منح الدولارُ الأميركي الولاياتِ المتحدة نفوذاً مالياً وسياسياً كبيراً في قيادة الاقتصاد العالمي.
هل ستستطيع محموعة بريكس تحقيق هدفها في تشكيل نظام سياسي واقتصادي دولي متعدد الأقطاب، بعد أن أصبحت11دولة؟
انضمام عدد من الدول النفطية، سيدعم قدرات «بريكس» الائتمانية ويعزز نشاط بنك التنمية الجديد NDB الذي أسس برأس مال قدره 50 مليار دولار.
سلاح الدولار يواجه منافسةً إستراتيجيةً قويةً من عملات أخرى تسعى لاقتسام النفوذ معه وكسر «الهيمنة الأحادية» وعكس هذا التطور مشهدا للتحرر منه.
في حرب أوكرانيا برزت قوة الدولار بصعود لافت أمام 6 عملات رئيسة ويخوض حروبا وعقوبات مالية مشددة ضد روسيا ورفع أسعار الفائدة لتتجاوز 5 بالمئة.
لا يمكن إغفال موجة التحدي بالتخلي عن الدولار تدريجياً بالمدى البعيد، حال تزايد عدد الدول التي لا ترغب في التعامل به، وبروز «تعددية أقطاب نقدية» منافسة.
يسيطر الدولار على أكثر من 40% من معاملات التجارة العالمية، لكنه ساهم بارتفاع كلفة الاقتراض، فلم تتجاوز القروض التي منحها بنك التنمية الجديد في 2022 مليار دولار.
* * *
وفق المعايير التي أعلنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على أساس وزن وهيبة الدولة ومواقفها في الساحة الدولية، قررت قمة مجموعة «بريكس»، المنعقدة بين 22 و24 أغسطس الجاري في جوهانسبورغ، دعوةَ ست دول هي مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، للانضمام إلى المجموعة، ليصبح عدد أعضائها 11 دولة بدءاً من يناير المقبل، وذلك من أصل 23 دولة تقدَّمت بطلب الانضمام.
ووصف بعض المراقبين هذه المعايير بأنها «ظرفية واستراتيجية وجيوسياسية»، مع الإشارة إلى أن هناك دولا قوية وقريبة جداً من الصين وروسيا، مثل تركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفنزويلا.. لم توافق القمةُ على انضمامها.
حتى الجزائر التي تمتلك علاقات مميزة وإستراتيجية مع دول «بريكس» لم تحظ بقبول الانضمام، رغم المساعي التي بذلتها مؤكِّدةً على ضرورة «الدخول إلى عالم جديد يتفاعل اقتصادياً خارج هيمنة الدولار». لقد منح الدولار الأميركي الولاياتِ المتحدة نفوذاً مالياً وسياسياً كبيراً في قيادة الاقتصاد العالمي.
وفي خضم حرب أوكرانيا المستمرة منذ أكثر من سنة ونصف، برزت قوة الدولار بصعوده اللافت أمام ست عملات رئيسية، وهو يخوض سلسلة حروب متكاملة بدأت بعقوبات مالية مشددة ضد روسيا، ولن تنتهي برفع أسعار الفائدة الأميركية التي تجاوزت 5%.
لكن هذا السلاح بدأ يواجه منافسةً إستراتيجيةً قويةً من عملات أخرى تسعى إلى اقتسام النفوذ معه، وكسر «الهيمنة الأحادية». وقد عكس هذا التطور مشهداً للتحرر من الورقة الخضراء.
ومن هنا يبرز دور مجموعة بريكس التي تأسست عام 2009 من أربع دول هي روسيا والصين والهند والبرازيل، ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا عام2011، فهل ستستطيع تحقيق هدفها متمثلا في تشكيل نظام سياسي واقتصادي دولي متعدد الأقطاب، بعد أن أصبحت11دولة؟
يقدر حجم اقتصادات دول «بريكس» بنحو 44 تريليون دولار، وتشكل نسبة 17% من التجارة الدولية، ومن الطبيعي أن يساهم انضمام اقتصادات جديدة في تعزيز ثقلها الاقتصادي وزيادة حصتها التجارية.
لكن التأثير الاقتصادي لمجموعة الدول السبع الكبرى (كندا واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) كان أكبر، حيث تبين أن اقتصادات «بريكس» التي يشكل سكانها 42% من سكان العالم ساهمت بنحو 31.5% من الاقتصاد العالمي، بينما ساهمت الدول السبع التي يشكل سكانها نسبة 10% فقط بنحو 30.7%، ما يعني أن إنتاجية الدول الصناعية ما تزال أكثر فعالية.
ولا شك في أن انضمام عدد من الدول النفطية، سيدعم قدرات «بريكس» الائتمانية ويعزز نشاط بنك التنمية الجديد NDB الذي أسس برأس مال قدره 50 مليار دولار، لكنه لم يستطع منذ عام 2015 تقديم أكثر من 33 مليار دولار لمشاريع الطاقة والبنية التحتية، في حين خصص البنك الدولي نحو 104 مليارات دولار خلال عام 2022 وحده.
وبما أن الدولار يسيطر على أكثر من 40% من المعاملات التجارية حول العالم، فقد ساهم بارتفاع كلفة الاقتراض، حيث لم تتجاوز القروض التي منحها بنك التنمية العام الماضي المليار دولار.
ورغم كل التطورات والمساعي والجهود التي تهدف إلى التحرر من الدولار، فقد خسر فقط نحو 11 في المئة من قوته كعملة احتياط عالمية، وتراجعت حصته من 69% إلى 58%، وما يزال العملة الأقوى والأكثر سيطرةً على سيولة الاقتصاد العالمي.
في حين أن اليوان الصيني الذي يُعَد أكبر منافس له لا تزيد حصته عن 3%، مما يدل على أن العالم لن يتخلى عن الدولار كعملة دولية في المستقبل المنظور. لكن لا يمكن إغفال موجة التحدي بالتخلي عنه تدريجياً في المدى البعيد، في حال تزايد عدد الدول التي لا ترغب في التعامل به، وبروز «تعدد أقطاب نقدية» منافسة.
*عدنان كريمة كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية