الرئيسية / أخبار /  الولايات المتّحدة الأمريكيّة وجمهورية الصين الشعبية وتقاسم النفوذ

 الولايات المتّحدة الأمريكيّة وجمهورية الصين الشعبية وتقاسم النفوذ

أيمن علوش

يقول ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالميّة الثانية وبعدها: ” في السياسة ليس هناك عدوّ دائم أو صديق دائم. هناك مصلحة دائمة”، والولايات المتّحدة الأمريكيّة التي اعتبرت جمهوريّة الصين الشعبيّة ألدّ أعدائها ووضعتها على رأس قائمة التحدّيات والمخاطر التي تواجهها، وضمّنت ذلك في خطاب “حال الاتحاد” الذي يلقيه الرئيس الأمريكي سنوياً أمام الكونغرس الأمريكي لعدّة سنوات متتالية، قد لا تجد بديلاً عن الجلوس معها لصياغة عالم جديد يتقاسم البلدان قمّته ومنافعه.

أعتقد لو سُئل مسؤول صيني عن الحرب الروسيّة على أوكرانيا لأجاب في سرّه كما أجاب هنري كيسنجر جهراً عندما سُئل عن الحرب العراقيّة الإيرانيّة في الثمانينات من القرن الماضي إذ قال: ” إنّها الحرب التي لا نتمنّى أن نرى لها نهاية أبداً”، وأعتقد أنّ جواب كيسنجر سيكون نفسه أيضاً بالنسبة للحرب الروسيّة على أوكرانيا، فالمصلحة الأمريكيّة من هذه الحرب لا تقلّ نهائيّاً عن مصلحة الصين.

قد يقول البعض أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة حريصة على تعزيز موقعها الدوليّ، وهذا يتطلّب منها إضعاف خصمها العسكري الأول وهي روسيا الاتحاديّة، وجرّ الدول الأوروبيّة إلى وحدة المعركة، سواءً بالدعم العسكريّ والماديّ لأوكرانيا أو بفرض العقوبات الاقتصاديّة على روسيا، بما يُلغي أيّ تعاون قائم ويُعطّل أيّ تعاون مستقبلي محتمل بين روسيا والدول الأوروبيّة، وقد يرى هذا البعض أنّ الولايات المتّحدة قد نجحت في تحقيق العديد من المكاسب الاقتصاديّة نتيجة هجرة الكثير من الشركات الأوروبيّة إلى بيئة أكثر أماناً وأقلّ تكلفة بعد ما شهدته دول أوروبّا من ارتفاع في الأسعار، سواءً بشبه توقف وصول الغاز الروسي إليها، أو بتوقف وصول المواد الخام والغذائية الروسيّة والأوكرانية نتيجة العقوبات والحرب، وقد كان للولايات المتّحدة الحصّة الأكبر في كلّ ذلك، سواءّ في تعويض الغاز والنفط لأوروبّا من مخزوناتها بأسعار مرتفعة أو في استقبالها لشركات أوروبيّة أو في إغراق أوروبّا باللاجئين الأوكران. كما يرى هذا البعض أنّ تعاظم القوّة الأمريكيّة من خلال سيناريو أوكرانيا قد فرض تنسيقاً روسيّاً صينيّاً لمواجهة العدوّ الأمريكيّ الذي يجني مكاسب كبيرة في كافة الاتجاهات، وربّما أولها تلك الناتجة عن هيمنة الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى تقدّم قواعده العسكرية وأسلحته الاستراتيجية لتصبح على أبواب منافسيه على الساحة الدوليّة.

العلاقات الصينيّة ـ الروسيّة

بالرغم من أهميّة التنسيق الروسيّ ـ الصينيّ، سواءً على الصعيد الإقليمي لمواجهة التواجد الأمريكيّ في دول شرق آسيا التي يتجاوز طول حدودها مع الصين 7000 كم، أو مصلحة البلدين للاتفاق على تحجيم النزعة الانفصاليّة في إقليم شينغيانغ الذي تبلغ مساحته 1/6 مساحة الصين ويقطنه مسلمو الايغور، ليس فقط لأنه يحتوي على 25% من ثروة البلاد النفطية بل لأنّه يقع على حدود عدد من الجمهوريات الإسلامية في شرق آسيا وما يمكن أن يمثّله ذلك من حافز ديني أو عرقي للانفصال أو من إمكانية العبث الخارجي تحت هذه العناوين، وعلى الرغم ما يجمع روسيا والصين في منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس، والاتفاقيّات الموقّعة بينهما، وخاصّة اتفاقيّة استيراد الصين للغاز الروسي لمدة ثلاثين عاماً بمعدّل 40 مليار م3 سنويّا، وحجم التبادل التجاري بين البلدين والذي ارتفع من 100 مليار دولار أمريكي في عام 2016  إلى 190 مليار دولار في العام الماضي 2022، وحاجة الصين لروسيا في مشروع طريق الحرير، وحاجتها أيضاً للخبرات الروسيّة في بناء مفاعلاتها النووية والحصول على أسلحة متطوّرة منها لترسانتها العسكريّة، فهناك من يرى أنّ هذه المصالح الإقليميّة والأمنيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والاستراتيجيّة لا يمكن أن تثني الصين عن أن تجلسَ مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة لصياغة عالم جديد يتربّعان سويّة على قمّته.

