المهندس سليم البطاينه
لا أحد يكتب من خارج المكان حتى صاحب كتاب (خارج المكان) ادوارد سعيد كان يكتب من عمق المكان.
الديموغرافيا لا تحدد مصيرنا، لكنها في نظر مراكز الابحاث والدراسات والدوائر الاستخبارية العالمية تكاد ان تفعل ذلك! ومهما يكن من امر، المنطق وقراءة سطور الاحداث يقولان ان المتغيرات التي حدثت وما زالت تحدث في عمق المجتمع الاردني وتركيبته السكانية تُحرّك المياه الراكدة نحو أسئلة لا وجود لإجابات لها، وهي أسئلة مشروعة يشوبها الخوف،،،، والدولة واجهزتها بموقع الشاهد الصامت! وعدد السكان في الاردن بات مُحاطاً بالألغاز، وعبثية المؤامرة وما يجري مخطط له منذ سنوات لا بل منذ عقود، فهو مخطط شمولي يهدف الى تغيير التركيبة السكانية في الاردن! والقارئ لتاريخ الاردن الحديث بعمق سيخرج بقناعة ان الديموغرافيا السكانية وزيادة عدد السكان تمّت بفعل فاعل.
لا يمكننا العيش دون خوف، فللخوف دور مهم في حياتنا! وليس كل ما نتداوله قابلاً للفهم والتعقل! فهو في كثير من أبعاده يشير الى جملة من المعطيات ما تزال في طور تشكلها! فالإجماع ان هناك شكلاً جديداً للأردن يصاحبه خارطة سكانية جديدة! وان الهوية الوطنية الاردنية أصبحت تحت طبقة كثيفة من الخوف.
وفقاً لتقرير ( الاتجاهات العالمية ) السنوي الذي تصدره المفوضية السامية للّاجئين اصدر البنك الدولي في نيسان الماضي ٢٠٢٣ World Bank التقرير السنوي الاهم عن التنمية تحت عنوان Migrants , refugees ,and communities واهم ما ورد بالتقرير هو تحديث لحقائق تدفق الهجرة في العالم ،،، فأرقام المهاجرين الذين جرى تعريفهم والذين يعيشون خارج بلدانهم ويحملون جنسيات البلاد التي اوتهم تقدر بنحو ( ١٨٤ مليون انسان ) أي ما يعادل ٢،٣٪من سكان العالم ، وان حوالي ٤٣٪ منهم يعيشون في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل منها الاردن التي تحتضن على ما يزيد عن ٤ مليون انسان يحملون أكثر من (٥٣) جنسية ! ،،، التقرير اشار الى ان منظمة العمل الدولية تعكف على معالجة الهجرة المختلطة المعقدة في الاردن كبلد مهاجر منه ومهاجر اليه على السواء.
المدير التنفيذي ورئيس قسم التقديرات والبيانات السكانية في الامم المتحدة Patrick Gerland قال ان اي أرقام متعلقة بالعدد الحقيقي للسكان في الاردن هي افتراضات ساذجة ، فالأردن اصبح الثاني على مستوى العالم كأكثر الدول جذباً للمهاجرين واللاجئين بالنسبة لعدد سكانه ، ويحتضن أكبر نسبة من لاجئي العالم ! حيث ان واحداً من بين ٣ من سكان الاردن هو لاجئ او مهاجر (هذه الارقام باستثناء الفلسطينيين كونهم مواطنين اردنيين أصلاً ويحملون ارقام وطنية).
معاني اللجوء وتداعياته قد تبدو اعمق مما نتوقع، فلا زال يرعبني مصطلح السفير الامريكي السابق في عمان Henry T. Wooster ، (الأردن الجديد) وهو ما جعلني اعيد التفكير والنظر مرة أخرى في هذا المصطلح الذي اصبحت له شواهد وادلة، فالمساعي لتصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني في مخيمات اللجوء في دول الجوار والاقليم قديمة ،،،،، وفي الاعوام الماضية وجّهت ضربات مختلفة للّجوء الفلسطيني والسوري على حد سواء، حيث تم افراغ مخيم اليرموك في دمشق من سكانه وتهجيرهم باتجاه الاردن ، مضافًا إليهم حوالي مليونين مواطن سوري ! وقبل ذلك مخيم نهر البارد في لبنان الذي تعرض للتدمير من العصابات التكفيرية التي لعبت دوراً خطيراً في استدعاء التدمير والخراب للمخيمات.
