الرئيسية / أخبار / زيارة أردوغان الأخيرة إلى روسيا.. ماذا تعني للسياسة الإقليمية؟

زيارة أردوغان الأخيرة إلى روسيا.. ماذا تعني للسياسة الإقليمية؟

تحمل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأخيرة إلى روسيا، في 4 سبتمبر/أيلول 2023، آثارًا كبيرة على السياسة الإقليمية والجغرافيا السياسية العالمية.

هكذا تحدث تقرير لموقع “مودرن دبلوماسي“، وترجمه “الخليج الجديد”، لافتا إلى أن الاجتماع بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان عالي المخاطر، بعد لحظة محورية في علاقاتهما الدبلوماسية.

ويأتي اللقاء الأول بين الرئيسين منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط توتر متزايد في منطقة البحر الأسود أعقب إنهاء روسيا العمل باتفاق أتاح لسفن شحن تصدير الحبوب الأوكرانية عبر ممر بحري آمن، مشترطة أخذ مصالحها في الاعتبار لإعادة العمل بها.

وبعيدًا عن صفقات الحبوب، شملت الزيارة نطاقًا واسعًا من المصالح الجيوسياسية، والتعاون في مجال الطاقة، وصفقات الأسلحة، والمخاوف الإنسانية.

ومنذ 24 فبراير/ شباط 2022، تشن روسيا حربا في أوكرانيا تبررها بأن خطط جارتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة، تهدد الأمن القومي الروسي.

وأدى الهجوم الروسي على أوكرانيا والعقوبات الدولية المفروضة على موسكو، إلى اضطرابات في الإمدادات والأسواق العالمية.

وفي يوليو/تموز 2022، أبرمت روسيا وأوكرانيا اتفاقيات منفصلة مع تركيا والأمم المتحدة، مما أدى إلى إنشاء طريق لتصدير الحبوب الأوكرانية التي تشتد الحاجة إليها، إلى جانب بعض الحبوب والأسمدة الروسية، عبر البحر الأسود.

وتسمح هذه المبادرة بشكل خاص بالتصدير التجاري للمنتجات الغذائية والأسمدة (بما في ذلك الأمونيا) من ثلاثة موانئ أوكرانية بالغة الأهمية تقع على طول البحر الأسود (أوديسا، وتشورنومورسك، ويوزني/بيفديني).

ووضع هذا الاتفاق المنتظر بفارغ الصبر حداً للمواجهة التي حدثت خلال فترة الحرب، والتي شكلت تهديداً كبيراً للأمن الغذائي العالمي.

ومن شأن مبادرة الأمم المتحدة أن تسهل تصدير 22 مليون طن من الحبوب والسلع الزراعية الأخرى من أوكرانيا، المصدر العالمي الرئيسي لإنتاج الغذاء.

وكانت هذه البضائع عالقة في موانئ البحر الأسود بسبب التدخل العسكري الروسي.

وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بهذا التطور ووصفه بأنه “منارة أمل” لملايين الأفراد الذين عانوا من زيادات كبيرة في أسعار المواد الغذائية.

وكان المقصود من صفقة الحبوب المهجورة في الأصل معالجة أزمة الغذاء العالمية من خلال السماح لأوكرانيا بتصدير الحبوب من موانئها في حين استمر الصراع مع روسيا.

تعد كل من روسيا وأوكرانيا من اللاعبين البارزين في الأسواق الزراعية العالمية، وخاصة في السلع الأساسية مثل القمح، والشعير، والذرة، وبذور اللفت، وزيت بذور اللفت، وبذور عباد الشمس، وزيت عباد الشمس.

وخلال لقائهما، أجرى بوتين وأردوغان مناقشات حاسمة بشأن صادرات الحبوب الأوكرانية، وذلك بعد نحو شهرين تقريبًا من انسحاب روسيا من الاتفاق.

وخلال اللقاء أعرب أردوغان عن تفاؤله بشأن احتمال إحياء صفقة الحبوب، مؤكدا إيمان تركيا بالتوصل إلى حل سريع.

وردد بوتين هذا الشعور، مشيراً إلى أن روسيا مستعدة لإعادة الاتفاقية بمجرد رفع القيود المفروضة على صادراتها الزراعية.

وقبل قمة سوتشي، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، محادثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل زيارة أردوغان، واستكشاف إمكانية التوصل إلى صفقة حبوب جديدة.

وتؤكد هذه اللقاءات الدبلوماسية أهمية الاجتماع وتأثيره المحتمل.

وشدد بوتين على أن روسيا لن تفكر في إحياء اتفاق الحبوب، إلا عندما يتم التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقيات المتعلقة بإزالة القيود المفروضة على الصادرات الزراعية الروسية.

كما رد على الادعاءات الغربية بأن انسحاب روسيا من الصفقة أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية، مؤكدا أن نقص الغذاء لم يكن نتيجة مباشرة لخروج روسيا.

ومؤخرا، كشف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن جهوده لإحياء صفقة الحبوب من خلال تقديم مقترحات ملموسة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

إلا أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ذكرت أن المطالب الروسية التي تضمنها الاتفاق لم يتم تنفيذها في الاتفاق السابق، وامتنعت عن الكشف عن مزيد من التفاصيل.

وأمام كل ذلك، يسعى أردوغان بنشاط إلى تحقيق قصة نجاح دبلوماسية دولية من خلال استعادة الاتفاقية.

