في ٍ حديثٍ أصدره المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن (IISS)، بعنوان: «الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز في الشرق الأوسط: المشهد الحالي وخيارات الحد من التسلح»، ورد أن هناك 11 دولة بالإضافة إلى (حزب الله، وجماعة الحوثي) في الشرق الأوسط، تمتلك باليستية أو صواريخ كروز بمدى يزيد على 250 كيلومترًا، وهذا الرقم يمثل تقريبًا نصف العدد الإجمالي للدول التي تمتلك صواريخ باليستية أو صواريخ كروز على مستوى العالم.
وتشير الإحصائية إلى مستقبل غامض للشرق الأوسط، تسيطر عليه الأدوات العسكرية الهجومية التدميرية، خاصةً وأن جزءًا من جاذبية الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، أنها تُمكِّن مُشغليها من توجيه ضربات دقيقة ضد أهداف عدائية، سواءً كانت سياسية أم اقتصادية أم عسكرية، وذلك بمدى جغرافي كبير.
ويؤكد فحص حالة جيوش الشرق الأوسط عام 2022، وتحليل منظومات التسليح التي ربما تدخل الخدمة، سعي دول المنطقة لنصب شبكات دفاعية قوية تصون الدول والأنظمة، وامتلاك أسلحة هجومية تمنح أصحابها المبادرة في وقت الحرب وتمثل قوة ردع في وقت السلم.
يبدو أن إسرائيل على وشك تغيير المعادلة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا في مواجهة إيران، ووكلائها في المنطقة، ففي الأول من فبراير (شباط) 2022، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أن الجيش الإسرائيلي يعمل على إطلاق أول نظام دفاع صاروخي بالليزر، وذلك في غضون عام تقريبًا، يمر خلالها بمرحلة تجريبية قبل أن يصبح جاهزًا للعمل، وسيجري نشر هذا النظام أولًا في الجنوب (جهة قطاع غزة الذي يحتضن المقاومة الفلسطينية)، قبل أن تنشره إسرائيل على مختلف جبهاتها للتصدي للصواريخ متوسطة وطويلة المدى.
وكانت بداية الحديث عن هذا النظام الجديد في يناير (كانون الثاني) 2020، عندما أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها تعمل على تطوير أنظمة ليزر لاعتراض تهديدات الصواريخ والمدفعية والهاون (RAM) والطائرات بدون طيار، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، جنبًا إلى جنب مع شركتي الدفاع «Rafael Advanced Systems» و«Elbit Systems».
وفي يونيو (حزيران) 2021، أكملت إسرائيل أول اختبار لهذا النظام الليزري، الذي نجح في التصدي فعليًّا لعدة طائرات بدون طيار، والتي كانت تحلق على ارتفاعات ونطاقات مختلفة، الأمر الذي وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، بأنه «اختراق تقني مهم»، ووفقًا لما جرى إعلانه، فهناك ثلاثة برامج ليزر قيد التطوير حاليًا:
- ليزر أرضي لدعم قدرات الدفاع الجوي للقبة الحديدية.
- نظام دفاع جوي يمكن تثبيته على الطائرات بدون طيار.
- نظام ليزر أرضي متنقل للدفاع عن العسكريين أثناء المناورات.
ووفقًا لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، فإن جدار الليزر الجديد سيحمي إسرائيل من الصواريخ والطائرات بدون طيار وغيرها من التهديدات، وسيكون قادرًا على تدمير الأهداف على مدى (من ثمانية إلى 10 كيلومترات)، بدقة أكبر، مما قد يجعله أكثر فاعلية من نظام الدفاع الروسي «S-400»، ونظام القبة الحديدية.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هذه التكنولوجيا الجديدة تُعالج نقطة الضعف الرئيسة التي عانت إسرائيل منها في استخدام نظام الدفاع الصاروخي «القبة الحديدية»، وهي التكلفة المرتفعة للغاية؛ إذ ذكر بينيت أن:
«غزة يمكن أن تُطلق صاروخ باتجاه إسرائيل مقابل بضع مئات منالدولارات، لكن اعتراضه يُكلِّف عشرات الآلاف من الدولارات، وفيمايو (أيار) 2021، أطلقت حماس أكثر من 4 آلاف صاروخ باتجاهإسرائيل هذه معادلة غير منطقية؛ لذا قررنا كسر هذه المعادلة».
