بعد فرز ما يقارب الـ95% من نسبة أصوات الناخبين، بدا رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي السابق وزعيم حزب “الليكود” بنيامين نتنياهو، يقترب كثيرًا من العودة مجددًا للجلوس على أكثر الكراسي “المُريحة” التي يعشقها وضحها من أجلها بالغالي والنفيس.
ساعات قليلة ويتم الإعلان رسميًا عن فوز نتنياهو بعد حصول حزبه على أعلى نسبة الأصوات في انتخابات “الكنيست”، الأمر الذي يمكنه من تشكيل حكومة جديدة رغم خروج الكثير من العقبات والعقد في طريقه، لكن ملامح هذه الحكومة الأولى قد تخلق صدامات كبيرة في الداخل والخارج.
وكان نتنياهو قد صرح قبل ساعات قليلة، بأن معسكره اليميني على مشارف تحقيق نصر كبير في الانتخابات، وقال مبتسما لمؤيديه في مقر الحملة الانتخابية لحزبه: “انتصرنا في اقتراع ضخم بالثقة من الشعب الإسرائيلي.. نحن على وشك تحقيق نصر كبير للغاية”.
وفاز مرشح الليكود بـ32 مقعدا، مقابل 24 مقعدا لأقرب منافسيه وهو حزب “هناك مستقبل”، برئاسة يائير لابيد الذي يشغل منصب حكومة تصريف الأعمال، ويأتي فوز نتنياهو بالتزامن مع صعود غير مسبوق وتاريخي للأحزاب الدينية، الأمر الذي يعكس، بحسب محللين، توجه المجتمع الإسرائيلي ونظام الحكم نحو اليمين، وبأكثر تحديداً اليمن المتطرف.
وتعكس نتائج الانتخابات أيضاً مفهوم “اليمين الجديد” الذي يتغلغل في المجتمع الإسرائيلي، وهيمنة اليمين والأحزاب الحريدية والدينية المتطرفة والمستوطنين على المشهد السياسي والحزبي، على حد تعبير “ليئور شلاين”، مقدم البرامج في القناة 12 الإسرائيلية.
ويأتي فوز “إتمار بن غفير” على رأس حزب “القوة اليهودية” بـ 14 مقعدا، ليعلن صعودا غير مسبوق للتيارات الحريدية المتطرفة التي لا تعترف أصلاً بوجود هوية فلسطينية.
-
اليوم الأسود
وينتمي “بن غفير” لليمين المتطرف، الذي يؤيد أن تكون إسرائيل دولة يهودية قومية وصهيونية، ويناهض تأسيس دولة فلسطينية بالقرب من إسرائيل، بل أيضا يرفض وجود العرب الإسرائيليين في البلاد، ودعم في الماضي عنف مستوطنين إسرائيليين ضد الفلسطينيين، ودعا إلى الطرد القسري للمواطنين العرب “غير الموالين” من البلاد، وفق “تايمز أوف إسرائيل”، مما جعله يكسب شهرته.
ويصف “بن غفير” نفسه بأنه تلميذ للحاخام المتطرف وعضو الكنيست السابق، مائير كهانا (1932-1990)، الذي تم حظر حزبه “كاخ” وأعلن أنه منظمة إرهابية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
وشأن كاهانا، أدين بن غفير بتهم متعددة تتعلق بالإرهاب، رغم أنه يصر أيضا على أنه أصبح أكثر اعتدالا في السنوات الأخيرة، ولا يحمل نفس معتقدات مؤسس منظمة “كاخ” وفقاً لـ ذات المصدر.
يذكر إنه وبسبب آرائه ضد العرب والفلسطينيين، سبق أن ذهب بن غفير العام الماضي إلى حي “الشيخ جراح”، ونصب خيمة هناك لدعم عائلة من المستوطنين من خلال تكرار عبارة “هذا المنزل لنا” بالعبرية.
ويثير فوز اليميني نتنياهو ومن ورائه اليميني المتطرف بن غفير، قلقا في الداخل الإسرائيلي، وسط تحذيرات من “ثورة استبدادية يقودها اليمين المتطرف” كما تقول “هآرتس”.
وحذرت الصحيفة الإسرائيلية في افتتاحيتها، الأربعاء، من أن إسرائيل تقف الآن على أعتاب ثورة دينية استبدادية يقودها اليمين المتطرف، هدفها تدمير أسس الديمقراطية التي بنيت عليها الدولة.
وأكدت أن هذا اليوم قد يكون “يومًا أسودا في تاريخ إسرائيل”، وحذرت من أن البلد قد أصبح أكثر تطرفا على نحو مرعب خلال السنوات الأخيرة، وأن كل الأمور التي جرى التحذير من احتمال وقوعها في السابق تحدث الآن أمام أنظار الجميع.”
