تناولت الصحف الفرنسية الكبرى ما وصفته بالهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) من قطاع غزة على إسرائيل، وإن اختلفت في زاوية التعاطي معه، حيث رأت لوموند أنه يهدف إلى إعادة خلط أوراق الصراع مع إسرائيل، وتابعتها لوفيغارو في أنه يمكن أن يحبط إعادة تشكيل الشرق الأوسط المأمول، في حين اهتمت مجلة لوبس باستخلاص الدروس الأولى منه، أما ليبراسيون فعنوّنت بأنه أحدث مفاجأة مميتة في صراع لا نهاية له.
وبدأت لوموند -في مقال بقلم مراسلها المخضرم بنيامين بارت- بأن التاريخ الذي اختارته حماس لمهاجمة إسرائيل لم يكن من قبيل المصادفة، لأنه يعيد إلى المخيلة العربية، من خلال اختراق قوات حماس للسياج المحصن الذي يحيط بقطاع غزة، ما كان من عبور القوات المصرية لخط بارليف البالغ التحصين قبل 50 عاما، والذي قلب ميزان القوى الإسرائيلية العربية، وكان بمثابة صدمة في النفس الإسرائيلية.
ومع أنه من السابق لأوانه تخمين العواقب الدقيقة لهذا الصراع الجديد -حسب الكاتب- فإن حجم الهجوم الذي نفذته حماس لا يتناسب على الإطلاق مع العمليات التي نفذتها منذ عام 2007، مما يعني أن الشرق الأوسط يشهد زلزالا سياسيا وأمنيا جديدا، وأن النكسة التي لحقت بإسرائيل، كما حدث في عام 1973، تتسم بوحشية رمزية لا تصدق.
ورأى الكاتب أن بقاء المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية مشلولة، وكأنها في حالة ذهول طيلة الصباح، يدل على فشل ذريع، خاصة أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية لم تتوقع شيئا قادما رغم أن هجوما بهذا الحجم يتطلب أشهرا من الإعداد، غير أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يقدم نفسه على أنه حامي حمى إسرائيل وأمنها، لا بد أنه سيعطي لهذه الكارثة بعدا شخصيا، ولا بد أنه سيحاسب بعد الصدمة الأولية والوحدة التي ينبغي أن تسود لبضعة أيام.
وخلصت الصحيفة إلى أن الحرب الجديدة في غزة سيكون لها صدى إقليمي، وقد تكون ضربة مباشرة لعملية التطبيع الإسرائيلية العربية، لأن صور قصف غزة تبشر بإثارة الرأي العام العربي ومهاجمة قادته، وخاصة من أقاموا علاقات مع إسرائيل، وبالتالي فإن رسالة حماس إلى دول المنطقة والسفارات الغربية واضحة، وهي أنه لن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط من دون فلسطين.
وعلق الكاتب بأن حجم “إراقة الدماء” التي ارتكبها المقاتلون الفلسطينيون في بلدات أطراف غزة التي دخلوا إليها، تعد بإعادة الوصمة “الإرهابية” إلى الحركة الإسلامية، وتوقع أن القضية الفلسطينية لن تخرج من هذه المعركة منتصرة في الرأي العام الغربي، ولكن عددا لا بأس به من الفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية والشتات، سيشعرون بالتضامن مع حماس بعد 30 عاما على اتفاقيات أوسلو، عندما وصل الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية إلى نقطة اللاعودة، ولم يقدم لهم المتطرفون في السلطة بإسرائيل أي شيء سوى الخضوع أو السجن أو الموت.
وفي السياق نفسه، ذهبت لوفيغارو التي رأت أن هذا الهجوم غير المسبوق يمكن أن يحبط إعادة تشكيل الشرق الأوسط المأمول، ولكنها ركزت على ما يمكن أن يحدثه الهجوم من امتدادات للصراع، وعلقت بأن حزب الله اللبناني هنّأ حماس على “عمليتها البطولية واسعة النطاق”، وقال إن “قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان على اتصال مباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج وتقيّم الأحداث وسير العمليات بشكل مستمر”.
وتساءلت الصحيفة هل يعني ذلك أن “للمليشيا الموالية لإيران مصلحة في فتح جبهة ضد شمال إسرائيل؟” وردت بأنه ربما لا، لأن حزب الله الذي أبرم مؤخرا اتفاقا لتقاسم احتياطيات الغاز في البحر الأبيض المتوسط مع إسرائيل -حسب الصحيفة- لم يتخذ قرارا بشن هجمات متزامنة ضد الدولة اليهودية، مع أنه لا جدال في التعاون بينه وبين وحماس.