وقد دفع إنهاء موسكو للاتفاق في يوليو/تموز، جهود أردوغان، حيث أن الاتفاق السابق الذي توسط فيه مع الأمم المتحدة قد حظي بإشادة دولية.

ولا شك أن الاستعادة الناجحة للاتفاق ستضع أردوغان في دائرة الضوء الدولية.

وكان توبيخ تركيا من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في أعقاب الاشتباكات بين الشرطة القبرصية التركية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في قبرص، سبباً في تضخيم حاجة أردوغان إلى مناخ دبلوماسي إيجابي.

وهذا يضيف وزنا إضافيا إلى أهمية تحقيق انفراجة دبلوماسية خلال زيارته لروسيا.

غير ذلك، تحمل زيارة أردوغان الأخيرة إلى روسيا آثارًا بعيدة المدى على السياسة الإقليمية والمشهد الجيوسياسي العالمي الأوسع، بعدما جذبت التفاعلات بين تركيا وروسيا الاهتمام الدولي بسبب مواقعهما الاستراتيجية ومصالحهما المتباينة في مختلف الصراعات الإقليمية.

وبالعودة إلى اتفاق الحبوب، ومنذ انسحابها من الصفقة، قامت روسيا بتصعيد التوترات من خلال الانخراط في الموانئ الأوكرانية بضربات صاروخية وطائرات بدون طيار، حتى أنها هددت بمعاملة جميع السفن في البحر الأسود كأهداف عسكرية محتملة.

وردا على ذلك، أعلنت أوكرانيا إنشاء ممر إنساني كطريق بديل، يعانق ساحل رومانيا وبلغاريا المجاورتين.

كما أنها بعد انسحابها من صفقة الحبوب، حرصت روسيا على معالجة المخاوف في أفريقيا بشأن تأثير انهيار الصفقة على الأمن الغذائي.

وفي 4 سبتمبر/أيلول، أعلن بوتين أن روسيا على وشك التوصل إلى اتفاق مع 6 دول أفريقية، هي بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا، لتزويدها بما يصل إلى 50 ألف طن من الحبوب.

وتشمل هذه البادرة الإنسانية إمدادات غذائية مجانية ودعماً لوجستياً، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم قريباً.

وبعيدا عن صفقة الحبوب، يعد التعاون في مجال الطاقة جانبًا مهمًا من العلاقات الروسية التركية، حيث يعتبر خط أنابيب “ترك ستريم” رمزًا للشراكة بينهما.

وقد شملت الزيارة محادثات حول توسيع مشاريع الطاقة وانعكاساتها على أمن الطاقة الإقليمي.

وفي شأن آخر، فإن تركيا وروسيا انخرطتا في صفقات أسلحة وتعاون عسكري خلال السنوات الأخيرة.

ويمكن أن يقود الاجتماع الأخير، المناقشات المستقبلية حول هذه الاتفاقيات، بما في ذلك شراء تركيا لأنظمة الصواريخ الروسية  (إس-400)، الأمر الذي أثار مخاوف حلفاء تركيا في الناتو ويحمل آثارًا أوسع على الأمن الإقليمي.

ويشكل التوازن الدبلوماسي الذي يقوم به أردوغان بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولا سيما الولايات المتحدة، جانبًا حاسمًا آخر من زيارته.

يشار إلى أن الموقع الاستراتيجي لتركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يتمتع بعلاقات متنامية مع روسيا، يمثل تحديات وفرصًا على حد سواء، والتي سعى أردوغان للاستفادة منها عبر استكشاف كيفية تعامل تركيا مع هذه التحالفات المعقدة.

وبعيدًا عن المصالح الجيوسياسية، قد تعالج زيارة أردوغان المخاوف الإنسانية في المنطقة، وخاصة دور تركيا كملاذ لملايين اللاجئين السوريين.

وتدور حاليا مناقشات دولية واسعة حول أزمة اللاجئين والحلول المحتملة.

فيما تمتد نتائج زيارة أردوغان إلى ما هو أبعد من السياسة الإقليمية، مع تأثيرات مضاعفة محتملة على السياسة العالمية.

كما من الممكن أن يكون للقرارات والاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال الاجتماع، تداعيات في المناطق التي تتقاطع فيها تركيا وروسيا، مثل سوريا وليبيا وأسواق الطاقة.

وأمام كل ذلك، يقول التقرير: “تمثل زيارة أردوغان إلى روسيا منعطفًا حاسمًا في السياسة الإقليمية، مما يؤكد التوازن الدبلوماسي الدقيق الذي تقوم به تركيا بين روسيا وحلف شمال الأطلسي”.

ويضيف: “إن إحياء صفقة الحبوب والمناقشات حول التعاون في مجال الطاقة، وصفقات الأسلحة، والمخاوف الإنسانية تعكس الطبيعة المتعددة الأبعاد للعلاقات الروسية التركية”.

ويتابع: “بينما تتنقل هذه الدول المؤثرة في تحالفها المعقد، فإن التداعيات تمتد إلى ما هو أبعد من منطقة البحر الأسود، مما يؤثر على الجغرافيا السياسية العالمية”، لافتا إلى أن صدى نتائج هذا الاجتماع في مناطق مثل سوريا وليبيا وأسواق الطاقة، سيشكل مسار الديناميكيات السياسية الإقليمية والعالمية المستقبلية.

ويختتم التقرير بالقول: “يراقب العالم بترقب تركيا وروسيا وهما ترسمان مسارهما على الساحة الدولية دائمة التطور”.