جيوستراتيجيك ميديا ما وراء الخبر
عاد ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان المعلّق منذ أكثر من خمسة أشهر إلى الواجهة بعدما انحسر الحديث عنه في غمرة المشاحنات الداخلية حول التوقيت الصيفي وصفقة تلزيم المبنى الجديد في مطار بيروت الدولي، مع دخول باريس مجددا على الخط باستقبالها المرشّح الثنائي الشيعي رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة، الذي أطلع الفرنسيين على ضمانات لهواجس السعودية.
ويأتي التحرك الفرنسي بالتزامن مع تحرك سعودي مماثل لحسم مرشح الرئاسة في لبنان في مؤشر على رفض الرياض ضمنيا لفرنجية.
وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأن التسريبات من باريس في الساعات الماضية لم تبدد ملامح التخبّط الحاصل في الأجواء التي تواكب التحرّك الفرنسي المتجدّد على خطّ أزمة الاستحقاق الرّئاسي في لبنان بعد استقبال أحد المستشارين الرئاسيّين الفرنسيّين فرنجيّة الجمعة الماضي.
ووسط طغيان الأجواء السلبية حيال فرص ترشيح فرنجيّة لم يكن منتظرا أن تقرّ باريس مبكرا بإخفاقها في فتح المسالك أمامه لبلوغ قصر بعبدا لأنّ ذلك سيعني حتما الإقرار بإخفاق متجدّد للدور الذي تتطوّع له باريس في هذا الاستحقاق المصيري اللّبناني.
وظلّت باريس تتحدّث في إطار يوحي باستكمال مساعيها لتسويق فرنجيّة في حين برزت في الدّاخل مواقف قياديّة وسياسيّة على جانبي معادلة الصّراع الرئاسي والسياسي تثبت أنّ الأمور لا تزال في عزّ تأزمها كما تترك ايحاءات إضافية حيال التراجع الكبير لفرص بقاء اسم فرنجية في الإمكانات الجدية المتاحة.
وأفاد موقع “النهار” اللبناني نقلا عن مصدر فرنسي رفيع أنّ المستشار الرئاسي الفرنسي الديبلوماسي المستشرق باتريك دوريل الذي استقبل الجمعة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية والوزير السابق روني عريجي حصل على بعض الضمانات المطلوبة فرنسيّا ليعرضها على الجانب السعودي.
وأشار الموقع إلى وجود تكتم من الجانبين الفرنسي واللبناني عما أفضى إليه الاجتماع وذلك حرصا على المحادثات مع الجانب السعودي.
وأكد المصدر الفرنسي أنّ المعلومات التي نُشِرت عن دعوة فرنجية من الرئاسة الفرنسية لكي تقول له أن ينسحب خاطئة وأنّ باريس تعمل على خط إنجاح هذه الصيغة.
ولفت إلى أنّ باريس مستمرّة على العمل بالاتّجاه نفسه، أيّ ضرورة ملحّة لإجراء الإصلاحات في لبنان مع رئيس حكومة إصلاحي ينفّذها، ورئيس مقبول من الأطراف اللبنانية الأساسية التي تلتزم بعدم تعطيل العمل الإصلاحي للحكومة الجديدة.
ونقل موقع “الديار” اللبناني المقرب من حزب الله عن مصدر سياسي مطلع قوله إن السفيرة الفرنسية في لبان آن غريو أبلغت مؤخرا فرنجية أن هناك تحفظات وهواجس عديدة تطرحها السعودية وهي بحاجة إلى أجوبة.
وذكر الموقع أن فرنجية أبلغ السفيرة الفرنسية بأن لديه الأجوبة الكاملة والمفصلة وأنه مستعد لعرضها وشرحها للمسؤولين الفرنسيين، لتحدد له باريس إثر ذلك موعدا للزيارة ولقاء المستشار الرئاسي دوريل في الاليزيه.
وقال المصدر إنه حتى السبت لم تتسرب أي معلومات عن نتائج الزيارة، لكنه أشار إلى أن فرنجية أطلع الفرنسيين على ما يمكن وصفه ضمانات لكل الهواجس التي تطرحها السعودية حول انتخاب رئيس الجمهورية ومرحلة ما بعد الانتخاب.
وتشير أوساط سياسية لبنانية إلى أن الضمانات التي قدمها فرنجية للفرنسيين في حال لم تؤدّ إلى إقناع السعوديين، سيطلب ماكرون من فرنجية الانسحاب لصالح مرشح آخر سيجري الاتفاق عليه مع الأطراف الداخلية والخارجية.
بالتوازي، أتت جولة السفير السعودي وليد البخاري، والتي شملت أحزاب القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، حيث ناقش مع قيادات الأحزاب الثلاثة الملف الرئاسي، وتحديدا مزج اسمي قائد الجيش جوزف عون والوزير السابق ومدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور.
وتشير المعلومات إلى أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل أكدا للبخاري ميلهما لأزعور، كونه الأقدر حتى اللحظة على جذب أصوات الكتل الأخرى، وتحديدا التيار الوطني الحر والنواب السنّة.
بينما اعترض رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على خيار أزعور لعلاقته برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وكان الوزير السابق جهاد أزعور قد التقى في ثلاث مناسبات رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد، ونائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، مقدّما مجموعة من التفاهمات والضمانات، على رأسها عدم المسّ بسلاح الحزب وطرحه على طاولة النقاش.
وأكد أزعور للحزب أنه سيتفرغ للمعالجات الاقتصادية والاجتماعية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبحسب المعلومات، فإن الحزب شدد لأزعور أنه يتبنى خيار فرنجية مادام لايزال مرشحاً ولم ينسحب من السباق الرئاسي.
فشلت القوى السياسية في لبنان الغارق في فوضى اقتصادية في انتخاب رئيس جديد منذ نهاية أكتوبر الماضي حينما غادر ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر قصر بعبدا.
وعقد مجلس النواب اللبناني 11 جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، انتهت كلها دون نتيجة، لغياب التوافق بعد إصرار حزب الله على فرض مرشحه على مختلف القوى السياسية.
ولا يستطيع حزب الله إيصال مرشحه فرنجية لقصر بعبدا حتى الآن بسبب غياب كتلة نيابية بارزة تؤمن فوز أي مرشح من حزب الله وحلفائه.
ويشترط في رئيس الجمهورية اللبنانية أن يكون مسيحيا مارونيا (أكبر الطوائف المسيحية في لبنان)، وأن يحصل على ثلثي أصوات نواب البرلمان (86 نائبا من أصل 128).
