الرئيسية / أخبار / لماذا ينخفض معدل التضخم في الصين بينما يرتفع في أمريكا وأوروبا؟

لماذا ينخفض معدل التضخم في الصين بينما يرتفع في أمريكا وأوروبا؟

تخفيف القيود النقدية

نشر موقع «ساوث تشاينا مورنينج بوست» لفرانك تانج، المهتم بتغطية الشؤون الاقتصادية الصينية، ناقش فيه أسباب انخفاض مُعدَّل التضخُّم في مقارنة بارتفاعه في الولايات المتحدة وأوروبا.

وأبرز التقرير في مستهلِّه نقطتين:

ويشير الكاتب إلى أن قراءات التضخُّم المعتدل في الصين تختلف اختلافًا شديدًا عن كثير من الاقتصادات المتقدمة، وهو ما يُفسح المجال أمام بكين حتى تزيد من تخفيف القيود النقدية في الوقت الذي ترفع فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا أسعار الفائدة.

وارتفع مؤشر أسعار المستهلك بواقع 2.1% في مايو (أيار) مقارنة بالعام السابق، وثبُتت الأسعار في أبريل (نيسان)، على الرغم من أنها لا تزال مرتفعة طوال ستة أشهر، وهو ما يعكس ارتفاع أسعار النفط الخام والمنتجات الزراعية والواردات من المواد. وبالمقارنة، وصل مُعدَّل التضخُّم إلى أعلى مستوياته منذ أربعة عقود بواقع 8.6% في الولايات المتحدة و8.1% في منطقة اليورو في الشهر الماضي. وارتفع التضخُّم في بريطانيا إلى 9% في أبريل.

ويرى الكاتب أن الحرب الدائرة في أوكرانيا أسفرت عن تعطيل الأسواق العالمية للسلع الأساسية والطاقة والأسمدة والحبوب، وحذَّر البنك الدولي من أن هذا الصراع قد يؤدي إلى أكبر موجة في تقلُّبات أسعار السلع الأساسية منذ خمسة عقود. وتتمتَّع الصين بالاكتفاء الذاتي من الغذاء إلى حد كبير، ولكنَّها تتأهَّب إلى حدوث تضخُّم بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام على صعيد عالمي.

وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في الصين، باستثناء الأسعار المتقلَّبة للمواد الغذائية والطاقة، بواقع 0.9% على أساس سنوي في الشهر الماضي، من دون أن يتغيَّر في شهر أبريل. كما ارتفع مُعدَّل التضخم المُعلَن خلال الأشهر الخمسة الأولى بواقع 1.5%، وهي نسبة تقل عن مُعدَّل الحد الأقصى للتضخُّم الذي أعلنته الحكومة على مدار عام بأكمله والبالغ 3%.

وارتفع مؤشر أسعار المنتجين، الذي يقيس أسعار المنتجات بمجرد خروجها من المصانع، بنسبة 6.4% في مايو، بعد أن بلغ ذروته التي تُقدَّر بـ13.5% في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

لماذا ينخفض مُعدَّل التضخُّم في الصين عن البلدان الغربية؟

ووفقًا للتقرير، يرى مسؤولون وأكاديميون صينيون أن هذا التباين يرجع إلى التدابير التحفيزية التي تتخذها الدول الغربية، لا سيما الطباعة غير المسبوقة للأموال التي تُستخدَم لإنقاذ الاقتصادات التي تضرَّرت بسبب تفشِّي جائحة فيروس كورونا.

وارتفع بيان الميزانية العمومية لنظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى أكثر من الضعف في العامين الماضيين ليصل إلى 8.9 تريليونات دولار، مع أن بكين، التي توخَّت الحذر إزاء اتخاذ إجراءات تحفيزية شاملة، امتنعت عن التخفيف المفرط. ولكن يتمثَّل جزء من هذا السبب في أوزان البضائع والخدمات التي تُشكِّل سَلَّة مؤشر أسعار المستهلكين في الصين.

ومع أن الصين تعطي أوزانًا أكبر للملابس والمواد الغذائية، وهو ما يتناسب مع وضعها بصفتها متربعة على قائمة البلدان ذات الدخل المتوسط، فإن الولايات المتحدة تركز تركيزًا شديدًا على توفير المسكن ووسائل النقل، ويتأثر كلاهما بسهولة بأسعار الطاقة العالمية والأوضاع النقدية المحلية.

ويستدرك كاتب التقرير قائلًا: ولكن لم تكشف السلطات عن وزن سلة مؤشر أسعار المستهلكين في الصين، والذي تغيَّر عام 2021. ومع ذلك، تشير تقديرات هوانج وينتاو، المحلل في شركة تشاينا سيكيوريتيز (China Securities Co)، إلى ارتفاع أوزان الغذاء بواقع 18.4% مقارنة بقيمة الغذاء في الولايات المتحدة الذي يبلغ 7.8.

ووفقًا لهوانج، تبلغ أوزان الملابس في الصين 6.2% مقارنة بـ2.8% في الولايات المتحدة. وأشار هوانج إلى أن أوزان المنازل تُمثِّل 16.2%، أي نحو نصف قيمة إيجار المنازل في الولايات المتحدة البالغ 32%، وبلغت قيمة النقل 10.1% في الصين، أي أقل من قيمة النقل في الولايات المتحدة البالغ 15.1%.

