الرئيسية / أخبار / عبر ممر زانجيزور.. هكذا تغير تداعيات الصراع بين أرمينيا وأذربيجان ميزان القوى بآسيا الوسطى

عبر ممر زانجيزور.. هكذا تغير تداعيات الصراع بين أرمينيا وأذربيجان ميزان القوى بآسيا الوسطى

سلط مليك كيلان، كاتب العمود المساهم في مجلة فوربس، مليك كيلان، الضوء على تداعيات الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، واصفا إياها بأنها يمكن أن تغير ميزان القوى في إيران وتركيا وروسيا والصين.

وذكر كيلان، في مقال نشره بموقع المجلة وترجمه “الخليج الجديد“، أنه لا أحد يرغب في معالجة الصراع الجيوسياسي الأعمق وراء الصراع في إقليم ناجورنو كاراباخ، والذي اندلع الآن مرة أخرى واحتل الصفحات الأولى في مختلف أنحاء العالم، مشيرا إلى أن تداعيات ذلك أوسع من المنطقة، وتؤثر في توازن القوى العالمية.

وأوضح أن السيطرة الأذربيجانية على منطقة كاراباخ الجبلية على وجه التحديد، ستؤدي إلى تغيير التحالفات البعيدة بين القارات، خاصة أن خريطة المنطقة تعبر عن نتوء من جبال القوقاز داخل أذربيجان، يصل إلى أقصى حد جنوبًا ويلامس الحدود مع إيران.

ومن الناحية اللوجستية، فإن من يسيطر على مرتفعات كاراباخ في أذربيجان من المحتمل أن يهيمن على هذا الجزء الحساس من الحدود، وهو ما يقدم تفسيرا لإراقة الدماء المستمرة منذ عقود.

ويرتبط ذلك بوضع ممرين في المنطقة، أولهما ممر زانجيزور، الذي يمتد على طول المنطقة الحدودية بين إيران وأذربيجان، والتي تطل عليها جبال كاراباخ، ويمر بعد ذلك عبر قطعة من الأراضي الأرمينية، وبالتالي يربط أذربيجان مباشرة بتركيا، وهو اتصال مقطوع تهدف الدولتان التركيتان إلى استعادته.

وهنا يشير كيلان إلى أن موسكو كانت تعارض ذلك؛ لأن “ممر زانجيزور” من المحتمل أن يكون المحطة الأخيرة من طريق أطول بكثير بين الشمال والجنوب يسمى “الممر الأوسط”، الذي من شأنه أن يربط الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى بتركيا عبر أذربيجان.

ويعني ذلك إحياء طريق الحرير التجاري القديم الذي قطعته موسكو قبل قرنين من الزمان في عهد القياصرة.

ومن وجهة النظر الروسية، فإن آسيا الوسطى هي الشيء الكبير التالي لأوكرانيا من الناحية الجيوستراتيجية، بعدما انتهت الحرب الأفغانية.

وتشمل هذه المنطقة دول تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، المعروفة بمجموعة C5، وهي كتلة مطوقة فعليًا من قبل روسيا والصين وإيران.

 وتحتاج الدول الخمس إلى الوصول للعالم لبيع المواد الخام، التي تشمل كميات استراتيجية من الذهب والغاز والنفط، وبمجرد إضافة أذربيجان وتركيا إليها جغرافيا، ينكسر الحصار الضمني.

وهنا يأتي دور “الممر الأوسط”، وهو الممر الثاني بخارطة منطقة كاراباخ، حيث يتم تجنب القوى الإقليمية العظمى والربط من آسيا الوسطى وصولاً إلى ممر زانجيزور، وبالتالي إنشاء طريق سريع مباشر بين الدول التركية (ومواردها الطبيعية) إلى العالم الخارجي، أي مجموعة الدول الخمس وبحر قزوين وأذربيجان وتركيا وما وراءها.

وأرمينيا هي العائق الجغرافي الوحيد أمام ذلك، وفق الطريقة التي خطط بها السوفييت الحدود، بحيث تكون مجموعة كبيرة من الدول متعارضة بشكل متبادل وغير ساحلية إلا عبر روسيا.

وبما أن كاراباخ لم تعد تشكل تهديداً تكتيكياً، بعد سيطرة أذربيجان عليها، فإن الشريان التركي أصبح على بعد خطوة واحدة من الاكتمال.

الوحدة التركية

ولكن، بطبيعة الحال، الأمر الأكثر أهمية من شق طريق تجاري مستقل، هو أن الارتباط الجديد من شأنه أن يخلق عودة ثقافية وهوية لـ “الوحدة التركية”.

وإذا بدأت الكتلة التركية في التماسك والعمل بشكل منسق فسيبرز تهديد جديد لإيران وروسيا والصين، إضافة إلى أرمينيا، كما سيثير ذلك حماسة الأتراك الأويجور في الصين.

