سعت إيران إلى إنشاء شبكة دفاع جوي شاملة في سوريا من خلال إرسال معدات وأفراد إلى الدولة العربية التي مزقتها الحرب، في مشروع سعت إسرائيل إلى إحباطه من خلال الغارات الجوية المتكررة.
هكذا كشف مصدر استخباراتي من دولة متحالفة مع الولايات المتحدة لمجلة “نيوزويك”، طلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة للمعلومات، لافتا إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا بدأت في أواخر 2017، عندما بدأت القوات الإيرانية في ترسيخ نفسها في الدولة الحليفة، مستهدفة “مواقع ومصالح عسكرية إيرانية في الأراضي السورية تهدد إسرائيل”.
في حين أن إسرائيل بشكل روتيني لا تؤكد أو تنفي مسؤوليتها عن الحملة الجوية المشار إليها بشكل غير رسمي في البلاد باسم “الحرب بين الحروب”، فإن سوريا تلوم إسرائيل بانتظام على هذه الحملة.
وأشارت العديد من التقارير الإعلامية إلى تورط إسرائيل في هذا الهجوم المتكرر.
كما أشادت القيادة الإسرائيلية، بما في ذلك رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” نفسه، من حين لآخر بمثل هذه العمليات، واعترف الجيش الإسرائيلي بعمليات معينة في الماضي.
لكن المصدر قال إنه على مدار “العامين الماضيين”، غيرت إيران استراتيجيتها “بتعزيز نشر قدرات دفاع جوي لصالحها في سوريا بتكلفة عشرات الملايين من الدولارات من أجل التعامل مع الضربات الجوية الإسرائيلية”.
وقال المصدر إن “تعزيز هذه القدرات يتم كمشروع مشترك مع الجيش السوري وربما حتى بهدف تمكين عملية إيرانية مستقلة لأنظمة الدفاع الجوي من داخل أجزاء من سوريا”.
وأضاف “بالإضافة إلى ذلك، ساعد الإيرانيون السوريين في تحديث مجموعة الرادار الخاصة بهم، المصممة للمساعدة في الكشف عن الهجمات الإسرائيلية ومنعها، بشكل أساسي ضد المؤسسة الإيرانية في سوريا”.
وتابع المصدر إن الأسلحة المشاركة في الجهود تشمل صاروخ “صياد 4 بي” (Hunter 4B) الإيراني الذي يعمل بالوقود الصلب، وتم إقران القذيفة بنظام صواريخ أرض-جو “باور-373” (Bavar-373) الذي يتجاوز مداه 186 ميلا مع مدى رادار يزيد على 280 ميلا.
وأضاف المصدر أن القوات الإسرائيلية نفذت 7 غارات ضد الشبكة الإيرانية النشطة خلال العامين الماضيين، بما في ذلك تدمر وطرطوس في أكتوبر/تشرين الأول 2021 واللاذقية في ديسمبر/كانون الأول 2022، بالإضافة إلى غارتين في حمص خلال نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2022.
وقال المصدر إن هذه الغارات تسببت بمقتل 10 من القادة الإيرانيين، وحدد اثنين منهم قتلا في الغارة على دمشق في مارس/آذار 2022، هما “مرتضى سعيد نجاد” و”إحسان كربلاء بور”، وكلاهما مهندسان في الدفاع الجوي، واعترف “الحرس الثوري” الإيراني بمقتلهم في ذلك الوقت.
وأضاف المصدر أن أحد القادة الإيرانيين البارزين الذين لقوا حتفهم أخيراً في سوريا هو العقيد “داوود جعفري” من “قوة الجوفضاء” في “الحرس الثوري”، والمعروف باسم “مالك”، موضحاً بأن “جعفري” هو “قائد جهود تطوير منظومة الدفاع الجوي الإيرانية في سوريا”.
