خالد الجيوسي:
اعتلى التفاؤل الوجوه الكويتيّة فيما يبدو، وسط ما وصفوه بالعُرس الانتخابي النيابي، والذي بنظر البعض أنهى سطوة سيطرة الحكومة على مجلس الأمّة، بل وأكّد على أن القيادة الكويتيّة الجديدة، أوفت بوعدها عدم التدخّل بالانتخابات، ولعلّ ما يُؤكّد ذلك خسارة النواب المحسوبين على الحكومة، إلى جانب الليبراليين، أو من يصفون أنفسهم بدُعاة المدنيّة.
منبع التفاؤل يأتي من أن مجلس الأمّة الجديد هذا، فاز به نواب المعارضة الكويتيّة أو المحسوبة عليها، ويبدو أنها من خلال صناديق الاقتراع شعبيّاً قالت كلمتها الحاسمة وأسقط الشعب الفساد والفاسدين كما تقول أدبيّات المُعارضة، ومع هذا فإن هذا المجلس سجّل سوابق لم تحدث سابقاً فالطائفة الشيعيّة حصدت ولأوّل مرّة 10 مقاعد، في حين حصد الإسلاميّون على اختلاف انتماءاتهم (سلفيين/ إخوان/ مُستقلّين) 8 مقاعد، وهذا يُؤشّر على وجود تيّارين إسلاميين (سنّي وشيعي) أراد الشعب الكويتي بتصويته لهما، أن يكونا مُؤثّرين قويين ويُمثّلوه داخل برلمانهم الجديد، وقد يُحدثان فارقاً، ينقسم البعض حول إيجابيّته من عدمها، وعلاقته بالأطراف الخارجيّة كالسعوديّة وإيران.
ثمّة مخاوف عالقة في أذهان بعض الكويتيين من “وثيقة القيم” التي جرى إعلانها قبل الانتخابات، والتي تشترط على النائب الفائز مُمارسة صلاحيّات أشبه بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعوديّة بما يتعلّق بمناشط عامّة لها علاقة بحياة الكويتيين، وقد جسّد تلك المخاوف، تصريح للنائب محمد الهايف حذّر فيه وزير الماليّة من إنشاء مشاريع ترفيهيّة تُعارض الضوابط الشرعيّة.
ومع هذه المخاوف، يرى الكويتيون على المقلب الآخر، عهدًا جديدًا، أطاح برئيس الحكومة صباح الخالد، ورئيس مجلس الأمّة الشهير مرزوق الغانم، والذي أعلن عدم ترشّحه قبل يوم واحد من غلق باب الترشّح تقديماً لمصلحة البلاد والعباد، وقام بتعديل خانة توصيفه عبر حسابه في “تويتر”: “رئيس مجلس الأمّة الكويتي السابق”، ويأملون بالنواب الذين لم يُوقّعوا على وثيقة القيم، ولم يعترفوا بها أساساً أمثال النائب أحمد السعدون الفائز بأكبر الأصوات الشعبيّة لانتخابه، والمُرشّح الأوفر حظَّاً لرئاسة مجلس الأمّة.
المجلس الجديد مُطالبٌ وفق منصّات الكويتيين، بأن يحل ملف البدون، قضايا الفساد العالقة، التكويت، البطالة، القروض، إلى جانب التشريع، والرقابة، والعمل معاً بين السّلطتين، الغلاء، والفقر، وغيرها من قضايا جدليّة تهم الرأي العام الكويتي.
الصّدام بين مجلس الأمّة الجديد بواقع سيطرة المُعارضة عليه قد يكون واقعاً مع الحكومة، ولكن قد تعمل الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد التي يُنظر لها بأنها “إصلاحيّة” (إعادة تكليفه مُتوقّع) على التناغم مع المجلس الجديد، حتى لا يجري حلّه أميريّاً، وتلجأ القيادة الكويتيّة كما نوّهت إلى قرارات وخيارات صعبة لتجنيب البلاد مُنزلقاً خطيرًا.
رئاسة مجلس الأمّة (بديل الغانم)، ستكون محسومة غالباً للرئيس المخضرم الأسبق للمجلس أحمد السعدون، فالرجل الذي أعلن ترشّحه لها، أثبت أن له قاعدة شعبيّة عريضة رغم الغياب الطويل عن المشهد، حيث حاز على المركز الأوّل في الدائرة الثالثة (12 ألف و246 صوتاً) في انتخابات مجلس الأمة 2022، وبدأت الدّعوات لانتخابه رئيساً بالتزكية، وهو مُرشّح توافقي بالنسبة للحُكومة والمُعارضة، وله خبراته الطويلة في رئاسة المجلس، وقد استبشر الكويتيون بإعلانه ترشّحه للانتخابات البرلمانيّة وهو الثمانيني.
وحصلت المُعارضة الكويتيّة على 28 من مقاعد مجلس الأمّة الخمسين، ولعلّها تبدو في غاية الثقة بعد خسارة 20 نائباً سابقاً بينهم ثلاثة وزراء سابقين محسوبون على الحكومة، فالشعب الكويتي كما ترى المُعارضة، يختار من يُمثّل مصالحه، لا من يُمثّل مصالح الحكومة، كما يبدو أنه أنصف المرأة، وأعادها للبرلمان بفوز المُرشّحتين جنان بوشهري، وعالية الخالد، حيث غابت المرأة عن الفوز بمقاعد برلمان 2020، والمرأة كما تقول المُرشّحات الفائزات أدرى بشعاب النساء، أو مصالحهن.
ويتعزّز موقف المُعارضة الكويتيّة بسيطرتها على المجلس الجديد، فقد حصلت في هذه الانتخابات الحاليّة على 28 مقعدًا من 50، بينما السّابقة حصلت على 24 مقعدًا، ما يعني أنه سيكون لها الأغلبيّة الأكبر في تمرير القوانين، وإقرارها من عدمها، مع غياب لافت لرئيس مجلس الأمّة السابق مرزوق الغانم عن المشهد البرلماني تماماً، وهو المُتّهم من قبل المُعارضة بتمرير قوانين، وتعطيل أخرى وفق رغبات الحكومة ومُحاباتها.
وتوقّف مُتابعون للانتخابات البرلمانيّة الكويتيّة، عند واقعة فوز مُرشّحان وهُما في السجن (مرزوق الخليفة، حامد البذالي)، واعتبر فوزهما رسالة بأن الشعب الكويتي هو من يمنح الحصانة، ويستطيع إخراج المظلومين من السجون، ووفقاً للاتهامات الرسميّة فإن الخليفة والبذالي قد قاما بتنظيم انتخابات فرعيّة في الانتخابات السّابقة خارج إطار القانون، وبالتالي حُصولهم على أصوات انتخابيّة غير شرعيّة دفعت لإسقاط فوزهم.
وكان لافتاً خسارة الإعلاميّة فجر السعيد، وحُصولها فقط على 400 صوت، وهي التي كانت أعلنت تأييدها التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأن الشعب الكويتي يُؤيّد التطبيع، وهي تُمثّله والأغلبيّة الصّامتة منه، وقد عبّر الكويتيون عن شماتتهم بخسارتها، وسُقوط مشروعها التطبيعي الذي لا يجد تأييدًا من المُواطنين الكويتيين المُتضامنين على الدّوام مع فلسطين وقضيّتها، وأنها تملك قاعدة جماهيريّة، تبيّن أنها لم تتعدّ 400 شخصاً صوّتوا لها، وقد علّقت السعيد على خسارتها بالقول عبر حسابها في “تويتر”: “قدّر الله وما شاء فعل”.