص كل طرف على تجنب الصدام في لحظة حرجة إقليميا وفلسطينيا وفي الوقت الذي تجتمع فيه إرادة الشارع مع موقف الدولة لا مجال للقول بأن الدوافع هي نفسها عند الطرفين أو القراءة هي ذاتها.
ولذلك يسأل الجميع عن الخطوة التالية، وترصد تلك المستجدات الحراكية والرسمية الأردنية الحساسة التي ان كانت لا تعني الكثير الآن لكنها ستعنيه مستقبلا، لأن من يطالبون بالصدام وليس التمسك بالثوابت فقط يجازفون بعناصر فوق طاقة الدولة الأردنية وخياراتها.
الاشتباك مع إسرائيل شيء والمساعدات الأمريكية شيء آخر. ولهجة التحدي لسيناريو التهجير القسري شيء، واللعب بأوتار القواعد العسكرية شيء مختلف. والتوازن فقط بين المصالح ووقائع القوة هو المطلوب لكن ذلك التوازن وظيفة الدولة وليس الشعب، لأن قوى الشارع هي التي تطالب كما قال ناشطان بارزان هما ديمة طهبوب وميسرة ملص بان يتحول موقف الشعب الأردني إلى سهم أو رصيد في جعبة الدولة وموقفها والاستثمار في الورقة الشعبية كما يحصل في السياق الدبلوماسي.
وعليه بالرغم من حصول ملابسات لمساحات توافقية يبقى الموقف معقدا بنسبة كبيرة خصوصا إذا قرر الإسرائيلي مع غطاء أمريكي وأوروبي الإصرار على حسم المعركة في غزة ضد حركة حماس. وهي لحظة يخشاها القرار الأردني لأن معناها السريع العاصف هو جر الجميع إلى صراع لم يحسم ببساطة وقد ينثر المزيد من الفوضى إقليميا ويدخل الجميع بعمق الحائط، ليس في فلسطين وإسرائيل والمجتمع الدولي فقط ولكن الأردن ومصر ولبنان والعراق وسوريا ومجمل النظام الرسمي العربي.
لذلك تمضي الإستراتيجيات الرسمية في الإجابة على سؤال ما بعد الطوفان وسط بحر من الألغام والأفخاخ، وما تخطط له المؤسسة الأردنية هو الاستثمار في اللحظة الراهنة للعودة إلى المفاوضات وعملية السلام وتصفير عداد الصراع.
لكن ذلك قد لا يمثل لا طموحات الشعب الأردني ولا ما تخطط له المقاومة الفلسطينية أو محاورها في الحراك والمبادرة بصرف النظر عن سردية توحيد الساحات، الأمر الذي يزيد التعقيد تعقيدا وسيدفع الأردن في النهاية إلى زاوية ضيقة لا تحبها المؤسسة ولا يرغب بها الناس.
الخيارات معقدة للغاية والسيناريوهات مفتوحة.
الأهم أن الإجابة على سؤال ما الذي سيحصل لاحقا بعدما بدلت وحولت في كل المعطيات معركة طوفان الأقصى أصبح أردنيا فيما الإجابة مرتبطة بعناصر وأسس غير أردنية فلا عمان لديها إمكانية للضغط على إسرائيل وبقوة فاعلة ومؤثرة، ولا الأردن انشغل أصلا بحضور ونفوذ في معادلة المقاومة في الماضي.