الرئيسية / أخبار / موسكو وبكين وطهران تغيّر النظام العالمي

موسكو وبكين وطهران تغيّر النظام العالمي

تقرير لمجتمع الاستخبارات الأميركي يشير إلى تنامي قدرات بكين وموسكو وطهران على تحدي الهيمنة الأميركية على النظام الدولي، وإلى اتجاهها إلى التفوق عليها في مجالات متعدّدة.

  • يتوزَّع التقرير على 30 صفحة، تندرج في ثناياها القضايا الأكثر تهديداً للأمن القومي الأميركي ولمصالح الأميركيين.
    يتوزَّع التقرير على 30 صفحة، تندرج في ثناياها القضايا الأكثر تهديداً للأمن القومي الأميركي ولمصالح الأميركيين.

في ذروة التوتر العالمي، الذي زادته الأزمة الأوكرانية إلى أقصاه خلال الشهرين الأخيرين، وقبل انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، صدر بتاريخ السابع من شباط/فبراير 2022، عن مجتمع الاستخبارات الأميركي، وتحديداً عن مكتب مدير الاستخبارات القومية، التقريرُ السنوي لتقويم المخاطر التي تتعرض لها الولايات المتحدة ومصالحها حول العالم.

في الشكل، يتوزع التقرير على 30 صفحة، تندرج في ثناياها القضايا الأكثر تهديداً للأمن القومي الأميركي ولمصالح الأميركيين، وفق رؤية الاستخبارات، وهي في المضامين – على الرغم من أن النص يشير إلى أن ترتيب العناوين لا يعني تقدماً لتهديد على آخر  – تبدأ بالصين ثم روسيا، لتتدرّج إلى إيران، كوريا الشمالية، ثم الأمن الصحي، والأمراض المُعْدِية وتأثير جائحة “كوفيد 19″، والأسلحة البيولوجية، والتغير المناخي، وقضايا أخرى عبر – وطنية (الاستخدام المبتكر للتكنولوجيا الجديدة، الجريمة المنظمة عبر الوطنية، المخدرات ذات المصدر الأجنبي، غسل الأموال والجرائم المالية، جرائم الإنترنت، الهجرة، الإرهاب العالمي)، بالإضافة إلى النزاعات وانعدام الاستقرار، مع تحديد جنوب آسيا ومناطق أخرى.

يعكس التقرير الرؤى الجماعية لمجتمع الاستخبارات الأميركي، والتي توفر المعطيات والمعلومات اللازمة لصناع القرار لحماية البلاد ومصالحها. وبحسب النص، فإن التقويم للتهديدات يركز على تلك الأكثر مباشرة وخطورة على الولايات المتحدة خلال العام التالي لصدور التقرير، والتي تحتاج إلى استجابة، في المدى القصير، من أجل الحدّ من آثارها في المستقبل. ويحدد التقرير لجان الاستخبارات في الكونغرس ولجان القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ كجهاتٍ يتوجه إليها لتحقيق هذه الاستجابة.

وعلى مستوى المخاطر التي تمثّلها الدول، ينصبّ اهتمام التقرير التقويمي على أربع دولٍ بعينها، وهي: الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، بينما يُدرج “جيش فاغنر” ضمن الوسائل الروسية التي تمثّل تهديداً للأميركيين، كما يشير إلى حزب الله كتهديدٍ للنفوذ وللمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ولحليفة الولايات المتحدة “إسرائيل”. ويتابع ليُدرج، ضمن التهديدات التي تمثلها المنظمات الإرهابية، كلاً من “داعش” و”القاعدة”.

ووفق تقدير الوثيقة، فإن العام المقبل سيشهد مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها بيئةً أمنية عالمية شديدة التنافس والتعقيد، في حين ستستمر التداعيات والاضطرابات التي أفرزها انتشار فايروس كورونا على جميع الجهات المتنافسة. لكن اللافت، في مقدِّمة التقرير، اعترافه الصريح بأن النظام العالمي يشهد تطوراً تتوزع فيه القوة بصورةٍ تدفع القوى الفاعلة إلى إعادة تقويم مكانتها وقدراتها في عالمٍ يصبح متعدد الأقطاب بصورةٍ متزايدة.

