جيوستراتيجيك ميديا ما وراء الخبر
فاطمة أحمد الثني
يتمتع الشرق الأوسط بموقع ذات أهمية من الناحية جيواستراتيجية سياسية – اقتصادية في المنطقة العربية وعلى المستوى العالمي نظراً لأنها يشكل نقطة اتصال بين قارات العالم نظراً لما يتمتع بها من مضائق ذات أهمية نذكر أهمها قناة السويس ، باب المندب ، يعدّ مصطلح الشرق الأوسط مصطلح غربي استعماري بدأ استخدامه خلال الحرب العالمية الثانية و يشمل منطقة جغرافية تضم سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن و العراق و الخليج العربي و مصر و تركيا و إيران و تتوسع لتشمل أفغانستان و قبرص و ليبيا أحيانا ([1]) ، يتضح أن منطقة الشرق الأوسط تشمل معظم البلاد العربية و ازدادت أهمية هذه المنطقة منذ سنة 1948 م نتيجة احتلال فلسطين من قبل إسرائيل فأصبح دراسة منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية من قبل الأكاديميين السياسيين و الاقتصاديين نظراً لوجود إسرائيل في المنطقة الامر الذي سبب قطع خطوط الاتصال التجارية و الاقتصادية بل و الاجتماعية و الثقافية ، و نظراً لما تتمتع هذه المنطقة من موارد أولية و معدنية و الثروات زراعية و حيوانية و غير ذلك ، ناهيك عن طرح السوق الشرق أوسيطة الذي يؤدي إلى دمج إسرائيل تجارياً و اقتصادياً في منطقة الشرق الأوسط و انهاء المقاطعة الاقتصادية مع إسرائيل مع ضرورة احترام الدول العربية الشرق أوسطية التي انتهجت سياسية انهاء المقاطعة الاقتصادية بهدف المحافظة على أمن المنطقة ، الامر الذي يحثم علينا دراسة هذه المنطقة بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية في الدول العربية الشرق الأوسطية من اجل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي و إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ، و إقامة دولة فلسطين و انهاء النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي من خلال احترام المعاهدات الدولية مع إسرائيل و اتباع الطرق الدبلوماسية و السياسية بهدف إيجاد الحلول السلمية و التقيد بتنفيذ هذه المعاهدات .
مرت البلاد العربية ببعض التجارب النهضوية السياسية و الاقتصادية التي انعكست ايجابياً على الحياة الاجتماعية و الثقافية ، و قد كانت هناك تجربة رائدة لكل من ” محمد على ” ، و الرئيس الراحل ” جمال عبد الناصر ” رغم اختلاف الفترات التاريخية بينهما ، و في ظل ذلك كانت هناك محاولة لربط السوق المصرية بالسوق الإسرائيلية من خلال توقيع اتفاقية ” كامب ديفيد ” ، و بالتالي فإن الهدف من هذه الدراسة يتمثل في الوقوف و شرح تجربة ” محمد على ” اولاً و الظروف المحيطة بتوقيع اتفاقية ” كامب ديفيد ” ثانياً ، عليه فإنه سوف يتم تقسيم هذه الدراسة إلى أربعة محاور أساسية ، و هي :
- تجربة ” محمد على ” .
- مقارنة بين ” محمد على ” و ” جمال عبد الناصر ” .
- التحول الثقافي المصري .
- العلاقات العربية – الاسرائيلية ، المصرية – الاسرائيلية .