تدرك الصين أنّ الحرب الروسيّة على أوكرانيا قد تستغرق وقتاً طويلاً، فأمريكا لا تريد أن ترى نهاية قريبة لها، وهي تُلزم حلفها أن يستمرّ في تقديم كافّة أشكال الدعم لأوكرانيا بما يستهلك من القدرة العسكريّة والاقتصاديّة لروسيا، وهي تدرك أيضاً أنّها لن تكون مطلقة الحريّة في علاقاتها مع روسيا بسبب العقوبات المفروضة عليها والتي قد تستمّر لحقبة من الزمن، وتدرك أيضاً أنّ روسيا ستخرج من هذه الحرب منهكة سواءّ من نتائج الحرب المباشرة أو غير المباشرة أو من تحدّيات ما بعد الحرب وعلى الصعيدين الداخلي والإقليمي والدولي، وعلى المديين القريب والبعيد، هذا إذا لم تتدهور الأمور إلى عدم استقرار داخلي في روسيا يقلب كافّة الموازين أو إلى حرب مباشرة مع دول الناتو أو إلى مواجهة نووية.

يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق وأحد مهندسي السياسة التي حرّضت أمريكا والصين ضدّ الاتحاد السوفيتي، بأنّه يشكّ في قدرة الصين وروسيا على العمل معًا بشكل جيّد، فهو لا ينفي أنهّما يشتركان في الشك بالولايات المتّحدة، لكنّه في الوقت نفسه يعتقد أنّ لديهما ارتياباً غريزياً في بعضهمُ البعض، ويذكر: “لم أقابل قط زعيماً روسيّاً قال أيّ شيء جيد عن الصين، ولم أقابل زعيماً صينياًّ أبداً قال أيّ شيء جيّد عن روسيا”، إنهم ليسوا حلفاء طبيعيين، وهو برأيه هذا إنما يقدّم استنتاجاً لعلاقات غير مستقرّة بين الصين والاتحاد السوفييتي منذ بداية القرن الماضي وحربين وخلافات إيديولوجيّة ودعم كلّ دولة لمعارضيّ الدولة الأخرى والذي استمر منذ الثورة البلشفية في عام 1917 وحتّى تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، لتأتي بعدها اتفاقية منظمة شنغهاي في عام 1996 وتؤسّس لمرحلة مختلفة من العلاقات بين البلدين.

وهنري كيسنجر الذي يعتقد أن روسيا والصين لا يمكن أن يستمرّا كصديقين أو كحليفين يقلقه ما وصلت إليه العلاقات بين بلده الولايات المتّحدة والصين، فقد ذكر قبل أيام لصحيفة موندو الاسبانيّة أنّ احتمالات التوتّر بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة والصين تقلقه أكثر ممّا تقلقه الحرب الروسيّة على أوكرانيا أو احتمالات المواجهة الغربيّة معها، فهو يرى أنّ “الصين والولايات المتّحدة قد تحوّلتا في الوقت الراهن إلى خصمين، فقد أقنع الجانبان نفسيهما بأن الآخر يمثّل خطرا استراتيجياً.. نحن في طريق مواجهة القوى العظمى… وأن الحرب بين واشنطن وبكين يمكن أن تُسقط الحضارة، إن لم تُدمّرها بالكامل”.

يقول الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانت: “إنّ السلام سيحدث إمّا من خلال الفهم البشري أو من خلال كارثة ما”، والذي يدفع كيسنجر للاستشهاد بهذا القول هو إدراكه لأهميّة أن تجلس الولايات المتّحدة والصين لتقاسم المصالح الدوليّة وفق ميزان القوّة العسكريّة والاقتصاديّة لكلا البلدين.