وبذلك يكون قطاع الصناعات العسكرية الإسرائيلي قد وضع ورقة ضغط في يد الساسة؛ لأنه في حال نجاح هذا النظام في حماية إسرائيل من الصواريخ بتكلفة اقتصادية محدودة، ستُركِّز إسرائيل أكثر على تطوير الأسلحة الهجومية في مواجهة إيران، وسيصبح الهجوم على إسرائيل أكثر تكلفة وصعوبة بالنسبة لحماس، وبالأساس بالنسبة لإيران ووكلائها في المنطقة، أو كما قال بينيت: «سنلغي حلقة النار التي نصبتها إيران على حدودنا».
وبناءً على ذلك، إذا شعرت إسرائيل بأن حدودها مؤمَّنة من الضربات الإيرانية المحتملة، فإن هذا يُغيِّر معادلة الردع تمامًا، وربما يدفع إسرائيل إلى الإقدام على مغامرات عسكرية هجومية تجاه أهداف إيرانية، سواءً داخل إيران أم خارجها.
وذلك بالنظر إلى أن الأسلحة الهجومية التقليدية في إسرائيل قادرة على إصابة إيران بالفعل، إذ طوَّرت تل أبيب عائلة «أريحا» للصواريخ الباليستية، من ضمنها صاروخ «أريحا 2»، الذي قد يبلغ مداه 1800 كيلومتر، مما يضع نحو نصف إيران، بما في ذلك طهران، ضمن نطاق ضرباته، ويُعتقد أنه قادر على حمل حمولات تصل إلى ألف كيلوجرام.
وكذلك تملك إسرائيل صاروخ «أريحا 3»، والذي يؤكد الخبراء أنه قادر على ضرب أهداف على مسافة نحو 4 آلاف كيلومتر برأس حربي يزن 750 كيلوجرامًا، مما يضع كل أراضي إيران في نطاق الضربات الإسرائيلية.
القبة الحديدية من قصف غزة إلى حماية أبوظبي
أثبتت الأيام القليلة المنصرمة من عام 2022، أن الإمارات قد لا تكون في مأمن من ضربات الحوثيين، وأن أي تصعيد عسكري محتمل في المنطقة قد يضرب أعماق استقرارها الإستراتيجي، ففي 17 يناير (كانون الثاني) 2022 أسفر هجومشنَّته قوات الحوثي – عن طريق الدرونز – عن مقتل ثلاثة عمال أجانب في منشأة نفطية في أبوظبي.
وبعد أسبوع من الهجمات أطلقت القوات الإماراتية والأمريكية في قاعدة الظفرة الجوية بأبوظبي صواريخ اعتراضية لتدمير صاروخين للحوثيين، لكن في 31 يناير (كانون الثاني) من هذا العام وقع هجوم ثالث، إذ اعترضت صواريخ إماراتية صاروخًا حوثيًّا خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوج، للإمارات.
القبة الحديدية
هذه الهجمات رسَّخت الإدراك الإماراتي بأنها تحتاج إلى تعزيز منظومتها الدفاعية، خاصةً أنها أصبحت في مرمى نيران إيران ووكلائها، في حال نشوب مواجهة إقليمية – مرتقبة – بين إيران وإسرائيل، لذا دعَّمت الإمارات قدراتها الدفاعية عن طريق صفقة أمريكية، بقيمة 65 مليون دولار، عبارة عن قطع غيار لكل من الأنظمة الدفاعية الآتية:
- نظام الدفاع الصاروخي «HAWK».
- رادار تتبع الصفيف المرحلي للاعتراض على الهدف «PATRIOT».
- أنظمة الدفاع الصاروخي الطرفية عالية الارتفاع «THAAD».
وقالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة للبنتاجون: «يدعم هذا البيع قدرة الإمارات الحالية على ردع التهديدات المعادية، والدفاع عنها من خلال الحفاظ على الاستعداد التشغيلي لأنظمة الدفاع الجوي الحساسة، هذه الصفقة المقترحة ستدعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال المساعدة في تحسين أمن شريك إقليمي مهم».
