الرئيسية / أخبار / صفقات الأسلحة.. رهان قوى أوروبا لتحقيق مكاسبها في الخليج

صفقات الأسلحة.. رهان قوى أوروبا لتحقيق مكاسبها في الخليج

تستخدم الدول الأوروبية، ولا سيما إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة، بشكل متزايد مبيعات الأسلحة كأداة استراتيجية لتشكيل التحالفات وممارسة النفوذ داخل دول مجلس التعاون الخليجي وسط التحولات الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية.

ويقول “منتدى الخليج الدولي” في تقرير إن حاجة دول الخليج إلى نهج موحد للاتحاد الأوروبي والتنوع المتزايد لموردي الأسلحة أدت إلى تآكل النفوذ الأوروبي، مما يسلط الضوء على الديناميكيات المعقدة للقوة والنفوذ في المنطقة.

ويشير التقرير إلى أن إيطاليا اتخذت في أبريل/ نيسان الماضي خطوة لاستعادة نفوذها المتضائل من خلال الرفع الحاسم لحظر الأسلحة المفروض على الإمارات، إدراكًا منها للأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج.

ويوضح أن القرار السابق بوقف هذه المبيعات في عام 2021 فرض قيودًا كبيرة على إيطاليا؛ لاسيما أن الإمارات ردت عليه حينها بتقييد وصول روما إلى مجالها الجوي، مما أضعف بشكل خطير قدرة إيطاليا على إجراء عمليات إجلاء للمدنيين والدبلوماسيين من أفغانستان.

كما أصدرت أبوظبي حينها تعليمات لإيطاليا بسحب قواتها من قاعدتها العسكرية في الإمارات.

وتشير مناورات إيطاليا الدبلوماسية لتعزيز علاقاتها مع الإمارات إلى الضرورة الاستراتيجية المتصورة من روما للتعاون مع أبوظبي لتحقيق أهدافها الجيوسياسية بمناطق حساسة مثل ليبيا والقرن الأفريقي.

ويضيف التقرير أن الشبكة الكبيرة للإمارات في هذه المناطق تجعلها حليفًا لا غنى عنه. علاوة على ذلك، يسمح هذا التعاون لإيطاليا بمزامنة استراتيجياتها مع شركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك الهند.

كما توفر الديناميكيات المتغيرة لنهج إيطاليا توضيحًا واضحًا للاتجاه الأوروبي الأوسع، حيث تعتبر الدول المصنفة غالبًا على أنها “قوى وسطى” مبيعات الأسلحة كأداة حاسمة لإقامة تحالفات مع دول مجلس التعاون الخليجي وتأكيد نفوذها في جميع أنحاء العالم، وفق التقرير.

دور مبيعات الأسلحة في إستراتيجية أوروبا بالخليج

ويذكر “منتدى الخليج الدولي” أنه في عام 2022، برزت فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة كمصدرين عالميين بارزين للأسلحة، واحتلت المرتبة الثانية والخامسة والسادسة على التوالي، وفقًا لـ”معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”.

وتسلط هذه الإحصائيات -حسب التقرير- الضوء على دورها الكبير في سوق الأسلحة العالمية وتؤكد الأهمية الاستراتيجية لهذه الصادرات؛ إذ أن فرنسا-على سبيل المثال- لديها علاقات تجارة أسلحة قوية مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوقيانوسيا، بينما تركز المملكة المتحدة بشكل أساسي على السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مثل عمان وقطر.

ويردف التقرير: “على الرغم من تجارة الأسلحة الصغيرة نسبيًا مع الخليج، فإن استئناف إيطاليا لصادراتها من الأسلحة يشير إلى تحول واضح نحو رفع مستوى العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي”.

ويتمثل النقد القياسي لهذه الديناميكية في أنها تمثل سياسة “الربح على الناس” مما يشير إلى أن الحكومات تعطي الأولوية للمكاسب الاقتصادية على الرفاهية البشرية، بحسب المنتدى.