وفي حين يستبعد نقاط ضعف الولايات المتحدة، فإن التقرير يشير إلى أن التهديدات ومعالم المنافسة الأكثر إلحاحا تأتي من طرفي روسيا والصين، ويقدّر أن موسكو وطهران وبيونغ يانغ أظهرت قدرةً وعزماً على تعزيز مصالحها على حساب الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، بينما اقتربت الصين، بصورةٍ متزايدة، من مرتبة القرين لأميركا، ولتتحداها في ساحات متعددة، اقتصادياً وعسكرياً وتقنياً، وهي تدفع إلى تغيير الأعراف العالمية. وفي الوقت نفسه، فإن روسيا تقاوم واشنطن حيثما تستطيع، حتى لو وصل ذلك إلى استخدام القوة في بعض المواضع.

وتشير تقديرات الاستخبارات الأميركية، ضمن هذه الوثيقة، إلى أنه في الأزمة الأوكرانية، تعرب روسيا عن رغبة في استخدام القوة والتهديدات العسكرية، بينما تتوقع أن تبقى إيران تهديداً يتوسع ضد المصالح الأميركية، وأن تستمر بيونغ يانغ في توسيع قدراتها في مجال أسلحة الدمار الشامل. ويتوقع التقرير أن يقوم المنافسون الرئيسون بتنويع قدراتهم وتعزيزها، في المستويات العسكرية، ومستوى الفضاء السيبراني، على نحو يشكل مخاطر متعاظمة على الولايات المتحدة وحلفائها.

وكل ذلك يضاف إلى الأزمات الاقتصادية والمنافسات الجيوسياسية والاضطرابات السياسية التي يشهدها العالم، في ظل استمرار آثار الجائحة الصحية في فرض نفسها “أعواماً” على الاقتصادات والدول ومجتمعاتها.

وإلى جانب ذلك كله، يشير تقدير الوثيقة إلى أن التدهور البيئي والتغير المناخي، بصورةٍ خاصة، سوف يستمران في “تأجيج تفشي الأمراض وتهديد الغذاء والأمن المائي”، بينما ستشكل التحديات الأخرى، العابرة للحدود الوطنية، مجموعة من التهديدات المباشرة وغير المباشرة على الولايات المتحدة.

الأهداف والأنشطة الإقليمية والعالمية للصين

تضع مضامين التقرير الاستخباري وتعبيراته الصين في رأس التهديدات التي سوف تواجهها الولايات المتحدة خلال العام المقبل. وهي تفصّل هذه التهديدات على أساس توقُّع أن تواصل بكين جهودها من أجل “تحقيق رؤية الرئيس شي جين بينغ بالنسبة إلى الصين، باعتبارها القوة البارزة في شرقي آسيا، وقوة عظمى في المسرح العالمي”. وذلك يهدد بتقويض النفوذ الأميركي في شرقي آسيا من جهة، و”يدقّ إسفيناً” بين واشنطن وحلفائها من جهةٍ أخرى.

ويطرح التقرير “احتمال” أن يسعى قادة الصين لإيجاد فرص في خفض التوترات مع واشنطن عندما يلائم ذلك مصالحهم، بالإضافة إلى محافظة الصين على دورها في تحقيق سياساتها الاقتصادية لتقليل الاعتماد على التقنيات الأجنبية (أعلنت في استراتيجيتها الخمسية الجديدة سعيها لتحقيق السيادة التكنولوجية)، والتطور العسكري.

ويشير التقرير إلى أن بكين ترى تنافسها مع واشنطن جزءاً من تحول جيوسياسي تاريخي، وأنها تنظر إلى الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية التي تتخذها واشنطن ضدها على أنها جزء من محاولات أوسع  لمنع صعودها، كما لمحاولة تقويض حكم الحزب الشيوعي الصيني.

