تسعى السعودية إلى استثمار 90 مليار ريال (24 مليار دولار) في 5 دول عربية جديدة عبر تأسيس شركات إقليمية بها، وفق ولي العهد السعودي رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة الأمير “محمد بن سلمان”.
جاء ذلك خلال إعلان الأربعاء الماضي عن قيام صندوق الاستثمارات العامة باستهداف الاستثمار في كل من الأردن والبحرين والسودان والعراق وسلطنة عُمان، وذلك بعد إطلاق الشركة السعودية المصرية للاستثمار في أغسطس/آب الماضي.
ومن المقرر أن يكون الاستثمار في عدة قطاعات استراتيجية من ضمنها، البنى التحتية والتطوير العقاري والتعدين والرعاية الصحية والخدمات المالية والأغذية والزراعة والتصنيع والاتصالات والتقنية، وغيرها من القطاعات، وفق بيان صادر عن الصندوق.
وتمثل هذه الاستثمارات تحولا عما كان عليه الوضع قبل بضع سنوات، عندما أجبر انخفاض أسعار النفط في ظل جائحة “كورونا” دول الخليج على إعادة التفكير في دعمها المالي للدول الأكثر فقرا في المنطقة.
وتوجه دول الخليج مساعداتها إلى هذه البلدان من خلال الاستثمارات التي تقوم بها صناديق الثروة السيادية الضخمة التابعة لها.
ويأتي الإعلان عن تأسيس الشركات تماشيا مع استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة في “البحث عن الفرص الاستثمارية الجديدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، والتي تدعم بناء شراكات اقتصادية استراتيجية على المدى الطويل لتحقيق العوائد المستدامة، بما يُسهم في تعظيم أصول الصندوق وتنويع مصادر دخل المملكة.
وحينها، نقلت وسائل إعلام سعودية عن خبراء ومسؤولين في البلدان المستهدفة قولهم إن إعلان ولي العهد السعودي يظهر مدى واقعية التضامن الاقتصادي المشترك، وتحقيق مصالح الدول وشعوبها في الإقليم العربي.
ويعتقد المحلل السياسي البحريني “إبراهيم النهام” أن خطوات صندوق الثروة السيادي السعودي “تتركز على الاقتصاد أولا”، لكنها أيضا تأتي لدعم اقتصادات “الدول الشقيقة”، حسب تعبيره.
وقال إن الاستثمارات السعودية التي جاءت في مجالات مختلفة هي من صميم “رؤية المملكة 2030” لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط.
وتابع: “السعودية دولة تقوم بالوقوف مع جيرانها وتلتزم بمساعدة أشقائها منذ سنوات طويلة… هذه الاستثمارات الجديدة وإن كانت اقتصادية بحتة إلا أنها تدعم اقتصادات الدول العربية”.
ودلل “النهام” على تصريحات “بن سلمان” عندما زار البحرين خلال وقت سابق من العام الحالي بعد أن قال إنه “لا يمكن للسعودية النهوض دون جيرانها”.
وعلى الرغم من الإعلان السعودي بأن هذه الشركات “تعزز الاستثمارات” لصندوقها، يرى آخرون أنها قد تكون وسيلة لبناء نفوذ سياسي ودبلوماسي في تلك البلدان.
ولعل ما جرى في مصر، منذ إعلان الصندوق في 5 أغسطس/آب عن إطلاق “الشركة السعودية المصرية للاستثمار”، يعزز المخاوف من مساعي النفوذ السعودي على هذه الدول.
ووقعت مصر والسعودية اتفاقية في مارس/آذار الماضي، وأشار حينها مجلس الوزراء المصري إلى أنها تستهدف استثمارات بـ10 مليارات دولار بالتعاون بين صندوق مصر السيادي وصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
ومنذ ذلك الوقت، تعلن الحكومة المصرية عن صفقات متتالية لبيع حصص لها في شركات تجارية إلى الجانب السعودي، وبالتحديد صندوق الاستثمارات العامة، والتي تحيط تفاصيلها السرية، لكن القاهرة تقول إنها تأتي ضمن سياستها نحو توسيع الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، وسط أزمة اقتصادية تفاقمها الديون وانتقادات بالتفريط في أصول وعوائد شركات ناجحة.
واستحوذت الشركة السعودية المصرية للاستثمار، في أغسطس/آب الماضي، على حصص أقلية بقيمة 1.3 مليار دولار، على 4 شركات مصرية مدرجة بالبورصة، قبل الإعلان عن الاستحواذ على شركات أخرى.
وجاءت عمليات الاستحواذ السعودية، لتضاف إلى تلك التي قامت بها الإمارات، وهو ما أحدث انقساما في الرأي العام بمصر؛ فالحكومة تعتبرها أمرا إيجابيا بالنسبة لاقتصاد البلاد، بينما حذر آخرون من مخاطر بيع ممتلكات الدولة لشركات أجنبية.
وتتخوف أوساط مصرية من أن تقوم السعودية والإمارات بمقايضة مصر نظير هذه الإيداعات بممتلكات محلية أو قد تستخدم العائدات لسداد الديون، أو تؤثر على قرارها السياسي.