- تجربة ” محمد على ” 1805 – 1849 م :
تجربة ” محمد على ” في تحقيق نهضة اقتصادية في مصر من خلال إقامة الصناعات الحديثة و اصلاح و توسيع نظام الري و اصلاح النظام الضريبي و فرض احترام القانون و نشر التعليم ، و تعدّ من أكثر المحاولات وضوحاً ، و هي ليست الوحيدة في المنطقة العربية آنذاك نظراً لان هناك محاولات مشابهة لها ، حيث كان خلال العقود الأربعة الأولى من القرن الثامن عشر قبل الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798 م العديد من التجارب في تحقيق نهضة اقتصادية مستقلة في كافة بلدان المشرق العربي حققت النجاح المطلوب نظراً لأنها انتقلت بتلك البلدان من حالة الركود الاقتصادي و الثقافي علما أن بعض هذه التجارب بدأت قبل الحملة الفرنسية على مصر بزمن طويل ، و قد شملت اصلاحات ” محمد على ” إلى البلاد العربية التي امتد حكمه إليها مثلما الذي جرى في سوريا بين سنة 1831 م و بين اجباره عسكرياً على الانسحاب منها في سنة 1840 م و في السودان خلال الفترة الممتدة بين 1821 م إلى وفاة ” محمد على ” سنة 1849 م ، حيث شهدت سوريا في عهد الحكم المصري إلغاء نظام البشالق العتيق و تم وضع كل الاقليم السوري تحت ادارة حاكم مدني مقيم في د مشق و مت ادخل نظام التسجيل من اجل تنظيم الوثائق الحكومية و اصلح نظام القضاء و تم إلغاء الامتيازات المقصورة على الأثرياء حيث الجميع متساوين إمام القانون ، و ألغى ” إبراهيم باشا ” الأبن الأكبر لــ ” محمد على ” 1789 – 1848 م ، نظام الالتزام و قضى على نفوذ و احتكار الأعيان المحليين و تم فرض ضريبة شخصية جديدة و أصبح نظام التجنيد اجبارياً ، حيث لم يعدّ دفع ” البدل ” يتم قبولها من أحد كبديل للخدمة العسكرية ، إما السودان فقد قام الولاة الذين حكموه باسم ” محمد على ” بشق قنوات الري و قاموا بأجراء التجارب بهدف ادخال محاصيل و صناعات جديدة و أدخلوا إلى السودان زراعة أنواع مختلفة من الفاكهة و زراعة قصب السكر و اقاموا السواقي من اجل سقي الماشية و المنشآت لغرض تخزين المحاصيل و كافحوا الآفات الزراعية و قاموا بالتنقيب عن المعادن و احاطوا الطرق التجارية بحمايتهم و قام ” محمد على ” بارسال المزارعين و الحدادين و البنائين و التجارين و صباغين الجلود ، مما ادى إلى زيادة عدد السكان زيادة سريعة و اهتموا و ركزوا على تنمية و تعمير الخرطوم و أصلحوا مساجدهم و شيدوا مساجد جديدة و أقاموا حوضاً للسفن على شاطئ النيل و قاموا بتشجيع سكانها على بناء مساكن مستديمة لهم بدلاً من الخيام المصنوعة من الجلود و زودوهم بمواد البناء التي يحتاجونها ، إما في لبنان فقد استمر حكم الأمير ” بشير الثاني ” نحو خمسين عام من سنة 1788 م إلى سقوطه مع ” محمد على ” سنة 1840 م ، و تعدّ فترة حكمه و حسب تعبير ” فيليب حتي ” أروع ما حققه لبنان خلال اكثر من ثلاثة قرون من العصر الاقطاعي … فتميزت بالتقدم المستمر نحو تطوير لبنان و تحقيق استقلاله و توسعه ، سواء بموافقة ما خطي به لبنان في ظل هذا الأمير من عدل و أمان … في عهده جرى توسيع الطرق الضيقة و أقيمت طرق جديدة ، و أصلحت الجسور القديمة و شيدت جسور حديثة … و إذا أدرك الأمير حاجة بلده إلى الخدمات الطبية ، أرسل خمسة من الطلاب أعرق المدارس