مشيرة إلى أن المخيف في فوز اليمين المتطرف، هو إضفائه الشرعية على الكاهانية (حركة كاخ مُصنفة إرهابية في إسرائيل) التي باتت منتشرة في أوساط الشعب.
وصدام جديد ظهر حين ألمح وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن ومستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان خلال اجتماعاتهما مع الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ الأسبوع الماضي في واشنطن، إلى أن هناك احتمال ألا تعمل إدارة بايدن مع بن عفير وشخصيات يمينية متطرفة أخرى مناصب في الحكومة. حسب موقع “واللا” العبري الإخباري.
وقال مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون كبار، إن بلينكن وسوليفان أشارا إلى أن إدارة بايدن ستعمل مع الحكومة المنتخبة في إسرائيل، ولكن قد تواجه صعوبة في العمل مع سياسيين محددين لم يسموها.
وقال مسؤولون أميركيون كبار إنه لم يتم اتخاذ أي قرار رسمي حتى الآن بشأن بن غفير، لكنهم أشاروا إلى أنه في المناقشات التي دارت حول الموضوع قبل الانتخابات، لم يكن القصد العمل معه إذا تم تعيينه وزيراً في الحكومة.
-
صدام مع أمريكا والسلطة
لم يتضح بعد ما إذا كانت إدارة بايدن ستتبنى نفس السياسة تجاه عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش وأعضاء آخرين في أحزابهم إذا تم تعيينهم وزراء.
كما أعرب مسؤول أمريكي يوم الأربعاء، عن خشية بلاده من صعود النائب الإسرائيلي ايتمار بن غفير لسدة الحكم، وحصوله على حقيبة وزارية في الحكومة المقبلة، بحسب وسائل إعلام عبرية، وقال المسؤول الأمريكي في تصريحات لقناة “كان” الرسمية العبرية، إنه “سيكون من الصعب على الإدارة الأمريكية التعامل مع وضع يكون فيه النائب المتطرف ايتمار بن غفير وزيراً في الحكومة الإسرائيلية”.
وتثير عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل، على رأس الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخها، قلق الفلسطينيين، الذين قالوا إنهم يخشون أن يمهد ذلك لمزيد من التصعيد في الصراع مع إسرائيل.
وقالت القناة 14 العبرية، إنه من المتوقع أن تحصل تغييرات في النظرية الأمنية القائمة بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو، وبحسب مراسل القناة هيلل بيتون روزين: “كل شيء رأيناه من تنازلات للسلطة الفلسطينية، وقضية التعامل مع قطاع غزة ستتغير”.
وأشار روزين، إلى أنه من المتوقع أن تعمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ضد “الإرهاب” بقوة. وفق قوله.
بدورها اعتبرت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، نتائج الانتخابات الأولية الإسرائيلية لا تحمل جديدًا، فهي تعبير جلي عن الخارطة السياسيّة الحزبيّة فيه، وتعكس التوجهات اليمينيّة والفاشيّة للمجتمع الإسرائيلي العنصري.
وأكَّدت أنّه لا فرق بين معسكري اليمين المتصارعين في ضوء تشابه برامجهما ومواقفهما وخصوصًا من القضية الفلسطينيّة، ولكن صعود الأكثر عنصرية من المتطرفين والفاشيين وتقدّمهم في هذه الانتخابات، وتغلغلهم في مؤسسات صنع القرار السياسي “الإسرائيلي” يوجّه صفعة قوية للمراهنين على أي حلولٍ سلميةٍ مع الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة.
ورأت الشعبيّة في بيان لها، أنّ برامج الأحزاب الإسرائيلية والقائمة على العنصرية ومشاريع الاستئصال والتهويد والاستيطان ظلّت على الدوام ثقافة سائدة، ومرتكزًا لحكومات الاحتلال المتعاقِبة للاستمرار في جرائمها ضد شعبنا الفلسطيني، وتكريس واقع الاحتلال على الأرض، وعلى امتداد قيام هذا الاحتلال لم نشهد أي تغير في السياسة الإسرائيلية، فقد كان هناك دومًا تنافس بين الأحزاب على تحقيق الأهداف الإسرائيلية القائمة على الإرهاب والعدوان ومصادرة الأرض.
وأشارت إلى أنّ المُشاركة العربيّة في هذه الانتخابات تضليل للرأي العام العالمي والمتضامنين مع شعبنا والمقاطعة الدوليّة، وتصويرٌ لهذا الكيان على أنّه ديمقراطيّ، وليس كيانًا احتلاليًا استيطانيًا عنصريًا، موجهةً التحيّة لكل المقاطعين لهذه الانتخابات الذين انحازوا إلى شعبهم ضد مؤسّسة الكيان للتشريع العنصري الاستعماري ومجازره ضد شعبنا، والذين كثّفوا بهذا الموقف، الرفض المطلق لوجود الكيان ذاته بكل مؤسّساته وتعبيراته على أرضنا التاريخيّة في فلسطين.
