أمسى خطاب الكراهية نهجا منظّما يستخدم للتأثير على الرأي العام ونظرته إلى الأفراد، والمجموعات، والسياسة في لبنان. فقد أظهرت عدّة حوادث عنف في السنوات الماضية، بشكل واضح، الرابط بين حملات خطاب الكراهية والاغتيالات السياسية على سبيل المثال.
بيروت – تساءل وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري خلال رعايته لحفل افتتاح المؤتمر الإعلامي الأول بعنوان “دور وسائل الإعلام اللبنانية في بناء الخطاب السياسي الإيجابي”، “لماذا نرفض اليد الممدودة؟ ولماذا نرفض التلاقي؟ ولماذا نرفض الحوار؟ تكثر الأسئلة، والجواب هو العناد ثم العناد ثم العناد، والعناد لا يبني أوطانا، ولذلك يلعب الإعلام دورا مركزيا ومحوريا في الدعوة إلى التلاقي والحوار، كما يلعب دورا في البعد والتفرقة”.
ولفت إلى أن “الإعلام هو تلك الماكينة التي تغرقنا يوميا بالأخبار وعلى مدار الساعة، نتصرف جميعا بناء على معلومات تدفعنا نحو التفاعل مع محيطنا، نستقيها من مقالة صحفية، أو من تصفح موقع إخباري، أو من سماع قصة على الإذاعة، أو من مشاهدة برنامج حواري على التلفزيون، فنشكل مجموعة من الخيارات في يومياتنا، وعليه، الإعلام سلاح الحرب وسلاح السلام!”.
ورأى أن “قيمة الخبر قوامها عنصران: أن تخيف الناس أو أن تفرحهم، وبما أن الإعلام قادر على لعب الدورين، تزايد الحديث في السنوات الأخيرة عن ضرورة أن يؤدي الإعلام دورا فعالا في بناء ثقافة التلاقي لا ثقافة الاختلاف، لاسيما أنه متهم بالتأجيج والتحريض، وهنا أتحدث عن الإعلام بشكل عام وليس عن الإعلام اللبناني”، مشيرا إلى أن “وسائل الإعلام بشكل عام تنحاز إلى السلبية، ولو تعمقنا في نشرات الأخبار اليومية، سنجد أن الأخبار السلبية تتصدر العناوين، لقد تشربنا السلبية على جرعات يومية وتشبعنا منها، إلى حد أصبحنا معه غير قادرين على التقاط الأمور الإيجابية”.
وتحدث الوزير عما أسماه “إرهاق الأخبار”، ولذلك لا بد من مقاربة إيجابية للأخبار، والتركيز أكثر على “صحافة الحلول”، التي تهتم بالحلول أكثر من اهتمامها بالمشاكل، وهذه المدرسة هي مدرسة الصحافة البناءة، أي الصحافة التي تقترح مقاربات إيجابية، وعليه وسائل الإعلام اللبنانية مدعوة لتبني الخطاب السياسي الإيجابي، وأيضا السياسيون مدعوون إلى تبني الخطاب السياسي الإيجابي، ومثلهم الأحزاب، معتبرا أن “للإعلام عضلات، ولذلك لدى السلبي منه قدرة على تدمير أوطان، فيما لدى الإيجابي قدرة على البناء، وبناء صروح الوطن خير من الهدم”.
من خلال الربط بين هذه الأسئلة، وجدت مبادرة “مراقبة ملكية وسائل الإعلام” أن معدّلات المشاهدة في لبنان في قطاعات المطبوعات والإذاعة والتلفزيون ووسائل الإعلام الإلكترونية، تتركّز بين عدد محصور من الجهات الفاعلة والأسر السياسية الأساسية، ما يولّد مشهدا شديد الاستقطاب. وبصورة عامة، تبيّن أن الشفافية في تحديد هيكلية ملكية وسائل الإعلام والوصول إلى البيانات محدودة أيضا، من دون وجود أي موجب يلزم أي مالك بإشهار انتمائه السياسي.
وكشفت دراسة أعدتها مؤسسة “سمير قصير”، نشرتها تحت عنوان “730 يوما من الكراهية.. مدى خطاب الكراهية في الإعلام اللبناني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي”، تصاعد خطاب الكراهية في لبنان حتى بات نهجا “منظّما” يُستخدم للتأثير على الرأي العام ونظرته إلى الأفراد والمجموعات والسياسة.