الطبية في المنطقة ، مدرسة الطب في القاهرة ، التي أسسها حليفه محمد على ([2]) ، إما في بغداد فقد شهدت الفترة ذاتها خمسة عشر سنة من حكم ” داود باشا ” 1817 – 1832 م ، حيث ركز على اصلاح التعليم و أسس مدارس جديدة و أدخل أول مطبعة في العراق و تبعا لذلك ازدادت في عصره التصانيف و التأليف المختلفة و أصبح العلماء يتسابقون إلى التقرب من ” داود باشا ” بهدف التأليف كتب له ، و تمكن من تكوين جيشاً كبيراً و أصلح نظام الجيش ايضاً و أسس مصانع المنسوجات من اجل الايفاء بحاجته ، و قد قال جملته الشهيرة بأنه ليس هناك حقوق للأوروبيين في بغداد ([3]) ، حيث قام بفرض نظاماً جديداً من اجل الحماية في مواجهة البضائع البريطانية و تم اخضاع تقييم بضائع شركة الهند الشرقية التي تمر عبر العراق لنظام صارم الامر الذي يوضح عدم رضا الشركة مما ادى إلى عزله و بعد سنة من سقوطه كتب القائم بأعمال شركة الهند الشرقية في بغداد سنة 1833 م يقول إن أهل بغداد ، و هم فيما هم فيه من بؤس ، تتعلق أبصارهم بإبراهيم .. و تجار بغداد … يأسفون لتدخل بالمرستون ( وزير الخارجية البريطانية ) لمنع إلحاق إقليمهم بالإقليم ( يقصد سوريا ) الذي يخضع لذلك الحاكم الذي بدأ و بالفعل يسمونه ” الخليفة المصري ” ([4]) .
أن المصالح و الأهداف الاستراتيجية و الاقتصادية للدول الأوروبية خلال العقود الأولى من القرن التاسع عشر كانت تخوض حروب نابليون إلى سنة 1815 م و كانت هناك حاجة إلى الصناعات الناشئة في بريطانيا و فرنسا إلى أسواق البلاد العربية و موادها الخام مازالت محدودة في كل منهما و كان رأس المال المتراكم في كلا الدولتين إمامها فرص واسعة للاستثمار المحلي لم يتم استغلالها بعد ، و يعدّ من أهم المصالح البريطانية طيلة القرن التاسع عشر تأمين طريق تجارتها مع الهند و لكن خلال العقود الأربعة الأولى من القرن التاسع عشر استمر الطريق الأفضل إلى الهند هو طريق رأس الرجاء الصالح نظراً لعدم البدء باستخدام السفن التجارية في الطريق بين أوروبا و الهند بل اقتصر استخدامها إلى سنة 1830 م على الملاحة عبر الفرات و الخليج العربي الذي أضفى بعد ذلك أهمية خاصة على العراق و لكنها شديدة البطء و المخاطر في اطار استخدام السفن الشراعية و كان طريق البحر الأحمر الذي اضفى أهمية خاصة على مصر بعد ذلك طريقاً مغلقاً إمام هذه السفن نظراً لظروف الجو لعدة شهور من كل سنة .
أهم أسباب فشل تجربة ” محمد على ” ، هي :
- أن الصناعات الوطنية التي اقامها ” محمد على ” كانت ذات تكاليف باهظة .
- أن المنسوجات التي كانت تنتجها مصانع ” محمد على ” أعلى نفقة بكثير من أسعار المنسوجات البريطانية التي كان يمكن استيرادها .
- بلغت سائره مع بداية سنة 1840 م إلى درجة كانت سوف تجبره عاجلاً أو اجلاً على ضرورة التخلي عن محاولة تحويل مصر إلى بلد صناعي .
- هاجم الساسة البريطانيون ” محمد على ” نظراً لتطبيقه نظام السخرة في بعض المشروعات العامة و يتمحور نظام السخرة حول اجبار الناس على عمل يؤدنه بدون مقابل مادي لجهدهم و إنما بإطعامهم طعاماً ردئياً و الكساء الردئ و يعملون في ظروف صعبة للغاية في أيام الحر و البرد و تم اتهام ” محمد على ” بأنه مارس الاستبداد و الارهاب و لم يساهم في تمدن مصر .