ما يقوله كيسنجر نقرأه في تصريح وزيرة الخزانة الأمريكيّة جانيت يلين، حيث توالت تصريحاتها مؤخراً حول شكل العلاقة التي يجب أن تنشأ بين البلدين، فهي ترى أنّ الولايات المتّحدة “تسعى إلى منافسة اقتصاديّة سليمة مع الصين لا يحصل الأقوى فيها على كلّ الغنائم، مع مجموعة من القواعد المنصفة يمكن أن يستفيد منها البلدان، وألا تؤدّي الخلافات إلى تدهور غير مجد للعلاقات الصينيّة الأمريكيّة”، بل وذهبت إلى أكثر من ذلك بالقول بأنّ “انفصال اقتصادي الصين وأمريكا سيكون كارثياً على البلدين والعالم…. وعلى البلدين الالتزام بإدارة علاقتهما بمسؤولية”، ويبدو أنّ المقاربة الأمريكيّة تروق للجانب الصيني فنقرأ لرئيس الوزراء الصينيّ بأنّه “يرى تحسّناً في العلاقات مع واشنطن” وبأنه يجب على الصين أن “ترى دائماً الجانب المشرق بغضّ النظر عن العقبات التي يمكن أن تتعرّض لها علاقاتنا مع واشنطن” مبدياً استعداد بلاده “لتعزيز التعاون الاقتصاديّ والتجاريّ والحفاظ على الاتصالات مع الجانب الأمريكيّ”

يؤكّد الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أن “العلاقات الروسيّة – الصينيّة بلغت ذروتها التاريخيّة وبأعلى مستوياتها، وبأنّها تزداد رسوخا وتكتسب المزيد من القوّة …. وبأنّ الشراكة الروسيّة الصينيّة بُنيت دائماً على الثقة المتبادلة واحترام سيادة ومصالح كلّ منهما … وبأنّ البلدان يعملان سويّة لبناء نظام عالميّ متعدّد الأقطاب أكثر عدلاّ بناءً على القانون الدوليّ”، واعتبر أن “العلاقات مع الصين هي اليوم حجر الزاوية للاستقرار الإقليميّ والعالميّ، وهي تحفّز النمو الاقتصادي وتشكّل ضمانةً لأجندة إيجابية في الشؤون الدوليّة”.

التصريحات الصينيّة حول العلاقة مع روسيا لا ترقَ في حماسها إلى مستوى التصريحات الروسيّة، وأعتقد أن مردّ ذلك هو أن مبدأ القوّة الناعمة التي تعمل به الصين والذي يجعل خطواتها أكثر ثباتاً في المضيّ نحو هدفها بأن تصبح أقوى اقتصاد عالمي في عام 2050 كما تشير التوقعات، يجعلها تتوخّى الحذر في علاقاتها مع روسيا، ليس فقط لتجنب العقوبات، وإنما لعدم إغلاق باب الفرص أمامها، فقد اتخذت الصين موقفاً شبه محايد في الحرب على أوكرانيا دون أن تتوقف عن توطيد علاقاتها مع موسكو، فهذا من شأنه أن يزيد من أوراق قوتها في علاقاتها مع الولايات المتّحدة وأوروبّا، دون أن تخسر دول العالم الأخرى التي تؤيّد أو تتعاطف مع روسيا.

لم يفوّت الرئيس الصيني أي فرصة للتلويح بورقة العلاقات الاستراتيجية مع روسيا، فكانت أولى زيارته بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية لفترة ثالثة إلى روسيا، وقد ركّز في تصريحاته على أن “الأولوية في العلاقات الاستراتيجية ستكون مع روسيا، واصفاً البلدين بأنهما ” أكبر قوتين جارتين وبأنهما شريكين استراتيجيين على كافة المستويات”، وفي ترجمة عمليه لذلك فقد اشتركت روسيا والصين في مناورات في بحر الصين، وتشاركتا مناورات مع إيران في بحر العرب، ومع سورية في المتوسط، وتوافقتا في التصويت في المنظمة الدوليّة، والتقيتا في موقف شبه واحد حول عدد من القضايا، وتبادلتا التصريحات التي تؤكد حرص كلّ طرف على العلاقات مع الطرف الآخر.