ركّزت الدراسة جهودها على ثلاث منصّات إعلامية أساسية هي: التلفزيون، فيسبوك وتويتر، فتمّت صياغة منهجية مخصّصة لكل من هذه المنصّات. وتشرح الدراسة أن “الكراهية ليست مجرّد شعور، بل يمكن اعتبارها، عندما تتجلّى بأخطر أشكالها، عملية تفكيرية وأداة سياسية. ففي المجال السياسي، تعطّل الكراهية العلاقات الإنسانية بجوانبها كافة، وما تلبث أن تتشعّب وتتضخّم إلى أن تُسفر لا محالة عن الكوارث والمآسي”.
وتضيف الدراسة “عندما يكتسح الخطاب السياسي المرتكز على كراهية فئة معيّنة، أو فكرة محدّدة، العقلية الجماعية لفئة سكّانية معيّنة أو مجموعة من الأشخاص، يكتسب قوة فائقة حتى يصبح احتواؤه عملية عسيرة جدا. وليس هذا فحسب، بل المقلق على حدّ سواء هو قدرته على تحويل الأفراد إلى ماكينات مروّجة للكراهية، واستغلال هذا التأثير الجماعي لتمهيد الطريق نحو العنف. يُعرف هذا الخطاب بخطاب الكراهية”.
ويعد خطاب الكراهية “مميت”، حيث واجه عدة أشخاص عنفا جسديا وصل إلى حد القتل. وتوصلت الدراسة إلى أن استخدام خطاب التعصّب والتهميش بات يُوظَّف بشكل ممنهج، في خدمة السردية القائمة على إقصاء “الآخر” وتصنيفه ضمن خانات معيّنة، لجملة من الأسباب، منها على سبيل المثال لا الحصر الميول الطائفية المترسّخة.
ويحتاج خطاب الكراهية، بحسب الدراسة، إلى وسيط لكي ينمو ويستشري، “وعلى غرار أي خطاب آخر، يتفشّى، ويكتسب جمهورا أوسع، ثم يتجلّى بكل استفزاز عندما يُمسي معمّما في الخطاب السائد، فيبدو الخط الفاصل بينه وبين حرية التعبير مموّها بشكل متعمّد. في هذا الإطار، تبرز وسائل الإعلام كالمنبر النموذجي لتعميم خطاب الكراهية. وكلّما كانت الوسيلة الإعلامية راسخة وممأسسة، ساهمت بشكل أفضل في تبرئة خطاب الكراهية وتلميع صورته”. وفي التلفزيون، تم رصد النشرات الإخبارية الرئيسية ومحتوى البرامج الحوارية البارزة في سبع قنوات لبنانية في الأيام السبعة الأولى من كل شهر فقط، في الفترة الممتدة بين ديسمبر 2020 ونوفمبر 2022.
ورغم ذلك تؤكد الدراسة أن الإعلام اللبناني ليس مسؤولا عن صناعة خطاب الكراهية، لكنه يقع في فخ هذا الخطاب.
وظهر خطاب الكراهية أو المحتوى الإشكالي في النشرات الإخبارية التي تُبثّ في وقت الذروة بشكل مباشر إما من الصحافي، أي معدّ التقارير، أو من خلال المقابلات التي أُجريت مع أفراد معنيين بالقضية كمواطنين أو محامين أو سياسيين.
وكشف تحقيق أجرته مراسلون بلا حدود حول ملكية مؤسسات الإعلام أن هذه الأخيرة توجد فعلاً في أيدي جماعات سياسية وبعض العائلات الثرية وجهات تحكمها المصالح السياسية المحلية أو الخارجية.
وتبدو الأحزاب السياسية والعائلات الثرية كليًا في المشهد الإعلامي، إذ بالمقارنة مع البلدان الـ16 الأخرى التي شملها البحث في إطار مشروع مرصد ملكية وسائل الإعلام، تسجل وسائل الإعلام اللبنانية أعلى معدل من حيث التبعية السياسية: 78.4٪ من المنابر الإعلامية التي تم تحليلها تنتمي مباشرة إلى الدولة أو الأحزاب أو شخصيات سياسية.
وفيما يتعلق بالإطار التشريعي، فإنه لا يضمن الشفافية الحقيقية من الجهات المالكة لوسائل الإعلام كما لا يوفر الآليات اللازمة للحيلولة دون تضارب المصالح، وذلك إما بسبب قدم النصوص التشريعية المعمول بها أو لعدم تطبيق أحكام القانون أخرى.