الرئيسية / أخبار / الأردن والفرصة الأخيرة للإصلاح

الأردن والفرصة الأخيرة للإصلاح

الفرصة الأخيرة للإصلاح الأردني

ما الضمانات المتبادلة المطلوبة بين مراكز القرار والقوى السياسية والمدنية الأخرى؟

إذا خسرت مؤسّسات الدولة امتحان المصداقية بعد ذلك كلّه، فلا مجال لاستعادته لاحقاً، وكلفة ذلك ستكون كبيرة.

كيف نجمع بين مسار الانتقال نحو الحكومة الحزبية الديمقراطية والانتقال الديمقراطي من جهة والاستقرار السياسي من جهةٍ أخرى؟

انعكاسات سلبية كبيرة على مشروع التحديث السياسي أضعفت موقف الإصلاحيين والأحزاب وعزّز مواقف التيار المشكّك والمتشكك بنياتٍ مطبخ القرار.

ما الإطار الذي يعرّف (ويحدّد) القيم والمصالح الوطنية المشتركة التي يتوافق الجميع عليها وتحدّد المسموح والممنوع والخطير في قواعد اللعبة الجديدة؟

تقتضي المصلحة الوطنية العليا حماية الفرصة الأخيرة لعملية التحديث والإصلاح لأنّها ترتبط بتشريعات وسياسات ووعود وتأكيدات فلا مجال للتلاعب بالمصداقية.

سؤال جوهري يتمثل بإعادة تعريف المصلحة الوطنية العليا في اللعبة السياسية الداخلية معالتأكيد المستمرّ من الملك على المضي في مشروع “التحديث السياسي”.

* * *

شهدت الفترة الأخيرة توتّراً كبيراً في العلاقة بين مؤسّسات الحكم والمعارضة السياسية والمجتمع المدني وقوى أخرى ناشطة على خلفية التراجع في ملف الحريات السياسية، ثم قانون الجرائم الإلكترونية الذي أحدث ردود فعل كبيرة متتالية سلبية وقاسية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والخارجية الأميركية وهيومن رايتس ووتش العالمية.

إلاّ أنّ التأثير الأكبر ضرراً تمثّل بالانعكاسات السلبية الكبيرة على مشروع التحديث السياسي، إذ أضعف موقف الإصلاحيين والأحزاب السياسية عموماً، وعزّز من حجج (ومواقف) التيار المشكّك والمتشكك بمدى وجود نياتٍ حقيقية لدى مطبخ القرار بالانتقال نحو حياة حزبية وحكومة حزبية ديمقراطية، وبالتالي، نسف رصيداً كبيراً من العمل المتراكم في العامين الماضيين في سبيل بناء الثقة مع جيل الشباب لهدم الجدران النفسية والثقافية بينهم وبين العمل السياسي والحزبي.

يضعنا ما حدث أمام سؤال مهم وجوهري يتمثل بإعادة تعريف المصلحة الوطنية العليا في ما يخصّ اللعبة السياسية الداخلية، في ظل التأكيد المستمرّ من الملك للمضي في مشروع “التحديث السياسي”.

وتقتضي الإجابة طرح مجموعة من التساؤلات الرئيسية؛ في مقدّمتها كيف نجمع بين مسار الانتقال نحو الحكومة الحزبية الديمقراطية والانتقال الديمقراطي من جهة والاستقرار السياسي من جهةٍ أخرى؟ ما الضمانات المتبادلة المطلوبة بين مراكز القرار والقوى السياسية والمدنية الأخرى؟ ما الإطار الذي يعرّف (ويحدّد) القيم والمصالح الوطنية المشتركة التي يتوافق الجميع عليها وتحدّد المسموح والممنوع والخطير في قواعد اللعبة الجديدة؟

ثمّة مجال واسع وكبير يمكن الاتفاق عليه لترسيم معالم المرحلة المقبلة، والخروج من حالة الشك ومن المنطقة الرمادية الراهنة المسكونة بالأسئلة والتساؤلات والحيرة، ليس فقط في أوساط المعارضة، بل حتى لدى أغلب النخب السياسية في البلاد.

ولعلّ المفتاح المطلوب هو التفاهم والتوافق على أن المصلحة الوطنية العليا تتمثل اليوم وفي المستقبل بضرورة الانتقال نحو حكومات حزبية برامجية تلتزم الدستور والمصالح والقيم الوطنية المشتركة، وتقدّم برامج سياسية واقتصادية للحكم، ما يوسّع ويعزّز مساحة المشاركة السياسية والتعدّدية في أوساط اللعبة السياسية، ويردم الفجوة الواسعة من الثقة التي تكرّست في الفترة الماضية بين مؤسسات الحكم والشارع، بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية.

تتمثّل المصلحة الوطنية العليا بأن تكون مؤسّسة الملك مظلة لجميع القوى السياسية وكافلة لحماية الدستور ومصالح الدولة الاستراتيجية، ما يقتضي أن تكون هنالك طبقة عازلة سميكة تحمي المؤسّسة الملكية من الدخول في تفصيلات الأزمات السياسية والاقتصادية.

لا توجد مصلحة للدولة ولا للنظام في توريط مؤسّسة الملك بالتفاصيل التنفيذية وبمشكلات الإدارة اليومية والخدماتية والاقتصادية التي هي من شأن الحكومات والبلديات، والمفترض أن تكون من شأن الأحزاب، إذ تعكس توجهات المواطنين السياسية والاقتصادية والأيديولوجية.

وفي المقابل، المطلوب أن يتسم سلوك مؤسّسات الدولة العسكرية والأمنية والسيادية بالحيدة السياسية لحماية القيم الوطنية والمصالح العليا.

ما دام هنالك اتفاق بين الجميع على المصلحة الوطنية المشتركة، كما أوضحنا سابقاً، فالمطلوب أن يُترك العمل الحزبي لينمو بصورة طبيعية، وألا تكون هنالك تدخّلات رسمية أو تفضيلات من المؤسّسات لهذا الحزب أو ذاك، فلا فرق بين زيد أو عبيد.

فالمفترض أن تكون الدولة للجميع، وأن تكون الفرص متساوية أمامهم في لعبة التنافس السياسي، كي تكتسب شرعية ومصداقية وقبولاً من الأطراف المختلفة، وأن يتوازى ذلك مع رسالة واضحة بنزاهة الانتخابات المقبلة، لأنها امتحان حقيقي للحياة الحزبية ولجدّية الدولة ومصداقية مؤسّسة الحكم أمام الشارع.

ومن المهم أن يكون هنالك حراك سياسي شعبي حقيقي يؤدّي إلى إعادة إنتاج النخبة السياسية وبناء مسارات عادلة منصفة للجميع، للوصول إلى المواقع السياسية بناءً على قدراتهم ومهاراتهم في العمل السياسي.

تقتضي المصلحة الوطنية العليا حماية الفرصة الأخيرة لعملية التحديث والإصلاح السياسي الراهنة، لأنّها تأتي مرتبطة بتشريعات وسياسات ووعود وتأكيدات، فلا مجال هنا للتلاعب بهذه المصداقية والسمعة؛ فإذا خسرت مؤسّسات الدولة امتحان المصداقية بعد ذلك كلّه، لا مجال لاستعادته لاحقاً، وكلفة ذلك ستكون كبيرة.