الرئيسية / أخبار / الأردن أدرك مخاطر الموضوع، والملك ينتقد اتفاقات ابراهام

الأردن أدرك مخاطر الموضوع، والملك ينتقد اتفاقات ابراهام

المهندس سليم البطاينة

نعيش في زمن تشهد فيه المنطقة العربية مظاهر تطبيع مع إسرائيل بدرجة غير مسبوقة وبشكل علني! فما يجري في مُحيطِنا المجاور من لعب وخلط بالأوراق يصعب فهمها؟ فمنذُ أشهر تستعجل الادارة الامريكية الوقت لإبرام عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل قبل ان تَغرق في تفاصيل الانتخابات الرئاسية القادمة ٢٠٢٤ ،،، ولتحقيق أهداف خارجيه سياسية مستدامة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط وعلى الأمن القومي الاسرائيلي، وسعيا في ان يكون للديموقراطيين فرصة أخرى لمدة اربع سنوات قادمة حتى عام ٢٠٢٨.

وربما يكون الحديث الدائر حالياً حول العلاقات بين السعودية وإسرائيل التي ينبغي ترقبها قريباً، فالتمهيد للمظلة السياسية لهذا الارتقاء نحو قيام علاقات علنية بلغ مراحل متطورة في مطبخ القرار الامريكي والاسرائيلي ، وهذا ما أكده ولي العهد السعودي في مقابلة له مع كبير المذيعين السياسيين Bret Baier في قناة Fox News الامريكية في مدينة نيوم السعودية بإن الاتفاق مع تل ابيب يقترب كل يوم ، وان السعودية مستعدة للعمل مع أي زعيم إسرائيلي للتوصل إلى اتفاق يمنح الفلسطينيين احتياجاتهم !

الواقع يقول ان إسرائيل حققت اختراقات كثيرة في الجبهة العربية ! وبات المراقب لا يحتاج الى الكثير من المعلومات كي يدرك بأن العلاقات بين السعودية وإسرائيل ستخرج قريباً إلى العلن وفي وقت لن يتجاوز أذار ٢٠٢٤، والقراءة الأولية تقول ان المداولات السرية تتجه نحو صفقة ثلاثية مقابل تنازل إسرائيل عن معارضتها للفرن الذري المدني السعودي وابقاء القضية الفلسطينية دون حل! وما يُقال حول المطالب السعودية بشأن الفلسطينيين ما زال غامضاً لا يعرف عنها أحد! وليس هناك أكثر من التطمينات!

وهذا ما يؤكده نجاح الضغوطات الامريكية والاقليمية في اشغال السلطة الفلسطينية واستدراجهم الى مستنقع الخطة الامنية ذات المراحل المتتالية التي صاغها الجنرال الامريكي Michael R. Fenzel.

حتى الان لا نعرف سر الحماس السعودي والاسباب التي دفعت الامير محمد بن سلمان في هذا الوقت للإقدام على تلك الخطوة بالسرعة الفائقة للتطبيع مع إسرائيل؟ ومن المهم معرفة لماذا الان؟ ولماذا لم يتم إطلاع الآخرين ولو من باب العتب وأفضل من القطيعة التامة؟

ولكن ما هو مصير المبادرة العربية التي تقدم بها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز في مؤتمر قمة بيروت عام ٢٠٠٢: هل تخلّت السعودية عنها؟ وهل ما زالت صالحة يمكن للسعوديين طرحها في مفاوضاتها القادمة مع إسرائيل؟ ام أن السعودية باتت تنظر إلى مصلحتها منفردة بمنأى عن الدول العربية والاسلامية والدولية؟ تلك المبادرة التي اشترطت حينها انشاء دولة فلسطينية معترف بها على حدود ١٩٦٧ وتكون عاصمتها القدس الشرقية، وان يتم وقف عمليات الاستيطان على حساب أراضي الضفة الغربية،، وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم، وان تنسحب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة.