- مدى ارتفاع الضرائب و التطبيق الصارم لنظام الخدمة العسكرية الاجبارية ادى إلى سقوط نظام حكمه في سوريا و السودان .
- أن الفتوحات العربية لـــ ” محمد على ” لم تكن مدفوعة بدافع الشعور القومي بل من خلال طموحه و هدفه الشخصي .
- مقارنة بين ” محمد على ” و ” جمال عبد الناصر ” :
رغم التفاوت الكبير بين الظروف المحيطة بتجربة ” محمد على ” في منتصف القرن التاسع عشر و الظروف المحيطة بتجربة ” جمال عبد الناصر ” التي بدأت بتاريخ 23/يوليو/1952 م – 28/سبتمبر/1970 م ، نظراً لانتهاج كلا منهما سياسات اصلاحات في العديد من المجالات السياسية و الاقتصادية و الزراعية ، و نحاول المقارنة بينهما في مجموعة من النقاط ، و هي :
اولاً ” جمال عبد الناصر ” 1952 – 1970 م :
- حظى ” جمال عبد الناصر ” بدعم الاتحاد السوفياتي نظراً لعلاقة الصداقة التي تربط بينهما .
- اكتفى الاتحاد السوفياتي بمعارضة عدوان إسرائيل على مصر و سوريا و الأردن سنة 1967 م مع التأييد الأدبي و الرمزي لمصر في منظمة الأمم المتحدة دون المحاربة مع مصر ، و مع عدم تعويض الاتحاد السوفياتي السلاح العربي المفقود بالسرعة المطلوب بحجة أنها غير متوفرة و قد تم تعويض هذا السلاح تدريجياً بعد سنة 1967 بأسلحة سوفياتية و تميز السلاح الجديد بأنها غير كافياً لتحرير الأرض مما يوضح أن حرب الاستنزاف يجب أن تتم في حدود لا يمكن تجاوزها .
- مدى ادراك ” جمال عبد الناصر ” بأنه سوف ينتهي دوره مثلما سقط زعماء العالم الثالث واحد بعد الاخر نظراً لبداية مرحلة الانفراج الدولي .
- تعرضت مصر بعد هزيمة و نكسة حزيران حرب سنة 1967 م لجمود مرحلة الاستقلال الاقتصادي و أصيبت أرادة مصر بالشلل و موارده بالنضوب و توقفت عجلة التنمية الاقتصادية و دعم حركات التحرر في الدول العربية الاخرى أو دول العالم الثالث أو في قيادة حركة التوحيد العربي .
- تراجع معدل النمو في مصر مع منتصف عقد الستينات من القرن العشرين و في الأردن و سوريا بعد حرب 1967 م إلى درجة ما يقارب أو يقل عن معدل النمو في السكان و استنفذ الانفاق العسكري نسبة كبيرة من موارد الدول الثلاث مما دفعهم إلى الاعتماد على المعونة المادية التي تقدمها دول النفط العربي .
- تحولت القضية العربية بعد حرب 1967 م من قضية تحقيق التقدم الاقتصادي أو الاشتراكية أو الوحدة إلى تحرير الأراضي العربية من الاحتلال الاسرائيلي و هي ” سيناء ، جولان ، الضفة الغربية ، قطاع غزة ” و تركز اهتمام العرب بأجراء محاولات البحث عن أسباب الهزيمة الداخلية مع دراسة وسائل الأعلام الأجنبية التي أكدت على التفوق الاسرائيلي و عدم كفاءة العرب الامر الذي سبب الانهيار النفسي في نفسية المواطن العربي مع أدراك اليساريين العرب أن كبرى الدول الاشتراكية المتمسكين بأهدافها و مبادئها لعشر السنوات يمكن أن تتحكم في سياستها اعتبارات ليست ذات علاقة بمبادئ الاشتراكية إذا تعارضت مع مصالح و أهداف الدول السوفياتية نظراً لأنها من غير الممكن تحميل الشعب أعباء جديدة أو التركيز على شعارات التنمية أو الاشتراكية نظراً لان المواطن و الشعب طاقة أصبح المطلوب من الناحية السياسية استرضاء الحكومات العربية المانحة للمعونة و استرضاء الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما أنها بإمكانها انهاء الاحتلال الإسرائيلي أو استمراره .