ورغم ذلك يؤكد التقرير أنه لا يمكن إنكار أن الفوائد التجارية تلعب دورًا مهمًا في هذه المعاملات؛ فعلى سبيل المثال تستفيد المملكة المتحدة من مبيعات الأسلحة في المقام الأول من أجل التقدم الاقتصادي ولكن أيضًا لتقوية التحالفات السياسية، وتجسد نموذجًا من “التجارة النفعية”.

ومع ذلك، غالبًا ما تحتاج مثل هذه الانتقادات إلى فهم الدوافع الدقيقة لهذه السياسات؛ إذ تؤكد فرنسا وإيطاليا-على سبيل المثال- على حماية صناعاتهما الوطنية واستقلاليتهما.

وكان هذا الاتجاه واضحًا بشكل خاص في إيطاليا في ظل حكومة جيورجيا ميلوني، التي صعدت التزامها بهذا النهج في أعقاب احتجاجات الشركات المصنعة للدفاع حول خسائر الإيرادات، على الرغم من مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، وفق التقرير.

ويتابع: “بالمثل، تتاجر دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وهولندا وبلجيكا بالأسلحة مع الخليج. ومع ذلك، قد لا تكون دوافعهم موجهة صراحة نحو أهداف إقليمية أوسع”.

ويبين أن الفوائد الاقتصادية لهذه العلاقات تمتد إلى ما وراء تجارة الأسلحة؛ إذ قامت دول الخليج باستثمارات كبيرة بمختلف القطاعات في المملكة المتحدة، كالتمويل والعقارات والطاقة والتكنولوجيا والتعليم.

وتسعى إيطاليا بشكل استباقي إلى الاستثمار من شركاء الخليج الأثرياء كالإمارات وقطر، وأصبحت هذه الاستراتيجية ذات صلة بشكل متزايد حيث تعيد روما تقييم علاقاتها مع الصين.

علاوة على ذلك تم تضخيم أهمية العلاقات مع الخليج من خلال طموحات أوروبا لتنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن روسيا، مما يشير إلى الطبيعة الاستراتيجية متعددة الأوجه لهذه الشراكات، وفق التقرير.

المشاركة من أجل الأمن الإقليمي

ومع ذلك يقول التقرير إن المصالح الاقتصادية الثنائية ليست سوى جانب واحد من جوانب المعادلة الأوسع.

ويوضح أن الأهمية الجغرافية لدول الخليج تحتم على الدول الأوروبية تعزيز العلاقات مع المنطقة، فحتى أثناء تراجع بريطانيا كقوة عالمية، كانت سياستها الدفاعية بعد الحرب تتوقف على الحفاظ على وجودها في الخليج وضمان سلامة ممرات الشحن الحيوية.

“واليوم تهدف المملكة المتحدة إلى الاستفادة من علاقاتها في الخليج لإبراز القوة في المنطقة الأوسع والاستجابة لحالات الأزمات المحتملة”، يضيف التقرير.

وفي 5 يونيو/ حزيران الماضي، عملت سفينة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، بالتعاون مع البحرية الأمريكية، من قاعدتها في البحرين لردع السفن الإيرانية التي قيل إنها “تضايق” السفن التجارية.

وبالمثل، انضمت فرنسا إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لمواجهة التهديدات الإيرانية، باستخدام قاعدتها البحرية في أبو ظبي كمنصة استراتيجية.

علاوة على ذلك، يشير التقرير إلى أن المملكة المتحدة وفرنسا استفادتا من قواعدهما في الخليج لتعزيز عملياتهما البحرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ كان هذا واضحًا بشكل خاص حيث تدعم لندن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة “لاحتواء” الصين، بينما تسعى فرنسا لدعم مصالحها باعتبارها “قوة مقيمة” في المحيطين الهندي والهادئ.

وبالنسبة للقوى الوسطى الأوروبية الحريصة على التعامل مع المنطقة العربية، يعتبر الوصول إلى المنطقة عبر دول الخليج أمرًا لا غنى عنه.

ويضيف التقرير أن هذا النهج اكتسب زخمًا حيث تبنت دول الخليج، ولا سيما الإمارات والسعودية، سياسات خارجية استباقية بعد ثورات الربيع العربي.

ويبين أن الاعتراف بهذه الدول الخليجية بصفتها وسطاء قوة مؤثرين أمر بالغ الأهمية للمشاركة الفعالة، نظرًا لشبكاتها الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية الراسخة.