العلاقات الصينيّة ـ الأمريكيّة

لا يبدو أن الولايات المتّحدة تملك الكثير من الخيارات في علاقاتها مع الصين، وهي تدرك أنّ خسائرها من تعاظم فوّة الصين الاقتصاديّة وارتفاع وتيرة التنسيق الصيني ـ الروسي، وربّما انتقاله إلى مراحل أكثر تقدّماً، سيخدم روسيا والصين كدول وكحلف وسيدعم التكتّلات التي ينتمون إليها، من جهة، وسيضعفها دولياً ويعجّل من تراجعها لصالح الصين، من جهة أخرى، وأعتقد أن الولايات المتّحدة تابعت باهتمام زيارة رئيسة المفوضية الأوروبيّة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بكين ولقاء الأخير مع نظيره الصيني شي جين بينغ، وما قد يعنيه ذلك من انفتاح أوروبيّ على الصين واحتمالات تأثير ذلك على علاقة الولايات المتّحدة الأمريكيّة مع أوروبا.

في تطور العلاقات الأمريكيّة ـ الصينيّة سيبرز إلى الواجهة عدد من القضايا الأساسية، ولكن ربّما أهمّها مسألة توفر الطاقة التي تحتاجها الصين لتلبية حاجات صناعاتها ونموها المستقبليّ حيث أنّ الطاقة هي عصب النموّ الاقتصادي الصيني، وهي حريصة ليس فقط على عدم توقف إمداده، بل والتأكد من أمن مصادرة. وإذا كانت الصين تعتمد اليوم على روسيا كأكبر مورّد للغاز فإنّها بحاجة إلى أن تضمن مصدراً آخر للطاقة في حال أدت خياراتها الاستراتيجية إلى تراجع علاقاتها مع روسيا، وبالتالي تراجع إمداد روسيا لها بالطاقة.

ربّما كان تبريد الخلافات في منطقة الشرق الأوسط، سواءّ الخلاف السعوديّ الإيرانيّ وما يمكن أن ينتج عنه من تهدئة في اليمن، والانفتاح العربي على سورية والحديث عن عودة سورية إلى محيطها العربي يهدف إلى توجيه رسائل طمأنة أمريكية للصين بأن مصادر الطاقة البديلة للغاز الروسي جاهزة إذا ارتأت الصين أن تتخلّى عن روسيا وتذهب في علاقات أوثق مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ويمكن في هذا الإطار فهم أن تسمح الولايات المتّحدة للصين أن تلعب دور الوساطة بين الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة والمملكة العربيّة السعوديّة دون ممارسة أي ضغط على السعوديّة التي يعتقد كثيرون أنّها غير قادرة على المضي في عمليّة تطبيع العلاقات مع إيران دون موافقة الولايات المتّحدة، أو أن تنعقد قمّة سعوديّة ـ صينيّة تتبعها قمّة خليجية ـ صينية ومن ثم قمّة عربية ـ صينية بحضور شبه كامل دون ضغوط أمريكيّة على أيّ من هذه الدول، بل على العكس فقد أعلنت الولايات المتّحدة اطلاعها على تفاصيل الاجتماعات التي حصلت وتفهّمها لها.

وقد تكون تايوان إحدى القضايا الأخرى الشائكة بين البلدين، فالصين تعتبر تايوان جزءّ لا يتجزأ من جمهوريّة الصين الشعبيّة، والولايات المتّحدة التي تقرّ بمبدأ الصين الواحدة بدأت تبتعد في ممارساتها عن هذا المبدأ، فسهّلت لرئيسة الكونغرس الأمريكيّ السابقة نانسي بيلوسي زيارة تايوان في آب من العام الماضي في انتهاك واضح لمبدأ الصين الواحدة، ولقاء رئيسة تايوان تساي خلال رحلة ترانزيت في الولايات المتّحدة الأمريكيّة واجتماعها مع كيفين مكارثي رئيس مجلس النواب وأعضاء من الكونغرس الأمريكيّ، وكذلك زيارة وفد من الكونغرس الأمريكي مؤلف من 8 أعضاء لإجراء محادثات حول التجارة والأمن.

الزيارات التي وتّرت العلاقات بين الولايات المتّحدة والصين أدت إلى زيادة النشاط العسكري في بحر الصين ومضيق تايوان، حيث شهدت المنطقة مناورات عسكريّة شاركت فيها روسيا والصين، وتحركات لقطع عسكريّة وسلاح الجوّ الصيني، من جهة، واستنفاراً تايوانياً وأمريكياً وصفقات سلاح، من جهة أخرى، مما وضع المنطقة على حافة الحرب، وهو الأمر الذي أضاء في الوقت نفسه على أهميّة الحوار الصيني الأمريكي، خاصّة وأن ميزان القوى العسكري يميل لصالح الصين التي ستخوض حرباً من أراضيها الشاسعة ضد حاملات طائرات وقواعد عسكريّة محدودة في المنطقة.

