تتميز الرأسمالية بكونها النظام الاقتصادي والسياسي العالمي الوحيد السائد في معظم أرجاء المعمورة خاصة بعد انهيار وسقوط النظام الاشتراكي (الشيوعي) متمثلاً بالاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية على وجه الخصوص وبعض الدول الأخرى التي مازالت تقاوم وتجري تغيرات على طبيعتها (الصين، كوريا الشمالية، فييتنام، كوبا، فنزويلا).
تعتبر الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية حيث تتحول القوى المهيمنة على الرأسمال من قوى محلية إلى قوى عالمية عابرة للقارات خاصة بعد أن تحول المركز من لندن إلى نيويورك وتجاوز مسألة فرض الاستعمار والاحتلال المباشر إلى بناء نواة مركزية تستقطب الاطراف بحيث تتحكم بها من خلال ابقاء هذه الاطراف متخلفة ومتعلقة بالمركز بحيث تكون دوماً بحاجة له وتدور في فلكه. كل هذا الأمر جرى بعد تحول قوى الهيمنة العالمية من السيطرة والهيمنة على الانتاج إلى الهيمنة على المال بحد ذاته بحيث أصبح المال بدل الرأسمال.
الاقتصاد الرأسمالي ومنذ بدايات تكوينه وهو يعاني من مشاكل ما زالت ترافقه إلى الآن ألا وهي “فيض الانتاج، الكساد والتضخم” وبالتالي خلق الأزمات. لذلك نراه قد لجأ إلى حركة جديدة في نظامه من خلال تحريك كتلة المال بحيث تعتبر هي الأضخم وهي المهيمنة في النمط الرأسمالي بشكل عام. أي أصبح الرأسمال متحركاً غير ثابت أو مستقر من خلال بورصات الأسهم والشركات العالمية عابرة القارات التي قد تكسب في دقائق كمية أموال تعادل ميزانيات دول أو حتى عدة دول.
لكي نفهم الفرق بين المال والرأسمال لا بد لنا من العودة إلى ما كتبه ماركس 1818 / 1883 الذي اختزلها بمعادلة بسيطة هي عبارة عن (نقد يؤدي إلى سلعة تؤدي إلى نقد أعلى) أي أن التاجر أو ملاك الأرض أشترى بالمال (النقد) سلعة ما ثم باعها بمال أكثر مما أدى إلى تكون رأسمال أكبر لديه وبالتالي تحول هذا المال إلى رأسمال الذي تم فيما بعد تطويره لدرجة لم يعد التاجر أو الاقطاعي أو غيرهما من أصحاب رؤوس الأموال المودعة في البنوك بحاجة إلى شراء سلع إنما مالهم بذات نفسه يجلب لهم المال وهو ما نقول عنه “الرأسمال المالي” بحيث يشتري أسهم في أحدى الشركات أو يترك ماله في البنوك التي تعطيه فائدة من خلال تشغيل ماله. وهكذا لم يعد الرأسمالي بحاجة إلى شراء سلع وبيعها للحصول على سعر أعلى فماله أصبح يأتي له بالمال.
كل هذا لم يُشبع الرأسمالي الذي تحول فيما بعد إلى إمبريالي أي تجاوز حدود منطقته وعبر القارات وأصبح يستثمر ماله في السيطرة على اقتصاديات المجتمعات من خلال خلق الازمات لهم ومن ثم التدخل بحجة مساعدتهم وانقاذهم من الازمة وهو ما شاهدناه في عام 1997 حيث انهارت اقتصاديات العديد من الدول امثال ماليزيا وسنغافورة والبرازيل وروسيا وغيرها.
هذا الانهيار المالي الكبير كان بسبب وجود كتلة مالية ضخمة خارج النشاط الانتاجي بحيث تعمل لزيادة كتلة المال نفسها دون وجود انتاج فعلي. بالإضافة إلى أن نسبة النشاط المنتج من حركة الرأسمال لم تكن تتجاوز العشرة % على أكثر تقدير. إلى جانب الفائض في العملة المطبوعة في الاسواق العالمية دون وجود ما يقابلها في الاقتصاد العالمي. هذه الأمور جميعها دفعت بالقوى المهيمنة على الرأسمال إلى خلق الصرعات والحروب بين الدول والمجتمعات من أجل زيادة انتاجها الحربي وبيع كميات أكبر من العتاد والسلاح العسكري سواء عن طريق صفقات السلاح الرسمية مع الدول أو من خلال مد السوق السوداء بكميات كبيرة من الاسلحة واشعال الحروب. وإذا اقتضى الأمر فهي مستعدة للتخلي عن كل الشكليات المتعلقة بمسألة حقوق الإنسان والديمقراطية والسلام وغيرها، لا بل حتى أنها مستعدة للصراع فيما بينها للسيطرة والتحكم أكثر فأكثر. الحروب في ساحة الشرق الأوسط (سوريا، العراق، اليمن، لبنان، اسرائيل، مصر، اثيوبيا، السودان، ليبيا، افغانستان) الى جانب مسألة “حماية دول الخليج من أطماع إيران” والحرب الروسية مع الناتو على الاراضي الأوكرانية جميعها نماذج عن هذه الأزمات التي تعاني منها الإمبريالية العالمية وتتصارع فيما بينها.
الامبريالية لم تعد كما كانت سابقاُ تسعى للاحتلال والسيطرة الاستعمارية، بل أصبحت تعني التكوين الاقتصادي الاجتماعي الذي صاغت الرأسمالية العالم وفقه بعد انهيار نظام القطب الثنائي وتسيّدها العالم.
وهكذا نرى بأن المال أصبح يهيمن على الرأسمال، من خلال توظيفه في المضاربات في العقارات وبورصة الأسهم والمديونية ومشتقاتها المالية الذي أدى إلى نشوء تراكم مالي مصرفي الذي لا يتم توظيفه في الاقتصاد الحقيقي على العكس من ذلك فمن خلال ضخ مبالغ طائلة في البنوك فرض تحوّل الارباح الهائلة التي تتراكم إلى نشاط مالي بحت بعيداً عن أيّ نشاط اقتصادي. الرأسمالية تتسم في مرحلتها الراهنة بفيض الانتاج وفيض الارباح معاً مما يتسبب في كساد في الاسواق من كثرة الانتاج إلى جانب الارباح الطائلة التي يجنيها أصحاب الرأسمال المالي.
إن تحكم كتلة المال المتضخمة بالرأسمال تُغرق العالم في أزمات اقتصادية خانقة تؤدي إلى انهيار الوضع المعيشي في الكثير من بلدان العالم خاصة في الأطراف كما أنها تؤثر على حياة قسم لا بأس به من سكان المركز. لذا لا بد من موجة عالمية ضد الرأسمال المالي مناهضة للعولمة والامبريالية.