ويلمس التقرير الأميركي محاولة صينية متزايدة للدمج بين قوتها العسكرية المتنامية وقوتَيها الاقتصادية والتكنولوجية والنفوذ الدبلوماسي، وذلك من أجل تحقيق سيادتها الداخلية، وتفوقها الإقليمي، وتعزيز صعودها العالمي. ويحدد تقدير الاستخبارات الأميركية قضية تايوان مجالاً مرجَّحاً أن يشهد زيادة في التوتر، بحيث ستؤدي “سيطرة الصين على تايوان إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية لرقائق أشباه الموصلات، لأن تايوان تهيمن على إنتاجها”. وفي الوقت نفسه، يشمل التوقع الاستخباري الأميركي أن تواصل الصين سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، والضغط على اليابان في المناطق المتنازَع عليها في بحر الصين الشرقي.

ومن النقاط اللافتة في تقدير التهديدات التي تمثّلها الصين على المصالح الأميركية، يورد التقرير استمرار بكين في ترويج “مبادرة الحزام والطريق” (BRI) من أجل توسيع نفوذ الصين اقتصادياً وسياسياً وتحقيق وجود عسكري في الخارج. ويعدّ أن الصين ستظل أكبر تهديد للقدرة التنافسية التكنولوجية للولايات المتحدة، بحيث تستهدف بكين القطاعات الرئيسة والتكنولوجيا التجارية والعسكرية، والمسجَّلة ملكيتها للشركات والمؤسسات الأميركية والحليفة. إنه بهذا المعنى تهديدٌ متصاعد للاقتصاد الأميركي، ينذر بقيادة صينية للتقدم التكنولوجي في العالم.

وإلى جانب الخطوات الصينية، يشير التقرير إلى تهديد آخر يتمثّل بمواصلة بكين تعميق التعاون مع روسيا، دبلوماسياً ودفاعياً وتكنولوجياً، من أجل مواجهة التحدي الذي تمثّله الولايات المتحدة.

وعلى المستوى العسكري، تواصل الصين سعيها لبناء جيش على مستوى عالمي “سيمكّنها من تأمين ما تراه أراضيها السيادية، وترسيخ تفوقها في الشؤون الإقليمية، واستعراض قوتها على الصعيد العالمي لتحقيق توازن” يُنهي التفوق العسكري الأميركي. وفي هذا السياق، تسرّع بكين في تطوير القدرات الأساسية، والتي تعتقد أن جيش التحرير الشعبي يحتاج إليها في مواجهة الولايات المتحدة، في صراع مستدام واسع النطاق. ويشمل ذلك، وفق تقدير التقرير، مواصلة الصين توسيع قوتها النووية وتنويع ترسانتها، وبناء قوة صاروخية وقاذفات نووية أكبر قوةً، وضمان “قدرة توجيه الضربة العابرة للقارات في أي سيناريو” ملائم.

وفي الفضاء، تعمل الصين، كما تشير هذه الوثيقة، على مضاهاة القدرات الأميركية في الفضاء وتجاوزها، من أجل كسب الفوائد العسكرية والاقتصادية والهيبة التي اكتسبتها واشنطن من القيادة الفضائية. وبدأت المحطة الفضائية الصينية إطلاق البعثات الآهلة في عام 2021، ويتوقع تحقيقها قدرة تشغيلية كاملة بين عامي 2022 و2024. وهي تعتزم إنشاء محطة أبحاث روبوتية في القمر.

وعلى مستوى الأمن السيبراني، يقدّر التقرير أن “الصين تمثّل التهديد الأوسع والأكثر نشاطاً واستمرارية للتجسس الإلكتروني للحكومة الأميركية وشبكات القطاع الخاص”. ويعدّ أنه “يكاد يكون من المؤكد أن الصين قادرة على شن هجمات إلكترونية من شأنها أن تعطل البنية التحتية الحيوية الخدماتية داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك ضد أنابيب النفط والغاز وأنظمة السكك الحديدية”. ومن اللافت جداً إشارة التقرير إلى “تكثيف بكين جهودها في تشكيل الخطاب العام الأميركي”.