وأهميّة تايوان لا تأتي من شبكة علاقاتها مع دول العالم، فلا يعترف بها اليوم كدولة إلّا 13 دولة فقط، ومعظمها جزر في البحر الكاريبي وجنوب المحيط الهادي، وقد جاء اعتراف هذه الدول بها نتيجة المساعدات الماليّة والتقنيّة التي قدّمتها تايوان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بعد نموها الاقتصادي الاستثنائي، وقد استطاعت الصين خلال الفترة الأخيرة سحب اعتراف عدد من الدول بها بنفس الطريقة التي حصلت فيها الأولى على الاعتراف.

وعلى الرغم من أنّ الدخل القومي لتايوان يصل إلى 570 مليار دولار أمريكي وأنّها تحتّل المرتبة الرابعة عشرة وفق قائمة غلوبال فاينانس لأغنى دولا العالم، وعلى الرغم أيضاً من موقعها الجغرافيّ في قلب استراتيجيّة الاحتواء الأمريكيّة نظراً لموقعها من مضيق تايوان وقناة باشي، الممرّين البحريّين الرئيسيّين اللذين يربطان شمال شرق آسيا بجنوب شرق آسيا والشرق، وما يعنيه ذلك للولايات المتّحدة وحلفائها في المنطقة، فإن أهميّة تايوان تكمن بشكل أساسيّ في كونها موطناً لصناعات استراتيجيّة حيويّة مثل أشباه الموصلات الإلكترونية من خلال شركة TSMC  التي تقدّر قيمتها ب 430 مليار دولار، وتعتبر هذه الصناعة أساسيّة لتقنيّات الجيل الخامس الناشئة، حيث تُصنّع تايوان 65% من أشباه الموصلات في العالم وتسعة أعشار الرقائق شديدة التقدّم، وهذه المنتجات باتت عصب التطور التكنولوجي في كافّة المجالات بلا استثناء، ومن يضع يده على الحصة الأكبر من هذه التكنولوجيا سيمتلك أدوات المستقبل.

أعتقد أن الولايات المتّحدة الأمريكيّة باتت ترى أن عودة تايوان إلى الصين الأم أمراً واقعاً لا مفرّ منه، وانطلاقاً من هذا الإدراك فقد قرأ البعض زيارة إيلون ماسك ولقائه الرئيس الصيني، ومن بعدها زيارة مؤسس شركة مايكرو سوفت بأنّها تعزيز لعلاقة مطلوبة أكثر ممّا هي تحدّ للصين، فعماد صناعة هاتين الشركتين هي الصناعات التايوانية، وقد تكون زيارتهما ضمن ترتيبات العلاقة الأمريكيّة الصينيّة، وهذا يجب قراءته ضمن عدد آخر من التصريحات الرسمية الأمريكيّة وآخرها تصريحات وزيرة المال

الخاتمـــــــــــة

لا يبدو أن الولايات المتّحدة تملك الكثير من الخيارات في علاقاتها مع الصين، وهي تدرك أنّ خسائرها من تعاظم فوّة الصين الاقتصاديّة وارتفاع وتيرة التنسيق الروسي الصيني ـ الروسي، وربما انتقاله إلى مراحل أكثر تقدماً، سيخدم روسيا والصين كدول وكحلف وسيدعم التكتلات التي ينتمون إليها، من جهة، وسيضعفها دولياً ويعجّل من تراجعها لصالح الصين، من جهة أخرى، وأعتقد أن الولايات المتّحدة تابعت باهتمام زيارة رئيسة المفوضية الأوروبيّة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بكين ولقاء الأخير مع نظيره الصيني شي جين بينغ، وما قد يعنيه ذلك من انفتاح أوروبيّ على الصين واحتمالات تأثير ذلك على علاقة الولايات المتّحدة الأمريكيّة مع أوروبا.

ربما كانت الصين قد قطعت بعض الطريق في التشاور مع الولايات المتّحدة، ولكنها لم تسقط من يدها الأوراق الأخرى التي اكتسبتها سواءّ من علاقتها مع روسيا أو من وجودها ضمن تكتلات سياسية واقتصادية أخرى تصنف بأنها مناهضة للنظام العالمي الحالي الذي تنفرد فيه أمريكا ومحورها بقيادة العالم لأن ذلك سيضيف كثيراً إلى أوراق قوتّها أوراقاً جديدة ستحتاجها في المراحل المقبلة من الحوار والتفاوض مع الولايات المتّحدة.

دكتور في السياسة الدولية ـ جامعة اكستر

دبلوماسي سوري متقاعد

aymanalloush@hotmail.com