غير أن الصحيفة رأت أن لإيران مصلحة في اندلاع “العنف الإسرائيلي الفلسطيني”، وردت ذلك لسبب بسيط، قالت إن طهران لا تخفيه، وهو أن الجمهورية الإسلامية تنظر بصورة قاتمة للتقارب المستمر بين حليفتها الجديدة المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وقد حذرت بالقول إن من يعقدون اتفاقا مع إسرائيل “يراهنون على الحصان الخطأ”.
أما مجلة لوبس، فوصفت “الوضع الكارثي” في إسرائيل بأنه هو الأخطر منذ حرب أكتوبر 73، وقالت إن إسرائيل في حالة صدمة وذهول أمام هذا الهجوم “الإرهابي”، وقالت “إسرائيل تستعد لحرب طويلة وربما لغزو بري لقطاع غزة”، كما يتصور الباحث ديفيد خلفا.
وقد أكد أستاذ العلوم السياسية حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف، أن الهجوم هذه المرة سوف يؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وتهميشها، لأن الحركات الفلسطينية دخلها جيل جديد مصمم على أخذ مصيره بأيديه، في مواجهة حكومة إسرائيلية يهيمن عليها اليمين الديني المتطرف والمجتمع الدولي المستقيل.
ومن ناحيتها، رأت ليبراسيون أن هجوم حماس الضخم على إسرائيل أحدث مفاجأة مميتة في صراع إسرائيلي وفلسطيني لا نهاية له، وربطته بحرب أكتوبر التي رأتها رمزا قويا يغذي الخوف من دورة جديدة من “العنف الرهيب”، مشيرة إلى أن هجوم حماس سيضع الإسرائيليين في نفس الحالة الذهنية.
وبعد استعراض سريع لبعض الأحداث، قالت الصحيفة -في افتتاحية بقلم دوف ألفون- إن هذه حلقة مميتة لا حاجة إليها في صراع يتغذى على روايات تاريخية متضاربة، رعاها على مر السنين مجتمعان شديدا العداء، ولا يوجد بينهما سوى القليل من القواسم المشتركة باستثناء الشعور العميق بالظلم التاريخي والتعرض للأذى.
وكانت إسرائيل تظن -حسب الكاتب- أن انسحاب كافة جنودها وجميع مستوطناتها من غزة عام 2005 بعد 38 عاما من الاحتلال، من شأنه أن يضع حدا لمشاكلها مع 1.6 مليون فلسطيني هناك، حتى إنها كانت تنظر إلى إطلاق الصواريخ المستمر من هناك منذ أن حكمت حماس القطاع، على أنه عمل غاضب يستدعي أعمالا انتقامية عنيفة من وقت لآخر، ولكن يتم التسامح معه بصمت في معظم الأوقات باعتباره عرضا من أعراض المرض من الأفضل تركه غير مكشوف.
ورأى الكاتب أن إحساس سكان غزة بأنهم ضحايا ينبع بشكل مباشر من الظروف المعيشية البائسة في قطاع ساحلي مزدحم ومحاصر وفقير لا يتجاوز عرضه بضعة كيلومترات، وربما يكون الجنود والمستوطنون الإسرائيليون قد غادروا، لكن إسرائيل تواصل إغلاق حدودها مع غزة، وتحاصر سواحلها بسبب مخاوف من واردات الأسلحة، وتسيطر على المجال الجوي، وهو ما يعني أن غزة ما تزال “محتلة” بالفعل وبالتالي تحتفظ “المقاومة” بشرعيتها.
وخلصت الصحيفة إلى أن التغيرات الجيوسياسية التي شهدتها الأشهر الأخيرة، تضع أمام حماس و”رعاتها الإيرانيين” -حسب الكاتب- احتمالا لا يمكن الدفاع عنه، وهو ما يهدد بولادة “شرق أوسط جديد”، سيترك إيران بلا شرعية في العالم العربي الذي سيتخلى عن الشعب الفلسطيني، وستكون حماس قد نجحت في رهانها وأبطأت من هذا التقدم، مما يحرج حلفاء إسرائيل الجدد ويزيد من صلابة مواقف الإسرائيليين والفلسطينيين في الصراع.