- بعد وفاة الرئيس الراحل ” جمال عبد الناصر ” بتاريخ 28/9/1970 م استمر القادة من بعده على ذات الاتجاه حيث صدرت قوانين تشجيع الاستثمارات الأجنبية و تم إقامة المناطق الحرة و منحت الاستثمارات الأجنبية الاعفاءات من ضرائب الدخل و وارداتها من الرسوم الجمركية و أرباحها من قيود التحويل إلى الخارج و ملكيتها من المصادرة أو التأميم و إدارتها من قبل مشاركة العمال و بدأ الاتجاه تدريجيا نحو التخلي عن الملكية العامة في الصناعة و تدخل الدولة في الاقتصاد و الحماية الممنوحة للصناعة المحلية و انتهجت العديد من البلاد العربية ذات الخطوات .
- عند بداية عقد السبعينات و خصوصاً منذ سنة 1973 م بعد الفورة النفطية ازداد تدفق السلع الأمريكية على البلاد العربية حيث زادت الصادرات الأمريكية لمصر بنسبة 78% في سنتين ( 74 – 1976 م ) ، و إلى السودان بنسبة 66% ، و إلى الأردن بنسبة 122% ، و إلى اليمن الشمالي بنسبة 150% و إلى سوريا بنسبة 597% ([5]) .
ثانياً : ” محمد على ” 1805 – 1849 م :
- لقي ” محمد على ” التأييد من فرنسا نظراً لارتباط بعلاقة صداقة معها حيث ذكرت وزارة الخارجية الفرنسية سنة 1833 م إننا نشعر بغبطة شديدة إذ نرى أننا ساهمنا في قيام و تطور هذه القوة الدولية الجديدة التي تستحق بجدارة أن تحصل على تأييدنا و مساعدتنا من حيث أننا نحرص حرصاً كبيراً على تحقيق الرخاء في بلاد البحر المتوسط ، و نحن على استعداد لان نمنح الباشا في المستقبل الدرجة نفسها من الصداقة و التأييد التي تلقاها في الماضي من
الحكومة الفرنسية ([6]) ، إلا أن الحكومة الفرنسية اكتفت بتقديم النصيحة لــ
” محمد على ” بالمقاومة دون تقديم مساعدة له مع التهديد بالحرب و الدفاع عن ” محمد على ” دون الدخول في حرب عندما هددت بريطانيا بالحرب بهدف اجبار ” محمد على ” الانسحاب من سوريا و تطبيق معاهدة سنة 1938 م .
- مدى ادراك ” محمد على ” بأن انجلترا سوف تحتل مصر نظراً لأنها تعتبر مصر جزء من الامبراطورية العثمانية من حقه كسبه .
- عدم فقدان ” محمد على ” حكم مصر بين فترة اجباره على قبول معاهدة لندن سنة 1840 م و تطبيق الاتفاقية التجارية 1838 م ، و وفاته سنة 1849 م
و لكنه فقد أي أمل في تحقيق الاستقلال الاقتصادي لمصر و شلت الارادة المصرية و موارده بالنضوب نظراً لأنها لم يعدّ بالإمكان الاستمرار في محاولة بناء اقتصاد صناعي حديث و توحيد البلاد العربية في دولة واحدة .
