سلط الباحث في شؤون الشرق الأوسط، جيمس دورسي، الضوء على سياسة الولايات المتحدة في الخليج، معتبرا إياها تعبيرا عن حالة من “الارتباك”، خاصة فيما يتعلق بالتزام الولايات المتحدة بأمن دول مجلس التعاون.
وذكر دورسي، في تحليل نشره بموقع “أوراسيا ريفيو” وترجمه “الخليج الجديد“، أن هذه الحالة، المستمرة في عهد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أدت إلى تغذية حالة من عدم اليقين بشأن سياسة الولايات المتحدة وكذلك مواقف الخليج في عالم متطور نحو تعدد الأقطاب، كما غذى عديد المفاهيم الخاطئة.
وأضاف أن ما يزيد هذا الارتباك إثارة للقلق أن الأسس التي تقوم عليها العلاقات الأمريكية الخليجية “لا شك فيها”، إذ تحتفظ الولايات المتحدة بمصالح استراتيجية في المنطقة، حتى لو تحول اهتمامها نحو آسيا.
كما أن الصين وروسيا لا قدرة لهما، أو رغبة، في الحلول محل الولايات المتحدة في ضمان أمن الخليج، حسب تقدير، بدانيا ظافر، المديرة التنفيذية لمنتدى الخليج الدولي.
وفي السياق، يشير دورسي إلى الحشد العسكري الأمريكي الأخير في الخليج لردع إيران بآلاف من مشاة البحرية المدعومة بطائرات مقاتلة من طراز F-35 وحاملة طائرات، واصفا إياه بأنه ساهم في طمأنة دول الخليج على المدى القصير، وكذلك الأمر بالنسبة لاحتمال قيام الولايات المتحدة بوضع أفراد مسلحين على متن السفن التجارية التي تسافر عبر مضيق هرمز.
وأوضح أن هذا الحشد العسكري الأمريكي جاء في أعقاب انسحاب دولة الإمارات من التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يضم 34 دولة في مايو/أيار الماضي؛ لأن الولايات المتحدة لم تتخذ إجراءات حاسمة ضد الهجمات الإيرانية على السفن الخليجية، بما في ذلك سفينة متجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي.
أهداف متناقضة
ومع ذلك، سمحت الولايات المتحدة باستمرار الارتباك وعدم اليقين، بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة ودول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، تسعى إلى تحقيق أهداف متناقضة، بحسب دورسي، الذي استشهد بتقدير للعميد السابق والملحق الدفاعي بسفارة قطر في واشنطن، نواف بن مبارك آل ثاني، مفاده أن “الولايات المتحدة لم تصغ نهجا واضحا بشأن الكيفية التي تريد بها العمل مع دول مجلس التعاون الخليجي ككل بدلا من التعاون مع دول الخليج بشكل فردي”.
وأضاف: “ما لم تصبح الولايات المتحدة واضحة في نواياها بشأن الطريقة التي تريد بها المضي قدمًا في علاقتها الدفاعية المستقبلية مع دول مجلس التعاون الخليجي ككل، أعتقد أننا سندور في دوائر”.
وهنا يشير دورسي إلى أن الولايات المتحدة حاولت، دون جدوى، دفع دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل لعدة سنوات، مستشهدا ببلال صعب، المسؤول السابق في البنتاجون والباحث في شؤون الشرق الأوسط، الذي لفت إلى أن الولايات المتحدة تحركت في حالة السعودية لتعزيز الثقة من خلال مساعدة المملكة على تحويل جيشها إلى قوة قتالية قادرة وتطوير أول رؤية للأمن القومي، لكنها فشلت في الوصول لذلك بشكل صحيح.
وأضاف: “إن قيادتنا الجغرافية في المنطقة، والمعروفة أيضًا باسم القيادة المركزية للولايات المتحدة (CENTCOM)، تجري تحولًا تاريخيًا هادئًا من كونها قيادة في زمن الحرب إلى شيء من كونها تكاملًا أمنيًا لتفعيل الشراكات وتحقيق الأمن جماعيا”.
وأوضح صعب: “الأمر لا يتعلق فقط بالثقة في الدور الأمريكي، بل يتعلق أيضًا بثقة الولايات المتحدة في رغبة وقدرة تلك الدول الخليجية على المشاركة في هذه المهمة الجديدة المتمثلة في القيام بالأشياء معًا”.
وتابع: “مشكلتي الأكبر هي أننا لا ننقل هذه الأمور بشكل جيد (..) هناك الكثير من الالتباس في الخليج حول ما نحاول القيام به”.
اتفاقيات دفاعية
ويحذر المحللون، بمن فيهم صعب، من أن استعداد الولايات المتحدة الأخير للنظر في إبرام اتفاقيات دفاعية مع دول الخليج مثل السعودية والإمارات يتعارض مع نهجها الأمني المتجدد في المنطقة.