التهديد الروسي والتحدي المباشِر لواشنطن

جاءت الإشارة إلى التهديدات، التي تمثّلها روسيا، للمصالح الأميركية، لتتلاءم مع السياق المتوتر للأحداث الجارية في لحظة صدور التقرير، بحيث يتوقع هذا الأخير أن تظل موسكو قوةً مؤثرة تمثل “تحدياً هائلاً” للولايات المتحدة، من خلال الأهداف والأنشطة الإقليمية والعالمية، وسط مشهد جيوسياسي متغير خلال العقد المقبل. ويقدّر التقرير أن تستمر موسكو في متابعة منافستها واشنطن، وأن تستخدم أحياناً طرائق المواجهة والاستفزاز، بما في ذلك الضغط للسيطرة على أوكرانيا ودول أخرى في محيطها القريب.

لكنّ الوثيقة الاستخبارية تشير إلى “أن روسيا لا تريد صراعاً مباشراً مع القوات الأميركية”. وهي، بحسب نص التقرير، تسعى لتحقيق توافق مع الولايات المتحدة بشأن عدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية لكل من البلدين، ولأن “تعترف الولايات المتحدة بمجال نفوذ روسيا على جزء كبير من الاتحاد السوفياتي السابق”.

ويشير التقدير الاستخباريّ الأميركي إلى أن موسكو كانت تحضّر (عند نشر التقرير) “لاجتياح أوكرانيا”، انطلاقاً من فهم لدى القادة الروس، مفاده أن الولايات المتحدة تحاول إضعاف روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، و”تنصيب الأنظمة الصديقة للغرب في دول الاتحاد السوفياتي السابق وفي أماكن أخرى”. وهم، بحسب هذا التقدير، استنتجوا أن ذلك يمنح روسيا فرصةً في “الانتقام”.

ويقدّر واضعو التقرير أن “موسكو ستستمر في استخدام مجموعة من الأدوات لتعزيز مصالحها الخاصة أو تقويض مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وستكون هذه الأدوات عسكرية وأمنية واستخبارية، في الدرجة الأولى، وأن يؤدّي التعاون الاقتصادي دوراً أصغر”. وهم يتوقعون “أن تُدخل موسكو نفسها في أزمات عندما تكون مصالح روسيا على المحك، أو أن التكاليف المتوقعة للعمل منخفضة”. ومن توقعات التقرير، أن تستمر روسيا في توسيع جيشها واستخباراتها وأمنها، وفي بناء شراكات تهدف إلى تقويض نفوذ الولايات المتحدة وتعزيز نفوذها هي، مع الإشارة إلى أن موسكو تعمل على تنفيذ ذلك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في سوريا وليبيا والسودان، من أجل تقويض الريادة الأميركية، وتقديم نفسها على أنها وسيط لا غنى عنه، وكسب الفرص الاقتصادية والعسكرية، بالإضافة إلى توسيع شراكاتها مع فنزويلا وكوبا، واستخدام “مبيعات الأسلحة واتفاقيات الطاقة في محاولة لتوسيع الوصول إلى الأسواق والموارد الطبيعية في أميركا اللاتينية”، لتعويض بعض آثار العقوبات.

ويرى التقرير أن وضع موسكو جيد في الجمهوريات السوفياتية السابقة في القوقاز، ويتوقع  أن تستمر في استخدام الطاقة أداةً للسياسة الخارجية من أجل حصد التعاون وتعزيز قوتها على طاولة المفاوضات، “كما فعلت مؤخراً في عام 2021، عندما أوقفت روسيا الفحم والكهرباء إلى أوكرانيا”.