- استمرارية خلفاء ” محمد على ” في الحكم إلى اتاحة المجال الاقتصادي لكافة السلع و الاستثمارات الأجنبية إلا أن الدولة تخلت عن سيطرتها على الصناعة و الزراعة الوطنية .
- منذ منتصف القرن التاسع عشر تدفقت السلع الصناعية إلى البلاد العربية بهدف تحل محل منتجات الصناعة المحلية .
- التحول الثقافي العربي :
توالت العديد من الوفود من جنود الحلفاء إلى البلاد العربية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى و ازداد الاحتكاك على نطاق واسع بالعادات و التقاليد الغربية سواء في المأكل و الملبس و وسائل الترفيه ، و بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ازداد الاتجاه نحو تغريب المجتمع العربي و الثقافة العربية قوة ، و ازداد الامر سوءاً بعد وصول المهاجرين اليهود من أوروبا إلى فلسطين ، و نتج عن ذلك وصول الكهرباء إلى المنازل العربية و انتشرت السيارات و الدراجات و انتشرت السيارات و الطائرات في الصحراء العربية ، و ادى تطبيق الوسائل الطبية الحديثة في مكافحة الأوبئة لاسيما خلال الحرب العالمية الثانية عندما قام بتطبيقها الحلفاء على نطاق واسع من اجل حماية أرواح جنودهم إلى انخفاض معدل الوفيات و ارتفع معدل السكان من نحو 1% خلال الثلاثينات إلى نحو 2% في اعقاب الحرب ([7]) ، إما في مجال التعليم فقد طبقت سوريا و لبنان النظام الفرنسي ، و أنشذ التلاميذ المدارس المارسيليز قبل أن يتعلموا القراءة و الكتابة ، و اتجاه مجموعة من السودانيين إلى مدارس متقاربة أو نسخة مطابقة للمدارس البريطانية ، و اندماج الشباب الليبي في المنظمات الفاشية و قاموا بإداء التحية الفاشية و هتفوا لــ ” موسوليني ” ، و في مجال القانون تم استكمل ما بدأ قبل الحرب العالمية الأولى من تقنين أو تدوين القانون المدني و القانون الجنائي على أساس المبادئ الأوروبية و تم قبول الفائدة في المعاملات المالية ، و بدأ القانون التجاري تنظيم الشركات المساهمة و نظام الضرائب ، و خلال هذه الفترة كانت هناك دعوة بالنظر إلى ” القرآن الكريم ” باعتباره كتاب عادي مثل سائر الكتب يمكن نقده و عدم منحها القديسة عند البحث و القراءة و دعاء عميد الأدب العربي و أحد رواد التغريب في العالم العربي طه حسين ، في أهم كتبه ” في الشعر الجاهلي ” صدر سنة 1926 م إلا أنه اجرى تعديل على اسم الكتاب و حذف بعض المقاطع بعد نقده من علماء الفلسفة و اللغة من أهمهم الأديب العربي ” مصطفى صادق الرافعي ” ، و يعدّ آنذاك أكثر الكتاب العرب شهرة و أثراً ، و دعا إلى ضرورة التركيز على السير على نهج الأوروبيين و سلك طريقهم و القبول من حضارتهم خيرها و شرها و حلوها و مرها و ما يحمد منها و ما يعاب إلا أنها عدل الكتاب في سنة 1927 م و أصبح اسمه ” في الادب الجاهلي ” ، و من أهم كتبه ” مستقبل الثقافة في مصر ” الذي صدر سنة 1938 م و مازال محل نقاش إلى يومنا هذا .