ويردف: “على خلفية حرب اليمن، غالبًا ما أدت مبيعات الأسلحة للمملكة المتحدة وفرنسا إلى ردود فعل صامتة على الحملات العسكرية التي قادتها السعودية والإمارات مع توجيه انتقادات في الغالب لدور إيران في الصراع. حتى أن العلاقات الوثيقة بين المملكة المتحدة والرياض سهلت المستشارين العسكريين البريطانيين للمساعدة في توجيه حملة قصف الرياض ضد أهداف الحوثيين”.

ويتابع منتدى الخليج: “مع تراجع حرب اليمن، قد تتطلب مبادرات بناء السلام المستقبلية مشاركة السعودية، بالنظر إلى قوتها الناعمة ودعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا”.

ويزيد قائلا: “يتجلى اتجاه مماثل في ليبيا، حيث تعاونت باريس عن كثب مع الإمارات عندما توافقت سياساتها في دعم قوات خليفة حفتر، حتى أن بعض المحللين أشاروا إلى أن أبوظبي وجهت سياسة باريس تجاه ليبيا في ذلك الوقت، بالنظر إلى الدعم الذي قدمته باريس لحفتر، وبالنظر إلى جهود إيطاليا لتحقيق الاستقرار في ليبيا ما بعد الحرب وإدارة الهجرة عبر البحر المتوسط”.

تآكل النفوذ الأوروبي

ويذكر منتدى الخليج الدولي: “لا شك أن المنافسة على مبيعات الأسلحة عالية عندما يتعلق الأمر بمنطقة الخليج، مما يحد من نفوذ الدول الأوروبية التي تعمل بشكل ثنائي”.

ويشير إلى أن الإمارات ألغت في مايو/ أيار صفقة سابقة مع شركة إيرباص لشراء 12 طائرة هليكوبتر فرنسية من طراز كاراكال، رغم أنها ستستمر في شراء 80 طائرة حربية من طراز رافال وصواريخ مختلفة من باريس.

ولا تعكس هذه الخطوة- حسب التقرير- رغبة الإمارات في تطوير قدراتها الإنتاجية المحلية فحسب، بل تعكس أيضًا خيارها الواسع لواردات الأسلحة، بما في ذلك من دول مثل الولايات المتحدة وروسيا وكوريا الجنوبية وإسرائيل.

ويضيف: “من الواضح أن دول الخليج وضعت نفسها وقامت بتنويع الشراكات مع مجموعة واسعة من القوى المتوسطة والعظيمة”.

علاوة على ذلك، كافح الاتحاد الأوروبي لتوفير جبهة موحدة في التعامل مع المنطقة، ويتجلى ذلك بشكل واضح في إخفاقاته في تأمين اتفاقية تجارة حرة (FTA) مع دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2008.

بينما تهدف بريطانيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حاليًا إلى أن تصبح أول دولة أوروبية لتأمين اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، فقد اضطرت إلى التغاضي عن مخاوف حقوق الإنسان التي أثارها النقاد داخل المملكة المتحدة فيما يتعلق بهذا المسعى، حسب التقرير.

ويضيف المنتدى: “في نهاية المطاف، أدت هذه المصالح الوطنية الفردية بين الدول الأوروبية إلى زيادة النفوذ الذي تمارسه دول الخليج”.

ويبين أنه تكثيف الجهود لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما في ضوء التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، يجعل دول الخليج شريكًا مهمًا ويعني تلاشي الخلافات السابقة بين الطرفين حول حقوق الإنسان.

وفي حين أن أي احتمال لزيادة التعددية داخل الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيد المنال، فإن الفشل في تحقيق ذلك أدى بلا شك إلى تنازل بائعي الأسلحة عن نفوذهم لدول مجلس التعاون الخليجي، مع منع أوروبا من اكتساب نفوذ كبير على الخليج.

وبالتالي في حين أن مبيعات الأسلحة هي جانب مهم من مشاركة أوروبا مع الخليج، فإنها تكشف أيضًا عن قيود وتحديات استراتيجياتها الحالية، حسب التقرير.