الاردن فعليا بدأت تستشعر المخاطر من حولها وتغيرت لهجتها،، وأصبح الخطر داهماً وحقيقيًا ولا مجال لدفعه إلا بتبني اسلوب مغاير تماماً، واجتراح ادوات جديدة ترقى الى حجم المخاطر التي تُداهم الاردن تحت عناوين متعددة أهمها (الاستهداف السياسي) ! فنحن على خط النار جيوسياسياً ولا نقرأ ما يحصل حولنا، وعندما نفعل تكون قراءتنا متأخرة عن الزمن!

السياسة بلا مصداقية، وهذا ما يجب ان نُدركه، والمواقف السياسية لا تثبت على حال واحد! من كان صديق الامس وحليف اليوم قد يصبح غداً عدواً وخصماً كبيراً، وربما هو الدرس الذي يجب ان نتعلّمه من كل الاحداث التي عصفت وتعصف بالمنطقة والاقليم،،، فهنالك خارجاً اقليمياً ودولياً يتحرك بسرعة مع خلط للملفات ولكل التحالفات،،، وعملياً الاردن انسحبت من محيطها الحيوي وتقزم دورها، وعدم ادراكنا الحقيقي لحجم الاخطار يعني ان هناك أزمة في قلب الازمة! وهي أزمة في حوكمة الأزمة.

الملك عبدالله الثاني وفي حوار له مع رئيس مؤسسة AL -Monitor في نيويورك Andrew Parasiliti   في مؤتمر قمة الشرق الاوسط العالمية وجه انتقاداً لاتفاقات ابراهام التي لم تحقق التطلعات التي نريدها ما لم تحل القضية الفلسطينية،،، وحذر من القفز بالمظلة فوق الفلسطينيين في التعامل مع العرب! وقال الملك من المهم معرفة الى اين تتجه إسرائيل؟ فهناك على ما يبدو شيئاً تريده السعودية وشيئاً يريده الإسرائيليون! وشيئاً يريده الامريكيون! وما الذي سيناله الفلسطينيون؟

بالتأكيد لم يبق في قوس الصّبرِ مَنزَعُ … فكلمات الملك جاءت بلغة مُحكمة ممزوجة بصدقية مشبعة بالمرارة، اشعرتنا ان الملك يمشي على جمر الاحداث، ويعاني من غيوم ثقيلة تضغط على أعصابه.

المفاجأة كانت بعد انتهاء حوار الملك مباشرة مع وكالة مونيتور الامريكية، خرج علينا مستشار رئيس دولة الامارات العربية أنور قرقاش بتصريحات بان الاتفاقيات الابراهيمية ناجحة ومستمرة وستستمر على المستوى الاستراتيجي! وأنها لم تُصمّم لهدف حل القضية الفلسطينية.

في حال اتمام صفقة التطبيع ، سيزيد ذلك من قبول إسرائيل في العالم العربي ، وسيدعم الوجود الامريكي في المنطقة على حساب الدور الصيني المتنامي ، وسيوفر لإسرائيل قدراً من المشروعية في الشارع العربي والاسلامي استنادا الى الهوية والمكانة التي تتسم بها وتتصدرها السعودية لما تمثله من موقع جيوسياسي ، فهي تُمثل جزءاً وركيزة اساسية في العالم ،،، واستفادة إسرائيل من الموقع الجيوسياسي للسعودية ستظهر تجلياته لاحقًا على وقع السياقات السياسية والاقليمية.

لم يجانب الحقيقة من قال ان إسرائيل تُمثل خطراً ، ولديها أصابع وامتدادات هنا وهناك، فهذه هي البداية ، وليست هناك نهاية ! قد تنتهي المصاعب ولكن ستبقى المصائب!

لا ينفع الكلام ولا الصّمت يُجدي، وصرنا في وضع مثير للقلق، عيوننا في مكان، وعقولنا في مكان آخر، وحالة الضعف العربي تجعل من المكاسب محدودة الى حد كبير.

المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الأردني