لكن الاختراق الذي ربما يكون الأهم في منظومة الدفاع الإماراتية، هو ما تسرَّب من أخبار عن احتمالية أن تبيع إسرائيل منظومة «القبة الحديدية» للدفاع الصاروخي إلى الإمارات، وقالت «القناة 13» الإسرائيلية، إن محادثات جارية لبيع نظام القبة الحديدية للإمارات، الأمر الذي من شأنه التحذير من نيران واردة واعتراضها، ويرى الخبراء أن هذه الخطوة، التي كانت ترفضها إسرائيل فيما سبق، قد تمثل نواة «نظام دفاع إقليمي»، من شأنه أن يساعد في إعطاء إسرائيل تحذيرًا مسبقًا من أي هجوم محتمل من جانب طهران.
الهجوم الحوثي الأخير، الذي جاء بالتزامن مع زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى أبوظبي، يبدو أنه يهدف لتوصيل رسالة من جماعة الحوثي وإيران إلى الإمارات وإسرائيل، مفادها أن الإمارات لن تكون آمنة في علاقتها مع إسرائيل، وهو أمر قد يُسرِّع من قيام إسرائيل بتصدير نظام القبة الحديدية إلى الإمارات، إذا استقرت على هذا الخيار بالفعل.
ولا شك أن نظام القبة الحديدية سيمثل نقلة دفاعية كبيرة في منظومة التسليح الإماراتي، خاصةً إذا ما قُورن بأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية التي تملكها الإمارات بالفعل، فهو أحد أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي تطورًا في العالم، ولكن ترتبط فاعلية أدائه بتكلفة مادية مرتفعة للغاية.
إذ يعتمد النظام الإسرائيلي على إطلاق صواريخ اعتراضية في مواجهة أي صاروخ أو قذيفة هاون تقترب، وهذه الصواريخ الاعتراضية غالية الثمن، ووفقًا لأحد التقديرات الإسرائيلية، فإن وابلًا صاروخيًّا كاملًا (مثل تلك الحِزم التي كانت تُطلق من غزة)، يتطلب إطلاق منظومة القبة الحديدية لـ30 ألف صاروخ اعتراضي، تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات، ولكن، في ظل الأجواء المضطربة حاليًا، ومستقبل المواجهة مع إيران المُلبَّد بالغيوم، ستمثل منظومة القبة الحديدية ضرورة قصوى بالنسبة للتسليح الدفاعي الإماراتي.
السعودية.. الخروج من العباءة العسكرية الأمريكية
بذلت السعودية جهودًا كبيرة لإحباط هجمات الحوثيين على أراضيها أو قواتها في اليمن، باستخدام الصواريخ والدرونز، بما في ذلك اعتراض 162 صاروخًا أطلقها الحوثيون بين مارس (آذار) 2015 وأبريل (نيسان) 2020، ومع ذلك أظهرت الهجمات التي أصابت السعودية وشركتها «أرامكو»، منذ عام 2019، أنها ليست محصنة تمامًا من أسلحة الحوثيين، التي تطورها لهم طهران باستمرار، وهنا لا نتحدث عن رغبة السعودية فقط في تطوير منظومة الدفاع لديها، ولكن في تطوير منظومة هجومية تدعم تحركاتها العسكرية في اليمن، وتقف أمام التحديات الإيرانية المستقبلية.
صاروخ باليستي
ومع رفض الولايات المتحدة مرارًا بيع الصواريخ الباليستية إلى السعودية، متذرعة برغبتها في الحد من انتشار تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، اتجهت المملكة إلى شراء صاروخين باليستيين من الصين، أحدهما يعمل بالوقود السائل والآخر يعمل بالوقود الصلب، ويتراوح مدى هذه الأنظمة بين ألفين و3 آلاف كيلومتر، لتصبح هذه الصواريخ هي جوهر القوة الصاروخية الإستراتيجية للمملكة، ولتصبح السعودية الدولة الوحيدة ضمن مجلس التعاون الخليجي التي تملك صواريخ باليستية.