وبالإضافة إلى ذلك، يعتمد الاقتصاد الأمريكي على واردات المنتجات الاستهلاكية اعتمادًا كبيرًا، مع أن قدرة الصين الصناعية الكبيرة تعني أن لديها مُتَّسَعًا حتى تتصدى لارتفاع أسعار السلع العالمية.

لماذا لم يتأثر ارتفاع أسعار الإنتاج في الصين بمؤشر أسعار المستهلك؟

ويؤكد التقرير أن ثمَّة علاقة قوية بين مؤشر أسعار المنتجين ومؤشر أسعار المستهلك، وآية ذلك أن أسعار المستهلك ترتفع أو تنخفض وفقًا لأسعار المواد الإنتاجية. ولكن في حالة الصين، ضَعُف الارتباط بين هذين المؤشرين في السنوات الأخيرة. وانخفض مؤشر أسعار المنتجين في الصين بنسبة 3.7% في مايو 2020، ولكنَّه ارتفع إلى 13.6% في أكتوبر من العام الماضي، فيما ظلَّت أسعار السلع الاستهلاكية المحلية مستقرَّة نسبيًّا.

ويبرز التقرير رأي بعض الخبراء الذين أوضحوا أن انخفاض مُعدَّل التضخم في الصين يرجع جزئيًّا إلى انخفاض الطلب المحلي الناتج من السياسة التي وضعتها بكين وتهدف إلى الحدِّ من تفشِّي فيروس كوفيد-19، إذ استُخدمت هذه السياسة في احتواء متحوِّر أوميكرون الشديد العدوى منذ مارس (آذار). واستمرت مبيعات التجزئة في الانخفاض بواقع 6.7% في مايو، ولكن بخطوات أبطأ من انخفاضها الحاد الذي بلغ 11.1% في أبريل.

وأدَّت أسعار لحم الخنزير دورًا كبيرًا في دورات التضخُّم الاستهلاكي، إذ يُقدَّر وزنها بـ2.4% في سلة مؤشر أسعار المستهلكين. وانخفضت أسعار لحم الخنزير، وهو اللحم الأساسي على الموائد الصينية، بواقع 37% في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه. وفي الوقت نفسه، ونظرًا إلى أن الصين تحتل مكانة رئيسة في التصنيع العالمي، لا سيما بعد أن تضررت القدرات الخارجية بسبب تفشِي الجائحة عام 2020، استوعب المشترون أو المنتجون في الخارج ارتفاع تكاليف الإنتاج.

هل تتمكَّن الصين من إدارة تضخم الأسعار الاستهلاكية؟

ووفق التقرير، لا تزال بكين تتأهَّب تأهُّبًا شديدًا للتضخم، لأنه يُمثِّل عاملًا من عوامل عدم استقرارها الاجتماعي في الماضي. وأوضح يي جانج، محافظ البنك المركزي الصيني، في أبريل أن الهدف الأساسي للسياسة النقدية التي تتبعها الصين يتمثَّل في استقرار الأسعار والعمالة.

كما يؤثر التضخُّم في مُعدَّل ديون الأسر الصينية إلى الناتج المحلي الإجمالي، الذي قفز إلى 61.6% في العام الماضي موازنة بـ17.9% عام 2008، ذلك الوضع الذي تفاقم بسبب تفشِّي الجائحة.

وواقعيًّا، يُعد تصوُّر الأشخاص العاديين لتضخُّم الأسعار الاستهلاكية أكبر بكثير مما ينعكس في الإحصاءات الرسمية. على سبيل المثال، يُجبر ارتفاع أسعار البنزين في الصين، التي تأثَّرت بارتفاع أسعار النفط الخام الدولية على صعيد سنوي بواقع 68%، كثيرًا من العائلات على استخدام وسائل النقل العام أو المركبات الكهربائية.

وينوِّه التقرير إلى أن سعر الحبوب ارتفع في المدة التي تتراوح بين يناير ومايو بنسبة 2.2% موازنة بالعام السابق، في حين ارتفعت أسعار البيض بواقع 6.8%. وأظهرت بيانات حكومية ارتفاع زيت الطعام بواقع 3.7%، فضلًا عن ارتفاع أسعار الخضراوات بنسبة 8.7%. ويُعد ضمان الإمداد المحلي بالحبوب والطاقة إحدى المهام الرئيسة التي تضعها الحكومة الصينية نُصب عينيها.

ويشعر بعض المُحلِّلين بالقلق من أن مؤشر أسعار المستهلكين في الصين قد يرتفع، نظرًا إلى ارتفاع أسعار النفط الخام والحبوب. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن أسعار خام برنت والقمح سترتفع بواقع نحو 40% هذا العام موازنة بعام 2021.

وأوضحت شركة «تشاينا إنترناشونال كابيتال كوربوريشن» في بيانٍ نشرته يوم الثلاثاء أن التضخُّم الصيني سيتأثر بصورة أساسية بارتفاع الأسعار الناجم عن اندلاع حرب أوكرانيا وانخفاض الطلب الخارجي والطفرة التي يشهدها اليوان.

ويختم الكاتب تقريره مستشهدًا بما ذكره البنك الاستثماري: «سيؤدي ارتفاع أسعار لحم الخنزير والانتعاش الاقتصادي على الصعيد المحلي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، ولكنَّ المستوى المتوسط قد يظل معتدلًا»، وتوقَّع البنك ارتفاع الأسعار على مدار عام كامل بنحو 2.1، وهو ما لا يزال في نطاق إمكانات الحكومة الصينية.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».