و بعد حصول معظم البلاد العربية على الاستقلال السياسي و محاولات الحصول على الاستقلال الاقتصادي انعكس ذلك في البيئة الاجتماعية و الثقافي و اتضح في مصر خلال عقدي الخمسينيات و الستينات من القرن العشرين نظراً لأنها حظيت باستقرار سياسي و حققت خطوات جادة في تحقيق الاستقلال السياسي و الاقتصادي مقارنة بسوريا و العراق اللتان لم تتمتع كلاهما بتحقيق ذلك ، و قد سيطر على الطبقات العليا في مصر شعور بالإحباط و المذلة و تم فرض على عدد كبير من المثقفين من قبل الدولة قيود على حرية التعبير و حرمان قادة الحركة اليسارية من المساهمة في دفع حركة الاستقلال السياسي و الاقتصادي نظراً لمعارضتهم لبعض جوان السياسة الحكومية علما بأنهم أيدؤا الخطة الوطنية ، كما أن من الخطأ التقليل من مدى أهمية ما حققته الطبقات الوسطى و الدنيا من مكاسب نفسية و اقتصادية على حد السواء و بدأ الشعور بالكبرياء الوطني يحل محل الشعور المتراكم بتفوق الأجنبي خلال القرن التاسع عشر و هذا يوضح اتجاه الطبقات الوسطى إلى استهلاك المصنوعات المصرية إلى أن بدأ بالتدريج يتلاشى الاعتقاد بضرورة تفوق السلع الأجنبية المصرية بدلاً من الأقمشة البريطانية و تم اقتناء الاثاث المصري بمنتجات الصناعة المحلية و استخدام السجائر المصرية و شربوا المشروعات الوطنية بدلاً من الكوكاكولا التي اختفت من الأسواق و ازداد اشتراك المرأة المصرية في الحياة السياسية و الاجتماعية و تكونت طبقة عاملو صناعية كبيرة تهدف إلى إقامة مشاريع كبيرة في الاستهلاك و التعليم و يسعى أفرادها إلى حصول أبنائهم و بناتهم على شهادات جامعية و تم فتح لهم أماكن كانت مغلقة عليهم و اكتظت بها شوارع العاصمة التي كانوا يرتادونها نظراً لأنها لم تكن تقوم على خدمتهم و تم فتح لهم الشواطئ المغلقة التي تركتها الطبقات العليا ، اضافة تعدّ هذه الفترة من أكثر الفترات التي تمتعت فيها مصر بحماية و بعث التراث الثقافي و الشعبي و كيفية مساندة وسائل التعبير و إعادة اكتشافه حيث كتب الروائيون و القصصيون المصريون الذين كانوا يعدّون أكثر اتصالاً بالشعب سواء أكان عامل أو فلاح ما يعدّ اعتباره أفضل أعمالهم و تم إقامة مدرسة جديدة في الشعر و نشطت الدولة في بناء مسارح جديدة و نشر التراث العربي و تشجيع الترجمة و تقديم الدعم للفنون الشعبية و رددت الناس أغاني جديدة حققت شعبية عظيمة تتضمن كلمات في حب الوطن و الوطنية و في سنة 1966 م كتب الدكتور ” لويس عوض ” يصف الحركة الثقافية في مصر آبان هذه الفترة لقد أدى التزام الدولة المصرية بمبدأ الحياد بين القديم و الجديد ، و بين مختلف المدارس الأدبية و الفنية .. إلى اعطاء دفعة قوية لكل ما هو حيوي و خلاق ، تاركة ما هو أخذ في الانحلال ليلقى مصيره . ففجرت الثورة المصرية فيضاً صادقاً من وسائل التعبير و الإحساسات الجديدة .. و قد كان أبرز مظاهر هذا الانتصار لحركة الابداع الجديدة في ميدان التأليف المسرحي و الشعر و الفنون الشعبية و التشكيلية ففي ميدان التأليف المسرحي انتقلت مصر بعد 1952 م ، و بفضل 1952 م ، من مرحلة الترجمة و الاقتباس إلى مرحلة الحلق ، و كان الانحياز في هذه الميدان إيجابياً لدرجة أن من الممكن الحديث باطمئنان عن بداية حقيقية لمسرح وطني … فبدلاً من الترجمة و الاقتباس ، يعتمد كتاب المسرح المصري اليوم اعتماداً يكاد يكون كاملا على أنفسهم في اختيار موضوعات مسرحياتهم ، و في خلق شخصياتهم ، و في طريقة التعبير عنها ، و هم في معظم الأحوال يستمرون مادة هذه المسرحيات من حياة الناس العاديين ([8]) ، و قد تم القول مثل ذلك عن الشعر و الفنون التشكيلية .