وفي تقريرها الشهر الماضي، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن المساعدات المالية، التي دأبت السعودية ودول الخليج الأخرى على تقديمها لمحيطها الإقليمي، تعمل كـ”أداة دبلوماسية” تستخدمها تلك الدول منذ فترة طويلة لبناء النفوذ في جميع أنحاء المنطقة.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن الارتفاع في أسعار النفط والغاز مكّن الدول الخليجية من العودة لهذه السياسة.
وتأتي السعودية ودول الخليج الأخرى، التي تتدفق عليها عائدات النفط، لإنقاذ جيرانها الذين يعانون من الأزمات مثل مصر وباكستان وتركيا؛ مما يضاعف من الأداة الدبلوماسية التي استخدموها منذ فترة طويلة لبناء النفوذ في جميع أنحاء المنطقة، وفق الصحيفة.
فيما وصفت الباحثة البارزة في مركز كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية”كارين يونج” عام 2019 دور صندوق الاستثمارات العامة في الاقتصاد السعودي باعتباره “غير مسبوق”.
وقالت “يونج” إن الصندوق إلى جانب أنه يمنح ولي العهد “وسيلة لتغيير الأمور بسرعة وجني الأموال بوتيرة سريعة، فإنه يقوي موقفه ضد المعارضة الداخلية أو حتى ضد الأفكار البديلة حيال الدور المناسب الذي يجب أن يكون منوطا بالمؤسسات الخاصة”.
على النحو ذاته، قال الخبير الاقتصادي “أحمد ذكر الله”، في تصريحات صحفية، إن الإعلان السعودي الأخير بشأن استثمارات ضخمة في 5 دول عربية يؤكد رغبة المملكة في زيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي، لافتا إلى أن بعض الدول المستهدفة ستقبل هذه الاستثمارات عن طيب خاطر؛ نتيجة مساندتها لها سياسيا وماليا.
وأوضح أن السعودية بدأت تسير على خطى الإمارات في الرغبة والسيطرة والنفوذ على بعض القطاعات في دول عدة إلى حد كبير.
ومتفقا مع سابقه، اعتبر خبير الشؤون الاستراتيجية للشرق الأوسط “فواز بن كاسب العنزي” أن هذه الاستثمارات تمثل “مصالح مشتركة” بين السعودية والدول العربية، وهي تأتي في إطار العلاقات التكاملية بين دول المنطقة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة بالتنمية المستدامة، حسب قوله.
وأضاف “العنزي”، في تصريحات صحفية، أن هذه الخطوة “تحقق عائدات إيجابية على الصندوق، لكن المملكة تقدمها في سياق التعاون الإقليمي العربي، لا سيما أن السعودية تستشعر بالأزمات المالية التي تتعرض لها الدول العربية”.
ولطالما كان للسعودية نفوذ كبير مع جيرانها في الوضع الإقليمي من خلال احتياطاتها النفطية الهائلة ودعمها المالي والسياسي الهادئ للحلفاء، كما يقول الأكاديمي الأمريكي “جريجوري جوس”، في كتابه “السعودية في الشرق الأوسط الجديد”.
لكن “العنزي” يقول إن السعودية “لديها النفوذ الاجتماعي في جميع الدول العربية من خلال مكانتها الدينية كونها قبلة المسلمين، وتبحث عن نفوذ سياسي الذي هو أساسا جزءا من النفوذ الاجتماعي”.
أما الخبير السياسي السوداني “عبدالعزيز السعيد”، فيتعجب من هذا الإعلان وربطه بمصالح اقتصادية بحتة، وقال إن بلاده “ليست البيئة المناسبة للاستثمار الأجنبي حاليا في ظل وجود حكومة الانقلاب، في إشارة لسيطرة المكون العسكري على السلطة في الخرطوم.
وقال “السعيد”، في تصريحات صحفية، إن السودان “من حيث الموارد مؤهل لأي استثمار أجنبي، لكن سياسيا مثل هذه الاستثمارات لن تجد استقرار إلا وسط حكومة مدنية والآن السودان محكومة من قبل حكومة انقلابية”.
وأضاف: “إذا كان المواطن هو المستفيد فالسودان بحاجة إلى الاستثمار، وهنا المصالح ليست عيبا لأن الأمور جاءت في وضح النهار”، لافتا إلى أن السعودية تسعى من هذه الاستثمارات إلى تعزيز نفوذها في بلاده.
بينما يقول الخبير المصري “صابر الطنطاوي” إن المساعي السعودية لتعزيز نفوذها تأتي في إطار الحرب الباردة المستعرة مع دول أخرى، من بينها الإمارات التي تأججت بسبب تباين وجهات النظر حيال عدد من الملفات أبرزها الملف اليمني والليبي، بجانب التقارب مع إيران.
ويضيف في تصريحات صحفية: “مزاحمة السعودية للوجود الإماراتي لا شك أنه سيحجم من توغل الإمارة الخليجية الصغيرة”.
يشار إلى أن صندوق الاستثمارات العامة، الذي يدير أصولا بنحو 620 مليار دولار، يستهدف الوصول لأكثر من تريليون دولار بحلول عام 2025.
وكان الصندوق، وهو الأداة التي اختارها “بن سلمان” لدفع أجندة اقتصادية طموحة لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط، ثاني أنشط مستثمر حكومي خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي؛ إذ أبرم 39 صفقة بقيمة 17.2 مليار دولار خلال هذه الفترة، وفقا لمنصة تعقب صناديق الثروة العالمية.