كثرت الاسئلة وهي مستحقة، وازداد الحديث في السنوات القلية الماضية حول معايير ووحدات القياس المتعلقة بزيادة عدد السكان والديموغرافيا السكانية في الاردن … لكن للأسف لا أحد يجيب!
نعم …. لقد تغيرت الديموغرافيا السكانية في الاردن من حيث الكم والنوع وخارطة التغيير الديموغرافي السكاني لا زالت تتوسع امامنا … مجلة the American Conservative الامريكية وصحيفة Makor Rishon الاسرائيلية تقولان: ان هندسة تغير الطبقة السكانية في الاردن تمت منذ سنوات عبر غرف مغلقة خارج الاردن، وان الجغرافيا الاردنية شكلت مساحة واسعة يجري من خلالها احتواء النتائج الديموغرافية التي تنتجها الحروب والنزاعات داخل الاقليم،،،، والاردن كان ولا يزال خزان للّاجئين! وان الحكومات الاردنية برعت في استخدام ورقة اللاجئين للحصول على دعم سياسي ومالي من دول العالم،،، فتدفق اللاجئين والمهاجرين اليها وفر للحكومات فرصاً كبيرة في الدعم الدولي.
ليس كل ما هو ظاهر على السطح هو الحقيقة، فغالبية الاردنيين يتحدثون عن جزء من الحقيقة ويعتبرون أنها الحقيقة الكاملة، لكنّ ملف زيادة عدد السكان في الاردن إن وضع على الطاولة كفيل ان يقلبها! فلا زال موقف الدولة من قضية اللاجئين غير واضح يشوبه الكثير من الغموض بسبب التفرد في الرأي الذي لم يورثنا الا الارتباك والعجز وضعف الادوار وقلة الحيلة ،،، فالزيادة السكانية ستؤدي الى اختلال في التوازن بين عدد السكان وحجم الموارد الطبيعية مما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة من فقر وجوع ، وظهور مشاكل مجتمعية مرعبة كالتشرد والتسول واحتراف النصب والسرقة ، وستسبب خللاً ديموغرافياً الله وحده من يعلم تداعياته.
الاردن قد يواجه تحديات خطيرة من الممكن ان تضرب استقراره وترهن منظومته الامنية نتيجة ما قد يحصل ، والاستقرار الحالي سيكون هشاً ويتحول الى ضده في أي لحظة ! والهوية الوطنية الاردنية لمن لا يعرف هي ركيزة جوهرية لسلامة الدولة ونظامها السياسي وسيادتها.
غالباً ما يواجه النُخب في الاردن حوافز ومغريات لعدم قول الحقيقة لاعتبارات كثيرة، ويخفون وجهات نظرهم الحقيقية عندما تختلف عن الرأي العام، وحتى الآن لا نرى في الأفق ما يُشير الى عزم الدولة تناول هذه القضية بجدية لأغلاق هذا الملف المقلق لراحتنا وراحة اولادنا، فنحن بحاجة الى وضوح ومكاشفة لتبديد الهواجس الموجودة عندنا.
فأي مصير ينتظر الاردن المحاط بحزام ملتهب يتداخل معه في كل شيء!! وهل سنبقى على الضعف ذاته في التعامل مع هذا الملف؟
بالتأكيد الاجابات واضحة وربما أسئلتي هذه لتحريك العقول لأن الاجابة عليها تطول! ومهما يكن من أمر الجواب أعتقد ان الاجابة بديهية في جزئها الاكبر، وربما نحتاج الى بعض التقصي والتدقيق في الجزء المتبقي.
المهندس البطاينة، نائب سابق في البرلمان الاردني