مَثّل نمو إنتاج النفط في الولايات المتحدة، قبل التراجع العالمي الذي سبَّبه وباء كورونا، 98 في المئة من الزيادة في الإنتاج العالمي عام 2018. وكان جل هذا النمو ناتجا عن الزيادات السريعة في إنتاج النفط الصخري الذي يمثل 64 في المئة من إنتاج الولايات المتحدة ابتداءً من 2021.
لكن الأمور بدأت تتغير الآن؛ فالنفط الصخري لا يبدو أنه البديل المثالي الذي يبحث عنه العالم لمواجهة زيادة أسعار النفط. وتعود صعوبة استخراج هذا النفط إلى أسباب بعضها يتعلق بالكلفة، والبعض الآخر يخص التخوّف من أخطاره البيئية.
ومؤخرا أعلن موقع أويل برايس المتخصص في الطاقة عن نهاية “الطفرة الصخرية للولايات المتحدة رسميا”، في إشارة إلى النفط الصخري، وذلك بسبب “الانضباط” الإداري في النفقات لصالح مدفوعات المساهمين والشكاوى حول “الخطاب المناهض للنفط وانعدام اليقين”.
◙ أحد أسباب تباطؤ إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة هو عدم تحديد الكميات التي يمكن استخراجها
وفضلا عن انعدام اليقين يجد مستخرجو النفط الصخري أنفسهم في مواجهة صعوبة الاستخراج الناجمة عن التكاليف التي تعترضهم، على عكس النفط التقليدي.
ويعتقد كيرت كوب، المحلل في موقع أويل برايس، أن أحد أسباب تباطؤ إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة هو عدم تحديد الكمية التي يمكن استخراجها، مشيرا إلى ما سبق أن قاله الباحث ديفيد هيوز لدعم فكرته بشأن محدودية الإنتاج المأمول في كتابه “شيل رياليتي تشيك 2021”.
ويشير كيرت كذلك إلى وجود مصادر أخرى للنفط في جميع أنحاء العالم يمكنها أن تعوض انخفاض النمو الملحوظ في إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة. ولكنها بطيئة مقارنة بقطاع النفط الصخري.
ولا يبدو في الوقت الحالي أن هناك مصدرا آخر قادرا على توفير نوعية النمو التي سجّلتها الولايات المتحدة في قطاع النفط الصخري، أي 73.2 في المئة من الزيادة العالمية في إنتاج النفط من عام 2008 إلى عام 2018.
ومن الواضح أن البطء في الإنتاج يعود أساسا إلى غياب الحاجة الملحة إلى النفط الصخري في ظل تراجع الطلب في السنوات الأخيرة، حيث بلغ إنتاج النفط العالمي ذروته على أساس شهري في نوفمبر 2018 عند 84.58 مليون برميل يوميا. وبلغ الإنتاج في أغسطس 2022 حوالي 81.44 مليون برميل في اليوم. وجاء ذلك بعد صدمة الوباء التي خفضت الإنتاج إلى 70.28 مليون برميل في اليوم خلال يونيو 2020.
ولا تبدو شركات النفط الصخري الأميركية وأوبك مستعدتين لزيادة الإنتاج بشكل كبير، لاعتبارات تتعلق بحاجة السوق بالرغم من تأثير العقوبات التي يجري فرضها على روسيا، والتي يفترض أنها ستُسْهم في اشتداد الحاجة إلى زيادة الإنتاج.
وهناك تعقيدات كثيرة، من بينها أن العقوبات المفروضة على روسيا قد لا تنجح، كما أن الدول المنتجة للنفط، وخاصة أعضاء تحالف أوبك+، على استعداد لتغطية النقص بسرعة وبتكاليف أقل مما يتطلبه إنتاج النفط الصخري.
وتخضع روسيا، وهي من بين أكبر ثلاثة منتجين في العالم، لعقوبات شديدة وقد لا تتمكن من إنتاج المزيد من النفط للتصدير في أي وقت قريب.
ومرة أخرى، لا يمكن التنبؤ بالحاجة إلى زيادة الإنتاج بشكل كبير؛ فباستثناء الانخفاض الذي سببه الوباء كانت معدّلات إنتاج روسيا تتراوح منذ فترة طويلة بين 10 و11 مليون برميل في اليوم.
ولا شك في أن التبشير بأن النفط الصخري سيكون المنقذ للسوق لا معنى له الآن، في ظل محدودية الإقبال والمخاوف من الركود حتى داخل الولايات المتحدة.
وفي الأثناء سيواجه الاقتصاد العالمي إمدادات نفط محدودة. وستكون النتيجة ارتفاع الأسعار بنسق أعلى مما كان عليه الحال تاريخيا. ولن يغير الركود هذه الديناميكية، بل قد يعززها حيث من المرجح أن تقلل شركات النفط نشاط الحفر عندما ينخفض الطلب على النفط. وهو ما سيصعّب على هذه الشركات توفير الطلب المتزايد الناتج عن الركود المقبل.