وعلى المستوى العسكري، يتوقع التقرير أن تستمر روسيا في نهجها للتحديث العسكري وتعزيز قواتها المسلحة، وتمكينها من الدفاع عن الأمن القومي الروسي مع إبراز النفوذ عالمياً وتحدي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وهي ستؤكد (وفق التقرير) التطوير والاقتناء للأسلحة الجديدة التي تشكل تهديدات متزايدة للولايات المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية. وهي تمتلك القدرة على نشر قوات في مناطق ذات أهمية استراتيجية، لكن التقرير يشير إلى أنها “تكون أقل قدرة على تحمل عمليات قتالية مكثفة”، وأنها في حاجة إلى “مجموعة فاغنر” وشركات أمنية خاصة أخرى “لتوسيع نفوذ موسكو العسكري بتكلفة منخفضة، في مناطق تمتد من سوريا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي”.

وتقدّر الوثيقة الأميركية أن تظل روسيا التهديد الأكبر والمنافس الأقوى لأسلحة الدمار الشامل للولايات المتحدة في المستقبل المنظور، لأنها توسع قدرات أسلحتها النووية وتحدّثها وتزيد في قدراتها الاستراتيجية وغير الاستراتيجية. كما يتوقع أن موسكو تعدّ قدراتها النووية ضرورية من أجل المحافظة على الردع وتحقيق أهدافها في صراع محتمل ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وأنها ترى “وجود أسلحة نووية ذات قدرة رادعة الضامنَ النهائي للاتحاد الروسي. وهي تواصل تطوير أنظمة صاروخية بعيدة المدى، وذات قدرة نووية وأنظمة تحت الماء، تهدف إلى اختراق الدفاعات الصاروخية الأميركية أو تجاوزها”.

وعلى المستوى السيبراني، يرى التقرير أن روسيا ستظلّ تشكل تهديداً إلكترونياً كبيراً لأنها تعمل على تحسين وتوظيف التجسس والتأثير والهجوم. ويقدّر أن روسيا تعدّ الاضطرابات السيبرانية بمنزلة رافعة للسياسة الخارجية، ووسيلة ردع وأداة عسكرية.

وبحسب التقرير أيضاً، “تمثّل روسيا أحد أخطر تهديدات التأثير الأجنبي في الولايات المتحدة، باستخدام أجهزتها الاستخبارية، وأدوات التأثير الواسعة النطاق لمحاولة تقسيم التحالفات الغربية، وزيادة نفوذها حول العالم”، بهدف تقويض مكانة الولايات المتحدة العالمية، وتضخيم الخلاف داخل الولايات المتحدة. وهي ستستمر أيضاً منافساً رئيساً للولايات المتحدة في الفضاء.

الأهداف والأنشطة الإيرانية

ستستمر إيران، وفق التقرير الاستخباري الأميركي، في تهديد المصالح الأميركية، وخصوصاً في الشرق الأوسط. وهي تحاول ترسيخ نفوذها الإقليمي في الدول المجاورة. ويتوقع التقرير أن تحاول طهران الاستفادة من برنامجها النووي، وشراكاتها وقدراتها الدبلوماسية ومبيعاتها العسكرية، من أجل تعزيز أهدافها. ويشير إلى أن إيران ترى نفسها “منغمسةً في صراعٍ وجودي مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، بينما تسعى لتحقيق طموحاتها الطويلة بشأن قيادة المنطقة”.

ويتحدث التقرير عن أن انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي في عام 2021 يدفع في اتجاه التقدم نحو تحقيق رؤية السيد علي خامنئي الطويلة المدى، من أجل “تحويل إيران إلى قوة إسلامية شاملة، قادرة على الدفاع عن العالم الإسلامي”.

ويؤكد التقدير الاستخباري الأميركي أن “النظام الإيراني متردِّد في الانخراط مباشرة دبلوماسياً مع الولايات المتحدة بشأن تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من سعيه لتخفيف العقوبات”. ويرى أن المسؤولين الإيرانيين لا يثقون بعمق بواشنطن، ولا يعتقدون أن الولايات المتحدة يمكن أن تفي بوعودها بالمحافظة على فوائد خطة العمل المشتركة الشاملة بعد تحديثها.

