الرئيسية / أخبار / ماذا لدى روسيا من خيارات؟

ماذا لدى روسيا من خيارات؟

حميد مسلم الطرفي

لاشك أن قرار اتخاذ الحرب ضد اوكرانيا لم يكن قراراً سهلاً ، وهو – أي القرار- ان لم تفكر فيه روسيا منذ سنوات ، فلا أقل من التفكير به الشهرين اللذين سبقا الحرب كون امريكا كانت تردد يومياً أن روسيا ستغزو اوكرانيا وروسيا تنفي ذلك ، فعواقب الحرب، وخطط الحرب وأمد الحرب وتداعيات وآثار الحرب كلها تناولها الإعلام الغربي فكيف لموسكو وهي صاحبة القرار أن لا تطلع عليها وتناقشها ، وحتى لو فرضنا جدلاً أن الرئيس الروسي يحكم بلاده بطريقة (ديكتاتورية) وقراراته فردية ، فإنه لا بد وأن يفكر مع نفسه بالعواقب . كل هذا لا يمنع من أن تكون هناك مستجدات لم تكن بالحسبان فمن القديم قيل أن الحروب غالباًما يكون من بدأها عاجز عن إنهائها بالوقت الذي يريد وبالثمن الذي يريد ، وهناك من يشبه الحرب بالجريمة التي يحاول المجرم أن يُخفي دلائلها بكل الوسائل إلا أنه يفوته دليل لم ينتبه اليه فيتم اكتشافه ، فالحروب قد يحسب من بدأها ألف حساب ونتيجة ، لكن بمجرد اشتعالها تظهر آثار أو تطورات لم تكن بالحسبان . الرئيس الروسي لم يخسر منذ اثنين وعشرين عاماً أي حرب دخلها ، في 2008 حارب جورجيا -وان كانت هي البادئة- وفصل منها جمهوريتي ابخازيا واسيتيا ، وفي 2011 تدخل في سوريا فأعاد 70‎%‎ من الأراضي السورية وحافظ على النظام السوري ، وفي 2014 احتل شبه جزيرة القرم التابعة لاوكرانيا وألحقها بالأراضي الروسية ، فإلى أي حد يستطيع تحمل المساعدات الامريكية والأوربية العسكرية والإعلامية واللوجستية لاوكرانيا ، لتمديد أمد الحرب وزيادة الخسائر التي يدفعها الروس ، ولدى بوتين مخزون أسلحة نووية يعادل نصفاً أو يزيد على ما لدى العالم بأجمعه ؟ كيف سيتحمل بوتين الاسفزازات الغربية والأمريكية وهم يعلنون صراحةً انهم يرسلون أسلحةً فتاكة الى كرواتيا ؟ كيف يتحمل بوتين هذا وأمام عينيه تجربة بلاده في أفغانستان ، وتجربة امريكا فيها أيضاً وفي العراق ومن قبلها في فيتنام ؟ هل سيسمح بوتين بأن تتحول اوكرانيا الى مستنقع تغرق في وحوله قوات روسيا الاتحادية التي أعدها وأعاد بناءها بوتين طيلة 22 عاماً ؟ يقيناً لا يسمح بذلك فما هي خياراته ؟

لابد أولاً من التذكير ان الحرب لم يمض عليها سوى أسبوعين ، ولم يتكلم بوتين عن أهدافها كثيراً ، عدى مرات قليلة الأولى خطاب اعلانها وقد ذكر فيه أن هدفها الرئيسي هو حماية الأقلية الروسية في دومباس بعد طلب الجمهوريتين فيها بتدخل القوات الروسية لحمايتها من الاعتداءات المستمرة من قبل الجيش الاوكراني ، وتحدث في اليوم الثاني للحرب فأضاف هدفاً جديداً هو نزع اسلحة اوكرانيا وتخليصها من النازيين الجدد ، وفي الثالثة تحدث عن هدف آخر وهو وهو الحصول على اعتراف بضم القرم وابعاد الأسلحة النووية عن اوربا الشرقية ؟ وهذه المطالب والأهداف هي بوتيرة متصاعدة تعكس القدرة على تحقيق النصر وبلوغ الهدف . السؤال الأكبر هو هل لدى بوتين من الشجاعة ما تجعله يتراجع عن قرار الحرب والأهداف التي تحدث عنها اذا ما لاحت ملامح المستنقع الأوكراني الاستنزافي لقوته ويحافظ على محدودية الحرب ، وعدم خوض حرب عالمية ثالثة ، وهو الذي لم يتراجع سابقاً ؟ هل سيقبل بوتين بنصف اوكرانيا الشرقي ويدع الغربي منها ليكون دولة تنضم للاتحاد الاوربي أو حتى لحلف الناتو ؟ الاستفزازات الاوربية المتواصلة تبدو كما لو أن الغرب غير مبال برد روسيا ، عقوبات صارمة وموحدة ، حتى من الدول التي تعارف المجتمع الدولي على انها حيادية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الان كسويسرا مثلاً ، معونات عسكرية واضحة تهدد طائرات ودبابات روسيا ، لم يوقف هذه الاستفزازات التهديد بالقوة النووية ووضعها في حالة انذار قصوى ، هل يفعل الغرب كل ذلك تظاهراً بالقوة والصمود كي لا يطمع بوتين بما بعد اوكرانيا ، وهل سيقبل الغرب بالتهام اوكرانيا الآن ، ريثما يرتب اوراقه للمستقبل ؟

ما بين الجيش الروسي والجيش الاوكراني فارق كبير جداً من ناحية العدة والعدد لصالح الأول ، وهذا الفارق لا يتناسب ومقدار ما حققه الجيش الروسي من نتائج ، فحتى الان كييف لم تسقط ، وخاركيف لازالت فيها مقاومة ، وجمهوريتي الدونباس لازالتا تتعرضان لقصف اوكراني شديد باعتراف روسيا ! تلك نتائج مقلقة للمراقبين ، هل هذا ضمن المخطط المرسوم أم بخلاف ما كان متوقعاً منه . ربما من الصعب التكهن بنتائج الحرب ومواقيت انهائها ، لكن الأكيد أن هذه الحرب ماكانت لتبدأ لولا استفزازات الناتو وتحركه لتطويق روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي حتى الان