د. شهاب المكاحله
من المرجح أن تقرر منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا (أوبك+) في اجتماعها الذي سيعقد في الخامس من أكتوبر في فيينا تخفيض انتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميا، ويعزى السبب في ذلك إلى هبوط الأسعار من مستوى ١١٢ دولارا في شهر مارس الماضي إلى ٨٥ دولارا في نهاية سبتمبر ٢٠٢٢..
كمعظم السلع، فإن المحرك الأساس لسعر النفط هو العرض والطلب في السوق. إذ تعتبر تكلفة استخراج النفط وإنتاجه عاملاً مهما أيضا. وتتكون أسواق النفط من مضاربين يراهنون على تغير الأسعار، والمتحوطون الذين يحدون من المخاطر في إنتاج النفط أو استهلاكه. ويتم التحكم في إمدادات النفط إلى حد ما من قبل مجموعة من الدول المنتجة للنفط المتمثلة بأوبك.
سنشهد انخفاض المعروض وزيادة الطلب على النفط ما يدفع بالأسعار الى الارتفاع مجددا في موسم الشتاء، في الوقت الذي تضخ الحكومة الصينية مليارات الدولارات الأميركية الى أسواقها لخفض سعر صرف الدولار مقابل اليوان، وهذا بحد ذاته سيجعل الدولارات المعروضة في السوق أكثر من المطلوب، ما ينعكس سلبا على الورقة الخضراء ويؤثر على السوق الأميركي والقدرات الشرائية.
في أغسطس الماضي، كانت أوبك + تنتج ٣.٥٨مليون برميل يوميا، وسط تأكيدات نيجرية وروسية وأخرى من دول أوبك بأنه إذا ما استمر انخفاض أسعار النفط فإن المجموعة ستضطر الى خفض الإنتاج مهما كانت النتائج على الدول المستوردة له.
إن تخفيض الإنتاج يعني أن تقوم الدول الكبرى المنتجة له مثل الولايات المتحدة بضخ المزيد من المخزون الاستراتيجي للأسواق المحلية للإبقاء على السعر الحالي، وهذا يعني استنزاف الاحتياطيات من النفط بشكل سريع مع اقتراب موسم الشتاء. لذلك سنرى ارتباطا وثيقا بين موازنات الدول المستوردة للنفط وأسعاره في القريب العاجل، مما يعني أنها ستصدر ملاحق بالموازنة لمواكبة هذه التطورات.
العرض الحالي هو إجمالي الناتج العالمي من النفط. فمنظمة (أوبك) تنتج حوالي ٤٠٪ من النفط الخام العالمي، وبالتالي فإن لها تأثيراً كبيراً على تحديد أسعار النفط في العالم. بين يناير ٢٠١١ وديسمبر ٢٠١٤، تضاعف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة خمس مرات من مليون إلى حوالي ٤.٨ مليون برميل يوميا. فأدت هذه الزيادة في الإنتاج إلى تخمة نفطية – مما يعني وجود فائض في الإنتاج أكثر من الطلب. كما أدت زيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى انخفاض سعر النفط الخام المستورد إلى حوالي ٢٧ دولارا للبرميل في فبراير ٢٠١٦.
وفي يناير ٢٠٢٠، بدأت العديد من الحكومات في تقييد السفر وإغلاق الشركات لوقف جائحة فيروس كورونا. نتيجة لذلك، بدأ الطلب على النفط في الانخفاض. في الربع الأول من عام ٢٠٢٠، بلغ متوسط استهلاك النفط ٩٤.٤مليون برميل في اليوم، بانخفاض ٥.٦ مليون برميل في اليوم عن العام ٢٠١٩.
وتفاقم انخفاض الطلب بسبب تخمة العرض. ففي ٦ مارس ٢٠٢٠، أعلنت روسيا أنها ستزيد الإنتاج. وللحفاظ على حصتها في السوق، أعلنت أوبك أنها ستزيد الإنتاج أيضا.
ومع امتلاء مرافق التخزين، انخفضت الأسعار إلى المنطقة السلبية. ففي ١٢ أبريل ٢٠٢٠، اتفقت منظمة أوبك + على خفض الإنتاج لدعم الأسعار. وبحلول ٢٠ أبريل ٢٠٢٠، انخفض سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط في الولايات المتحدة إلى حوالي ٣٧ دولارا.
وتجاوزت الأسعار ١٠٠ دولار للبرميل للمرة الأولى منذ ٢٠١٤. ويعزى سبب الارتفاع في الأسعار إلى المخاوف بشأن مشكلات الإمداد. فوفقاً لوكالة الطاقة الدولية، تعد روسيا أكبر مصدر للنفط في العالم لأن لديها إمكانيات لزيادة الإنتاج بسرعة. وفي مارس 2022، أعلنت الولايات المتحدة قرارها بحظر واردات النفط الروسي. وبعد فترة وجيزة، وصل النفط الخام إلى ما يقرب من ١٣٠ دولارا للبرميل في الوقت الذي أعلنت فيه الوكالة أنها ستضخ ٦٠ مليون برميل من احتياطي البترول الاستراتيجي. ومع ذلك، فإن عدم اليقين المحيط بمدة استمرار الصراع في أوكرانيا أو حتى في الشرق الأوسط وكذلك إمكانية أن يهتز المشهد الجيوسياسي بسبب الحرب أبقت أسعار النفط الخام في حدود ٨٥ دولاراً للبرميل.
فإذا ما استمرت حالة عدم اليقين في الأسواق فإن الشركات المنتجة للنفط ستزداد غنى وسيدفع ثمن حالة عدم اليقين هذه شعوب الدول المستوردة للطاقة والفقيرة. باختصار نحن أمام حرب اقتصادية بين أكثر من طرف، ولكن من يدفع الثمن هو الشعوب التي لا حول لها ولا قوة في كل الصراعات العسكرية والسياسية والاقتصادية.