ويتوقع التقرير أن إيران “ستهدد الأميركيين بصورة مباشرة، وعبر هجمات بالوكالة، ولاسيما في الشرق الأوسط”. كما ستظل ملتزمة تطويرَ الشبكات داخل الولايات المتحدة، وهو الهدف الذي سعت لتحقيقه لأكثر من عقد من الزمن، بحسب نص الوثيقة الاستخبارية نفسها، التي تضيف أن “الوكلاء المدعومين من إيران سيشنّون هجمات ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا، وربما في بلدان ومناطق أخرى”.

ويشير التقرير إلى أن إيران لا تزال تشكل تهديداً لإسرائيل، سواء بصورة مباشِرة، من خلال قوتها الصاروخية، أو على نحو غير مباشر، عبر دعمها حزب الله اللبناني وجماعات أخرى. وهي، بحسب التقرير أيضاً، ستبقى “لاعباً إشكالياً في جميع أنحاء المنطقة عبر دعمها للميليشيات” العراقية، التي تشكل التهديد الأساسي للأميركيين في العراق.

وعلى مستوى القدرات العسكرية، يشير التقرير إلى أن “نهج إيران الهجين في الحرب – باستخدام كل من القدرات التقليدية وغير التقليدية – سوف يشكل تهديداً للمصالح الأميركية في المنطقة في المستقبل المنظور”، بينما سيظل حرس الثورة الإيراني (قوة القدس) ووكلاؤه، مركزيين في القوة العسكرية لإيران. ويضيف التقرير أنه، على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجهها إيران، فإنها ستسعى لتحسين تقنيات تسلح جديدة واكتسابها.

وعلى مستوى الأمن السيبراني، يرى التقرير “أن خبرة إيران المتزايدة، واستعدادها لإجراء عمليات سيبرانية عدوانية، يجعلانها تهديداً رئيسياً لأمن الشبكات والبيانات الأميركية والحليفة”. ويضيف أن “نهج إيران في التعامل مع الهجمات الإلكترونية أمر بالغ الأهمية، بحيث تصبح البنية التحتية في الولايات المتحدة عرضة للاستهداف”، وخصوصاً أن طهران تعتقد (وفق التقرير) أنها يجب أن تثبت قدرتها على مقاومة الولايات المتحدة في مجالات أخرى. و”تظهر الهجمات على أهداف إسرائيلية وأميركية أن إيران أكثر استعداداً من ذي قبل لاستهداف دول تمتلك قدرات أقوى”.

خلاصة

على الرغم من تعدد الموضوعات التي تطرَّق إليها التقرير، فإنه يركز على أن تنامي قدرات كل من الصين وروسيا وإيران يشكل تحدياً رئيساً وقوياً للنفوذ الأميركي على المستوى العالمي، ولكلّ من الأمن والمصالح الأميركية. ووفق هذه الاستنتاجات الموجَّهة إلى المشرِّعين وصُنّاع القرار الأميركيين، فإن المواجهة مع هذه الأطراف تُعَدّ مصلحة أميركية أمنية في الدرجة الأولى، بما يشمله ذلك من اعتراف بالقدرات المكونة لدى هذه الأطراف الثلاثة، وتقدير لحجم قوتها، فرادى ومجتمعةً، على حدٍّ سواء.

وفي الخلاصة، فإن تحليل الإشارات المجمَّعة من هذا التقرير يشير إلى قلق أميركي متصاعد من الشراكات المتنامية بين هذه القوى الثلاث، وخصوصاً أن النهج المتَّبَع في العواصم الثلاث، يهدف، بصورةٍ علنية لا تقبل الشكّ، إلى تحقيق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

وليس إعلان طموح القوى الثلاث الصاعدة إلى تحقيق عالم متعدد الأقطاب جديداً، وإنما الجديد يتمثّل بتوقُّع تقرير مجتمع الاستخبارات الأميركية للعالم المقبل، أن هذه القوى أصبحت قادرةً على تحقيق هذا الهدف، انطلاقاً من الاعتراف الواضح، في مقدمة التقرير، بهذه التحولات الجوسياسية والاستراتيجية، الأمر الذي يفسّر هستيريا واشنطن وحلفائها في سياق الأزمة الأوكرانية.