الرئيسية / أخبار / الملك الأردني في رسالة ثلاثية الأبعاد: “في الغرفة فيلان”

الملك الأردني في رسالة ثلاثية الأبعاد: “في الغرفة فيلان”

لم يكن الملك عبد الله، ملك الأردن، ليكون أكثر وضوحاً عندما تحدث بشكل مباشر عن عملية التطبيع التي يتم طبخها بين إسرائيل والسعودية. “هذا الاعتقاد، الذي يتبناه عدد من الزعماء في المنطقة والذي يقول بأنه يمكن التحليق فوق فلسطين وعقد صفقة مع العرب والعودة، لا يمكن أن يعمل. والدول التي وقعت على اتفاقات إبراهيم مع إسرائيل أمامها اليوم صعوبة في التصرف بشكل علني في هذه المواضيع، في الوقت الذي يتم فيه قتل الفلسطينيين. لذلك، وإلى حين حل هذه المشكلة، فلن يكون هناك سلام حقيقي يوماً ما”. في مقابلة مع المواقع الإخبارية “مونيتور” و”سمبور” في نيويورك بعد مؤتمر الجمعية العامة، قال: “في الغرفة فيلان: الأول الجيل الفلسطيني الشاب، الذي لا يعرف من هو وماذا يريد. والثاني هو إلى أين إسرائيل ذاهبة؟ هل تريد حل الدولة الواحدة أم الدولتين. أنا على قناعة بأن حل الدولة الواحدة -حسب تفسير إسرائيل- يختلف عن الحل الذي أفكر فيه”.
أقوال الملك لم توجه لأذن إسرائيل فحسب، بل دوت في الأذن السعودية أيضاً، التي هي -حسب التقارير الأخيرة- على استعداد “لإبداء المرونة” بشأن “الشروط الفلسطينية”، قبل تقرير تطبيع العلاقات مع إسرائيل. “التحليق” فوق المشكلة الفلسطينية كان هو ما قصده الملك، والشرك الذي يحذر السعودية منه.
للملك الأردني بطن مليئة على إسرائيل، لا سيما على بنيامين نتنياهو. فالعلاقة بينهما تعاني من البرود الشديد. المقربون من الملك يتحدثون عن “وعود” لم يتم الوفاء بها، ووعود جديدة استهدفت إرضاء الملك. و”لكن”، أضاف مصدر رفيع في الأردن، “تعلمنا في السابق بأنه لا يوجد من نثق به لدى الطرف الإسرائيلي باستثناء رجال الاستخبارات الإسرائيلية الذين يعززون العلاقات بين الدولتين بنجاعة”.
خوف الأردن من التطبيع مع السعودية ينبع، ضمن أمور أخرى، من توق غير خفي لدى محمد بن سلمان كي يكون “خادم جميع الأماكن الإسلامية المقدسة”، وليس فقط “خادم الحرمين”، مثلما هو لقبه الرسمي. هل ستعطي إسرائيل للسعودية مكانة رسمية في الحرم وتبعد الأردن الذي حصل على الوصاية عليه استناداً إلى اتفاق السلام مع إسرائيل؟ تقول مصادر إسرائيلية إن موضوع الأماكن المقدسة “خارج المجال” في النقاشات مع السعودية. “ستستمر إسرائيل في الوفاء بالتزاماتها تجاه الأردن، وأيضاً الولايات المتحدة”، قال مصدر في وزارة الخارجية للصحيفة. ولكن هذه الوعود لا تقال بشكل علني. لم يكن هناك أي تصريح لإسرائيل أو للولايات المتحدة حول هذه القضية. والأردن يخشى أن تتبدد هذه الالتزامات في سيل الحماسة قبيل التطبيع.
تم طرح هذا الموضوع بالذات في لقاء قبل شهر تقريباً جرى في مصر، شارك فيه محمود عباس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله، واستهدف مناقشة المصالح المشتركة والتنسيق قبل التطبيع. وهكذا يرى الأردن، صاحب التجربة، أمام ناظريه مشهداً متكرراً للنقاشات التي سبقت صفقة الرئيس الأمريكي السابق ترامب “صفقة القرن”، التي جلس فيها الأردن على الكرسي ولم يشارك بشكل فعال. ويبدو أن إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة الآن “تحلق” فوق الأردن وكأن العملية التي يمكن أن تؤثر على مكانتها في أوساط الفلسطينيين بشكل كبير لا تتعلق به.

أمام موقف الملك عبد الله الرسمي، الذي يتمسك بحل الدولتين، حتى لو كان يدرك بأنه حل غير واقعي، وإزاء موقف السعودية المرن وطبيعة الحكومة الإسرائيلية، هناك أصوات أخرى حول مسألة ماهية الاستراتيجية التي يرغب فيها الأردن. التقرير الذي نشره معهد السياسة والمجتمع في الأردن في آب، يقترح ثلاثة بدائل للسياسة المستقبلية.
الأول، إبقاء الوضع على حاله، والاستمرار في التمسك بحل الدولتين حتى لو تصريحياً، وتبني الموقف الأمريكي الذي لا يؤمن وبحق بإمكانية هذا الخيار.
الثاني، الاستعداد لحل “الدولة الواحدة” الذي يعني بالنسبة للأردن تراجعاً علنياً عن سياسته التقليدية، عملياً تحويل المشكلة الفلسطينية إلى مشكلة إسرائيلية. أي التنصل من كل مسؤولية للأردن عن مصير الفلسطينيين.
الخيار الثالث هو السير في الاتجاه المعاكس، وعدم التنصل من المسؤولية أو التمسك بوهم الدولتين، بل التدخل في سياسة الفلسطينيين بهدف بناء قيادة متفق عليها تشمل جميع التنظيمات الفلسطينية، أي حماس أيضاً، بهدف ضمان العلاقات بين الأردن والفلسطينيين وإعادة المكانة للمملكة كدولة راعية لهم. لم يتبنّ الملك عبد الله بعد توصيات هذا البحث، ولكنه أشار في المقابلة بشكل صريح: “نحن والولايات والمتحدة وإسرائيل والعرب، لا نعرف ما هو الجيل الفلسطيني الشاب، وإلى أين توجهه. علينا أن نصل إلى هذا الجيل الجديد”.
هذا موقف جديد ومدهش، وإذا تبناه الفلسطينيون فربما يفرض على إسرائيل والسعودية ودول اتفاقات إبراهيم وعلى الدول التي ستنضم فيما بعد، والولايات المتحدة أيضاً، الاعتراف بمكانة الأردن وسلطته. وبذلك، ليس لا يقتصر الأمر على مشاركة الأردن في جميع الخطوات السياسية، بل واعتباره عنواناً لإدارة، إذا لم يكن سيطرة، ما يحدث في المناطق، وتحييد طموحات السعودية، وربما أيضاً كبح طموحات إسرائيل.