فقد طالبت السعودية باتفاقية أمنية إلى جانب ضمان الوصول إلى الأسلحة الأمريكية الأكثر تطوراً كجزء من صفقة تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.
وأصدرت الإمارات في البداية أصواتاً مماثلة بشأن اتفاقية الدفاع، لكنها اختارت منذ ذلك الحين مراقبة كيفية تطور المحادثات الأمريكية مع السعودية، حسب تقدير صعب، الذي اعتبر أن اتفاقية الدفاع، التي تطلبها المملكة، “تتعارض بشكل لا يصدق مع ما تحاول القيادة المركزية الأمريكية القيام به”، في إشارة إلى “الاعتماد على الولايات المتحدة كوصي وعدم قيام دول الخليج بالقليل لتعزيز وتطوير قدراتها العسكرية”.
ويرى دورسي أن تقديرات صعب قد تكون أكثر قابلية للتطبيق على السعودية من الإمارات، إذ استثمرت الأخيرة في قدراتها العسكرية منذ فترة طويلة، بما يتجاوز مجرد الحصول على أسلحة متطورة.
وتكمن جذور الارتباك بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه الخليج في تطور الفهم للعلاقة الأمنية بين الطرفين استنادا إلى مبدأ كارتر في عام 1980، ورد الولايات المتحدة على الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والغزو السوفييتي لأفغانستان في ذلك العام.
فقد طرح الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، هذا المبدأ في خطابه عن حالة الاتحاد عام 1989، قائلا: “إن أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج ستعتبر بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم صد مثل هذا الهجوم بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية”.
ويصر روبرت إي هانتر، الذي كان آنذاك مسؤولاً في مجلس الأمن القومي وكاتب خطاب كارتر، على أن الهدف من هذا المبدأ كان ردع القوى الخارجية، ولا سيما الاتحاد السوفييتي، وليس الدفاع عن دول الخليج ضد إيران أو تأمين الشحن في الممرات المائية الإقليمية الاستراتيجية.
مبدأ ريجان
أما مبدأ ريجان، الذي أعلنه بعد 5 سنوات خليفة كارتر، رونالد ريجان، فقد عزز موقف سلفه، وجاء فيه أن “الولايات المتحدة يجب عليها إعادة بناء مصداقية التزامها بمقاومة التعدي السوفييتي على مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها وأصدقائها، وتقديم الدعم الفعال لدول العالم الثالث التي ترغب في مقاومة الضغوط السوفييتية أو معارضة المبادرات السوفييتية المعادية للولايات المتحدة”.
وهنا يلفت دورسي إلى أن تطوير الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، للعقيدة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول على نيويورك وواشنطن زاد من إشكالية الهاجس الأمني بالنسبة لدول الخليج، فقد دافع بوش عن حق الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها ضد الدول التي تؤوي أو تساعد الجماعات المسلحة، وهو ما ترجمه بغزو أفغانستان والعراق.
وقد رأت دول الخليج أن حرب العراق تسببت في زعزعة الاستقرار وإثارة المشاكل، وخاصة مع مطالبة بعض المنتمين إلى اليمين الأمريكي باستيلاء الولايات المتحدة على حقول النفط السعودية.
ومع ذلك، كان لدى دول الخليج الكثير من الأسباب لإعادة تفسير مبدأ كارتر ليشمل التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن دول الخليج ضد التهديدات الإقليمية والخارجية.
وكانت إعادة تفسير دول الخليج ناجمة عن افتقار الولايات المتحدة إلى الوضوح والإجراءات التي أكدت على ما يبدو فهمها المنقح.
وشملت ذلك قيادة الولايات المتحدة تحالفا عسكريا يضم 42 دولة أخرج القوات العراقية من الكويت في عام 1991، وإنشاء قواعد في الخليج في أعقاب الغزو العراقي، والتدخل الأمريكي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، والحماية المستمرة لدول الخليج وللشحن البحري ضد الهجمات الإيرانية.
ونتيجة لذلك، لا يزال انعدام الوضوح والارتباك في واشنطن وعواصم الخليج يهيمن على النقاش حول العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والخليج، وهو ما علق عليه صعب بقوله: “أود أن أفهم من دول الخليج ما إذا كان ما نبيعه، هم في الواقع يشترونه. ما نبيعه هو شراكة حقيقية للغاية. لم تعد الوصاية قائمة، بل الشراكة الفعلية. لا أعرف موقف الدول من هذه المقترحات، وإلى أن نحصل على أرضية مشتركة حول هذا الأمر، ليس هناك شيء في الشرق الأوسط نفعله يمكن أن ينجح حقًا”.