وأشار مصدر “نيوزويك”، إلى أن “الجعفري” عمل أيضاً مع قادة آخرين في إيران، من بينهم القائد السابق للقوات الإيرانية في سوريا الجنرال “جواد غفاري”، والعميد في الحرس الثوري “محمد رضا زاهدي”، المعروف بأنه “قائد سوريا ولبنان”.
وأوضح أن نائب قائد “قوة الجوفضاء” في الحرس العميد “فريدون محمدي صقائي”، هو المسؤول الآن عن مشروع الدفاع الجوي الإيراني في سوريا.
وبدأت إيران مشروع تطوير نظام الدفاع الجوي في سوريا وفق اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري بين إيران والنظام السوري أبرمت في يوليو/تموز من العام 2020، مع بداية تكثيف الضربات الإسرائيلية على مواقع عسكرية لإيران وميليشياتها داخل سوريا.
وصرح حينذاك رئيس هيئة الأركان الإيرانية “محمد باقري”، عقب لقائه مع وزير الدفاع في حكومة النظام السوري “علي أيوب”، أن إيران “ستقوم بتقوية أنظمة الدفاع الجوية السورية، في إطار توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين، مما يعزز مواجهة الضغوط الأميركية”.
وفي مارس/آذار الماضي، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم تفعيل بطارية إيرانية الصنع مضادة للطائرات خلال غارة جوية نفذتها إسرائيل داخل سوريا.
وروّج المسؤولون الإيرانيون لقدرات أكبر لنظام الصواريخ المنتج محلياً والأميركي الأصل “باتريوت” أرض – جو، ومنظومة الدفاع في المناطق ذات الارتفاعات العالية “ثاد” الأمريكية المضادة للصواريخ، بالإضافة إلى منظومة صواريخ “إس-300” أرض – جو روسية الصنع.
ووفق المصدر، فإنه بالنظر إلى أن البطاريات الإيرانية ومنظومات الصواريخ تم تركيبها على الأراضي السورية، وفي كثير من الأحيان بالقرب من المواقع التي يسيطر عليها جيش النظام السوري، أصبح عناصر جيش النظام أهدافاً معرضة للخطر من جراء الضربات الإسرائيلية على هذه المنظومات.
وبينما تتمتع دمشق وطهران بتاريخ طويل من الشراكة، فإن التدخل الإيراني في سوريا له جذوره في الحرب الأهلية عام 2011 التي اندلعت في البلاد عندما تحول القمع ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة إلى صراع مسلح.
وعلى الرغم من أنهما ليستا في حالة حرب رسميًا، فقد انخرطت إيران وإسرائيل في نوبة غامضة طويلة الأمد من الاشتباكات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
واتهمت إسرائيل وحليفتها، الولايات المتحدة، إيران بإنشاء قواعد عمليات متقدمة في سوريا، بينما اتهمت طهران ودمشق وموسكو إسرائيل مرارًا بانتهاك السيادة السورية والقانون الدولي من خلال حملة الضربات الجوية المستمرة منذ سنوات.
وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية الميجور “جون مور”، إن “ضمان الاستقرار الإقليمي هو أحد أولويات القيادة المركزية الأمريكية… لقد شهدنا ارتفاعًا في الهجمات في سوريا من قبل إيران أو المنظمات المدعومة من إيران، وبعضها وقع بالقرب من المواقع التي توجد بها القوات الأمريكية”.
وأضاف: “تمتلك القيادة المركزية الأمريكية الموارد الكافية لحماية الولايات المتحدة والدول الشريكة وتقليل الاضطرابات العملياتية في جميع أنحاء المنطقة”.
أما بالنسبة لجهود الدفاع الجوي الإيراني في سوريا والغارات الجوية الإسرائيلية، فقال “مور”: “لن نتوقع النوايا الإيرانية في ما يتعلق بالتغييرات في قدراتها الهجومية أو الدفاعية”، لكن “من المعروف على نطاق واسع أن إيران هي واحدة من أكبر الدول التي تزعزع الاستقرار”.