-
عباس يتحسر
ومتضرر آخر من عودة نتنياهو هو السلطة الفلسطينية، فيبدو أن نتائج الانتخابات جاءت خلافًا لأمنيات رئيسها محمود عباس الذي تمتع على مدار أكثر من عام بعلاقات جيدة مع وزير حرب الاحتلال الخاسر في الانتخابات بني غانتس.
وشهدت فترة العام الذي تولت فيه هذه الحكومة إدارة شؤون الاحتلال تنسيقاً مغايراً بعض الشيء لما كان يتم خلال فترة نتنياهو، حيث التقى الرئيس عباس بوزير الحرب غانتس عدة مرات في مقر المقاطعة في مدينة رام الله.
وإلى جانب ذلك فقد عقد الرئيس عباس لقاءات برئيس جهاز الشاباك رونين بار عدة لقاءات خاصة بالمشهد السياسي في الضفة المحتلة، وهو الأمر الذي لم يكن قائماً في عهد نتنياهو الذي قاطع السلطة تماماً خلال فترات حكمه الأخيرة تحديدًا.
وتطرح عودة نتنياهو للحكم سيناريوهات وخيارات السلطة في التعامل مع المشهد خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع تصاعد حالة المقاومة الفلسطينية بوتيرة غير مسبوقة منذ عام 2007، خصوصًا في مناطق شمال الضفة الغربية المحتلة.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض أن السلطة الفلسطينية مطالبة بتطبيق إستراتيجية جديدة مع انهيار حل الدولتين يتمثل في تطبيق قرارات المجلس المركزي واتباع آليات وسياسات جديدة مع الاحتلال، ويقول “تعامل السلطة يجب أن يكون بعيدًا عن نتائج الانتخابات الحالية وأن يكون هذا التعامل بناءً على الواقع القائم الحالي والاتجاه نحو ترتيب البيت الفلسطيني سواء عبر تحقيق المصالحة أو غيرها من الإجراءات.
ويستبعد الكاتب والمحلل السياسي أن تكون نتائج الانتخابات الحالية في الاحتلال صادمة بالنسبة للسلطة على اعتبار أن المشهد في الاحتلال يميل في الفترة الأخيرة نحو التطرف والعنصرية بشكل أكبر مما كان عليه في السابق.
ويرى عوض أن الاحتلال سيدفع هو الآخر ثمن صعود اليمين المتطرف وسيعاني على صعيد الانشقاقات الداخلية من مشاكل وأزمات ستعصف به، عدا عن التأثيرات المتوقعة من عودة نتنياهو على القضية الفلسطينية خلال الفترة المقبلة.
وتشير نتائج الفرز النهائية غير الرسمية لأصوات الناخبين في إسرائيل إلى أن معسكر نتنياهو حصل على 65 من مقاعد الكنيست الـ 120، وهو ما يؤهله لتشكيل حكومة مستقرة.
ومع خروجه من الحكومة منتصف العام الماضي، طويت صفحة امتدت 12عاماً متواصلة من حكمه، لكنه يعود دون سقف زمني لبقائه وإن كان وعد بأن تكون ولايته المقبلة هي الأخيرة.
وللمرة الأولى فإن الحكومة التي سيشكلها نتنياهو ستكون يمينية دون أي أحزاب من الوسط أو اليسار.
خلال فترة حكمه الممتدة لـ 12 عاما، شن الجيش الإسرائيلي عدة عمليات عسكرية على قطاع غزة، بما في ذلك عدوان عام 2012 المعروف إسرائيليا بـ”عامود السحاب”، وعدوان 2014، “الجرف الصامد” والعدوان الأخير “حارس الأسوار” في مايو/ أيار الماضي، وخلفت العمليات الثلاث ارتقاء 2741 شهيدا فلسطينيا وآلاف المصابين.
ارتبط نتنياهو بعلاقة قوية مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2017-2021) واعترفت إدارة ترامب بالقدس عاصمة مزعومة لإسرائيل ونقلت سفارة واشنطن من تل أبيب إليها، فضلا عن اعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، ودعمها المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.
خلال سنوات حكم نتنياهو، نسبت تقارير أجنبية للطيران الإسرائيلي تنفيذ سلسلة غارات ضد أهداف تابعة لإيران في سوريا ضمن ما تقول تل أبيب إنها مساع لمنع “التموضع” الإيراني قرب حدودها.
وقبل عامين، وقعت إسرائيل بقيادة نتنياهو على اتفاقات تطبيع مع الإمارات والبحرين وتوصلت إلى اتفاقات مماثلة مع السودان والمغرب، وسط رفض فلسطيني.