وفي روسيا، قد تبدأ العديد من المناطق التركية، من تتارستان إلى بورياتيا، في الانفصال، وستشعر إيران، قبل كل شيء، بالتهديد لأن سكان إقليمها الأذربيجاني سيرغبون في الاتحاد مع أبناء عمومتهم في الشمال الذين لديهم دولة خاصة بهم.

وهذا التضامن التركي المحتمل هو السبب وراء قيام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في ظل الانتقادات العالمية، بزيارة باكو لتهنئة الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، على “انتصاره” في كاراباخ.

وبالنسبة للكثيرين في الغرب، قد تبدو فكرة “الوحدة التركية” بعيدة أو خيالية، ولكن بالنسبة للبلدان المحيطة بالمنطقة، هناك ذاكرة أجداد قديمة لها.

ولهذا السبب قامت الصين ببناء سور الصين العظيم، فالروس، على سبيل المثال، حددوا الكثير من هويتهم التاريخية على استيعاب الوحدة التركية وصدها وإخضاعها، وبالتالي إنقاذ العالم المسيحي.

ومن هنا جاءت “روسيا الأم المقدسة” ومن ثم القياصرة باعتبارهم “رسل الله”، وبموجب هذه المهمة، شعرت موسكو لعدة قرون بأن لها ما يبرر فرض الهيمنة ليس فقط على المسلمين، بل أيضًا على جميع السكان المسيحيين القريبين، من الأرمن والجورجيين إلى الأوكرانيين، بحسب كيلان، مشيرا إلى أن الروس لا يمكنهم فهم لماذا يريد سكان منطقة آسيا الوسطى الهروب من السيطرة الروسية بعد كل “الحماية” التي قدموها لهم.

ومن هنا ينشأ شعور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، العميق بالغضب كلما فضلت أي دولة قريبة الانضمام إلى الغرب، وهو ما يعلق عليه كيلان بقوله: “إن قسماً كبيراً من الشعب الروسي، الذين غافلون حقاً عن تاريخ موسكو من المذابح باسم الحماية”.

لماذا إذن لم يقم بوتين بحماية أرمينيا ضد أذربيجان في كارثة كاراباخ الأخيرة؟ يجيب كيلان بأن الأمر عبارة عن عملية حسابية متعددة، فرئيس أرمينيا، نيكول باشينيان، ديمقراطي يتمتع بسلطة الشعب في “ثورة ملونة”، وهو أسوأ نوع من التهديد لسلطة بوتين في روسيا.

حسابات النفط

ويلفت كيلان أيضا، في هذا الصدد، إلى “حسابات النفط” المؤثرة في قرار روسيا، إذ تساعد أذربيجان بوتين على التهرب من العقوبات المفروضة على روسيا من خلال بيع النفط الروسي على أنه نفط باكو، خاصة عبر تركيا من خلال خط أنابيب: باكو – تبليسي – جيهان.

وبالمحصلة، يعتقد الكرملين أنه يستطيع السيطرة على الدول التركية بشكل أفضل من خلال التواطؤ مع قادة وأنظمة ما بعد الاتحاد السوفييتي لخلق ثروة متبادلة.

وتعتقد الصين، بالقدر نفسه، أنها تستطيع أن تفعل الشيء نفسه من خلال المساعدة في تشكيل “الممر الأوسط” عبر “مبادرة الحزام والطريق” التي أطلقتها بكين، رغم أن ذلك من شأنه أن يكسر الحصار الروسي الصيني الإيراني.

وكما يتدفق النفط الروسي عبر باكو، فإن البضائع الصينية ستتدفق عبر آسيا الوسطى إلى العالم، وستعتمد الجمهوريات التركية اقتصاديًا على بكين.

هذه إذن هي حسابات موسكو وبكين، لكنها صعبة، حسب تقدير كيلان، مشيرا إلى أن معظم المراقبين يتوقعون أن تطرد أذربيجان وأرمينيا قوات حفظ السلام الروسية قريباً.

وأشار إلى أن جمهوريات آسيا الوسطى الخمس الكبرى تتحول تدريجيًا إلى الديمقراطية، وتتوسع اقتصاديًا وتترابط معًا بشكل “مقصود للغاية” لتجنب أنواع جديدة من الاعتماد على القوى المهيمنة.

ومن هنا جاء اجتماع رؤساء تلك الدول مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مؤخرا، إضافة إلى حماس شركات النفط الغربية لخطوط الأنابيب البديلة فيها، وكلها آمال مرتبطة بالرابط بين تركيا وأذربيجان على طول الحدود الإيرانية وعبر الأراضي الأرمنية، إذ كان ناجورنو كرباخ عائقًا أمام ممر زانجيزور، لكنه اليوم لم يعد كذلك.