الرئيسية / أخبار / الثأر الأمريكي.. فيلم أميركي طويل

الثأر الأمريكي.. فيلم أميركي طويل

د. إيمان شويخ

هدوءٌ حذر سيطر على البحر المتوسط في مقابل تصعيد حذر أيضاً ولكن في بحر جنوب الصين، فالهدوء في المتوسط مرده ما تمخّض عن زيارة الوسيط الأمريكي عاموس هوكشتاين إلى بيروت مطلع الأسبوع الجاري والذي رشح عنه إشارات إيجابية تلاشى بعضها بعد الحديث عن لقاء سري بين هوكشتاين ورئيس حكومة العدو الاسرائيلي يائير لابيد بعد عودة هوكشتاين من بيروت، ماجعل ملف التفاوض قيد النقاش داخل مجلس الوزراء المصغر لكيان الاحتلال، بين الدعوة لتأجيل الاستخراج من حقل كاريش والسير بخطوات هادئة للتفاوض والتوصل لحل ينهي التوتر الناتج عن تصعيد المقاومة، وبين مَن يدعو للتمسك بالعرض الأخير القائم على مقايضة حقل قانا بمطالب في البلوك 8 من لبنان.

لكن الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب سرقت الاهتماميْن الشعبي والسياسي في لبنان، وسط جمود التحقيق القضائي بعد تحوله إلى منصة لتصفية الحسابات السياسية، فقال رئيس مجلس النواب نبيه بري شهداء الرابع من آب شهداء كل لبنان هم ضحايا جريمة أصابت كل لبناني في الصميم …مجدداً ودائماً المسار الذي يوصل حتماً الى العدالة وكشف الحقيقة تطبيق الدستور والقانون، أما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله فاعتبر أن “القضاء اندرج تحت التوظيف السياسي، والمسؤول الأكبر هو من لا يقبل أن يتنحى رغم دخوله في دائرة الشبهة بعد استنسابية الاستدعاءات، وهو يعطل التحقيق الآن بسبب عدم تنحيه، وندعو لفتح المسار القضائي من جديد، وإلى محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، وإخراج هذا الملف من التوظيف السياسي إذا أردتم الوصول إلى الحقيقة”.

 لكن الحقيقة الواضحة هو أن نجاح لبنان في دفع إسرائيل إلى التنازل هو انتصارٌ سياسي نادر يسجله ليس داخلياً فحسب، بل في الإقليم الذي ترعاه أميركا والتي يبدو أنها لاتريد للبنان أن ينزلق إلى حرب، وبدا ذلك واضحاً في السنوات الثلاث الأخيرة التي تفاقمت فيها الأزمات المعيشية والاقتصادية والانفجار الاجتماعي إلا أن ذلك لم يرقى لمستوى الحرب، بمعنى آخر فإن الأيادي الأمريكية التي تدير السفينة اللبنانية لا تريدها أن تغرق بل أن تتأرجح مع الأمواج إلى حين نجاتها في حال نُفذت الشروط في استحقاقات لا تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ولا تنتهي بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، كل ذلك لتحصل أمريكا على ماتريد من مكاسب أهمها الغاز من بحر لبنان وفلسطين المحتلة.

أما السفينة الأمريكية فقادتها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي نحو تايوان في زيارةٍ طرحت الكثير من التساؤلات وخاصةً لجهة توقيتها في وقتٍ تشهد فيه المنطقة أزمات سياسية واقتصادية وعلى رأسها أزمة الغاز التي ولدتها الحرب الروسية الأوكرانية والتي أربكت العالم وأصابت اقتصاده وضربت أمن الغذاء والطاقة، فهل ينقص أن تأتي حرب تايوان والمواجهة بين أميركا والصين، أو بعبارة أخرى بين الغرب وأميركا من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى، ومن المستفيد إذا كان الجميع سيتضرر؟

وكان البيت الأبيض أعلن الخميس أن واشنطن أرجأت اختبارات صاروخية عابرة للقارات لـ«تجنب تصعيد مع بكين»، معتبراً أيضاً أن إطلاق الصين 11 صاروخاً باليستياً في محيط تايوان «ردّ فعل مبالغ فيه» إزاء زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان.

لكن نشاط أمريكا العسكري انصب فوق العاصمة الأفغانية كابول حيث استهدفت طائرة أمريكية مسيرة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الأحد الماضي في ٣١ يوليو/تموز في عملية أشرف عليها جهاز الاستخبارات الأمريكي، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن أن “الزعيم الإرهابي لم يعد موجودا بعدما قتل في غارة بطائرة بدون طيار، وتابع: “لم يعد الناس في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى الخوف من القاتل الشرير”، لكن السؤال يطرح حول توقيت هذا الاغتيال وهل حقاً استغنت الولايات المتحدة عن خدمات الظواهري والجماعات الإرهابية فقامت بتصفيته على غرار ماحصل مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن حيث أغارت قوات أمريكية خاصة على مجمع سكني في مدينة آبوت أباد الباكستانية وقتلت بن لادن في الثاني من مايو/أيار من العام 2011 وكانت العملية بمثابة ثأر لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 و إغلاق ملفها؟

إلا أن ثأر الولايات المتحدة لا يهدأ في الإقليم، فالعراق الذي انسحبت منه جميع القوات القتالية للتحالف الدولي بحلول نهاية 2021، بحيث انسحبت القوات الأمريكية مع معداتها تدريجياً وبقي منها عناصر لمهام “المشورة والتدريب والدعم الاستخباراتي”، لازالت روحها أي أمريكا حاضرة واضعةً المشهد العراقي أمام المزيد من الهوامش والمفاجآت الصاعقة، ليتثبّت أن هذا الذي يجري هو نتاج الحرب الأميركية على العراق، ثم إلغاء جيشه فاحتلاله فتركه صريع الرهانات الأميركية والمراهنين من لاعبين ومتلاعبين.

لكن الصفيح الساخن الذي تتقلّب عليه الدول التي ذكرناها، يقابله تبريد لجبهات كانت مشتعلة أو كادت تشتعل وأهمها المفاوضات النووية حيث تتجه الولايات المتحدة وإيران لإجراء جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة في فيينا، وذلك بعد نحو خمسة أشهر من تعثر المساعي الدبلوماسية الرامية لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015, وأعلن البيت الأبيض بالأمس أن الوقت «يضيق جداً» بالنسبة لإيران لقبول العودة إلى الاتفاق الدولي بشأن برنامجها النووي المثير للجدل. وبالتوازي برزت مؤشرات التوصل إلى اتفاق لتجديد الهدنة اليمنية قد تؤشر إلى قرب انتهاء الحرب والعودة إلى المفاوضات اليمنية-اليمنية، وإذا أضفنا النجاح في ولادة التسوية حيال الحدود البحرية اللبنانية-الفلسطينية فذلك قد يشير إلى أن المناخ مؤاتٍ لتسوية سياسية من المفترض أن ترخي بظلالها على جزءٍ من الإقليم المشتعل أكان عسكرياً أم اقتصادياً أو حتى سياسياً، ومن بينه لبنان الذي ينتظر التسويات، فلننتظر ونرى.

صحافية وأستاذة جامعية