ولكن يبدو أن السعودية لم تكتفِ بذلك، وتتجه إلى الخروج من العباءة العسكرية الأمريكية جزئيًّا، لتعمل على تصنيع صواريخ باليستية بمساعدة الصين، وذلك وفقًا لتقييم استخباراتي أمريكي نشرته «شبكة CNN» في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2021.
وتشير صور الأقمار الصناعية لموقع بالقرب من محافظة الدوادمي (غرب الرياض)، إلى أن المملكة تنتج صواريخ باليستية تعمل بالوقود الصلب، وذلك كما يتضح من علامات «حفرة الاحتراق» التي تُستخدم للتخلص من بقايا الوقود الصلب من خط الإنتاج.
وتعد «حفرة الاحتراق» دليلًا قويًّا، وفق آراء الخبراء، على أن المنشأة تقوم بتصنيع صواريخ تعمل بالوقود الصلب، وتعد الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب خطرًا إستراتيجيًّا أكبر لأنه يمكن تزويدها بالوقود وإخفاؤها أو نقلها في قطعة واحدة وإطلاقها في أي لحظة.
وتشير الأدلة إلى أن الموقع جرى بناؤه بمساعدة صينية، وهو الموقع الذي يقع بالقرب من منشأة إنتاج «صواريخ الوطا»، ويبدو أن السعودية قد وسَّعت مصنع الوطا ليشمل منشأة إنتاج واختبار محرك الصواريخ الباليستية، وتستخدم السعودية أدوات إنتاج تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ تلك التي تنتجها الصين، مما دفع محللي المصادر المفتوحة إلى تحديد بكين بوصفه مورِّدًا محتملًا لهذه التكنولوجيا.
ويشير المحللون إلى أن الجهود السعودية قد تُغيِّر من معادلة القوة في الشرق الأوسط، ليس لخروجها من العباءة الأمريكية فقط، ولكن لأن هذا البرنامج سيعوق الجهود الأمريكية لفرض قيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهي القيود التي تتفاوض عليها حاليًا ضمن المفاوضات النووية، فلن يكون من المنطقي أن تدفع واشنطن طهران لتوقف أو تعطيل برنامجها الصاروخي، في ظل تطوير الرياض لبرنامج آخر.
إيران ترفع تكلفة الحرب عليها.. والخليج يحاول قلب الطاولة
إذا ما وضعنا جهود التسليح الدفاعية والهجومية التي تبذلها كلٌّ من إسرائيل والإمارات والسعودية على أحد جوانب رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط، فإنه بلا شك تقبع إيران على الجانب الآخر، فمنذ عام 2017، تشير الحوادث إلى قدرةالضربات العسكرية الإيرانية الدقيقة على إصابة جميع أنحاء الشرق الأوسط.
عرض عسكري إيراني
إذ استخدم الحرس الثوري فعليًّا صواريخ باليستية عالية الدقة وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار لضرب مجموعة من الأهداف بما في ذلك «داعش» في سوريا، والمليشيات الكردية في العراق، والمنشآت النفطية في السعودية، وقاعدة جوية أمريكية في العراق، وناقلة نفط مرتبطة بإسرائيل قبالة الساحل العماني.
كما قامت إيران بتوسيع أنواع ونشر منظومتها الصاروخية عبر جميع فروع قواتها العسكرية، وبين وكلائها في لبنان واليمن، وفي حين ركزت المخاوف الغربية من احتمال استخدام إيران للصواريخ بوصفها نظم توصيل نووي، أصبحت تلك الصواريخ الآن تهديدًا تقليديًّا في حد ذاتها.
وبات يُنظر إلى هذه الأسلحة على أنها الداعم لمنظومة الردع الإيراني، من خلال إثبات قدرتها على إصابة أهداف الخصوم بدقة، وفي مناطقهم الإستراتيجية، لترفع بذلك تكلفة أي حرب قد يشنها المعسكر المعادي لطهران.
كل ذلك ولَّد قوة دافعة للمعسكر المقابل للتقدم خطوة على الرقعة، في سبيل تعزيز قواه الهجومية والدفاعية، وهو الأمر الذي سيكون له رد فعل إيراني، ولكننا لن نعرف ماهية رد الفعل هذا، إلا بعد أن يتجسد في سلاح جديد تطلقه إيران أو تختبره في إحدى مناوراتها.