و يتمحور النقد الحقيقي للتجربة المصرية في التنمية المستقلة خلال الفترة الممتدة بين 1955-1965 م كونها أفرطت في انتهاج سياسة الاعتماد على النفس أو في الانغلاق عن العالم و أنها كانت تمثل ما يمكن تسميته ” الاعتماد الحكومي على النفس ” نظراً لأنها اعتمدت في تحقيق التنمية على جهاز الدولة بدرجة أكثر من اعتمادها على جهود المواطنين في تعبئة المدخرات و زيادة درجة الانتاجية ، و هذا الخطأ يفسر معظم خصال التجربة المصرية خلال المرحلة المجيدة سواء أكانت اقتصادية أو غير اقتصادية ، مما يوضح عدم اتاحة المجال من قبل الحكومة للحريات الفردية و كيفية إمكانية استمرار ذلك في حالة الاعتماد على المشاركة الشعبية الحقيقية في القيام بأعباء التنمية و يفسر كيفية أغراق الجهاز الحكومي بالامتيازات غير المبررة و التساؤل الذي يطرح : في حالة كانت الحكومة استندت على تطبيق سياسة الاعتماد على تعبئة شعبية جماهيرية واسعة لقضية التنمية : هل كان هناك إمكانية لحماية الثقافة الوطنية ضد حركة التغريب الثقافي بدرجة أكبر من النجاح و الفعالية ؟
- العلاقات العربية – الإسرائيلية :
أن اتاحة المجال لتبادل التجاري مع إسرائيل سوف يؤدي إلى منع العرب من فرض ما يريدون من قيود على حركة رؤوس الأموال الأجنبية إليها لاسيما في ظل الظروف السياسية آنذاك إلا أنه قد لا يكون غير صحيح في اطار الظروف التي يتم فيها التفاوض على نوعية العلاقات الاقتصادية المزمع إقامتها في ظل الاحتلال العسكري و هذا يفسر لنا جزئياً على الأقل مدى اصرار إسرائيل على بداية مفاوضات من اجل عقد اتفاقية تجارية مع استمرارية الاحتلال الإسرائيلي لنحو ثلث سيناء و تأخير الانسحاب التام من سيناء إلى ثلاث سنوات من تاريخ التصديق على اتفاقية السلام ، كما أن الاعتقاد بأن تخفيض قيمة العملة المصرية سوف يؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية فإن قيمته العملية تتوقف على الفارق النسبي بين نفقات الانتاج في مصر و إسرائيل و بين نفقات الانتاج في مصر و الدول الصناعية المتقدمة التي اقامت مع إسرائيل اتفاقيات تجارية منحت بموجبها معاملة تفضيلية في السوق الإسرائيلية ، مما سبق يتضح صعوبة القول بمدى قدرة الصناعات المصرية الأقل اعتماداً على العمل غير الماهر أن تتمكن من منافسة صادرات الدول المتقدمة في السوق الإسرائيلية أو المصرية لمجرد تخفيض سعر الصرف و مع ضرورة الاشارة إلى اختلاف الموقف النفسي للمستهلك المصري و المستهلك الإسرائيلي الذي يتعلق بإقبال كل منهما على شراء السلع الوطنية أو الأجنبية بصرف النظر على مستوى الجودة و السعر ، إما فيما يتعلق بالمنافع العائدة على إسرائيل فإننا نجد أن المنافع الذي يمكن أن تعود على بعض الصادرات المصرية من الانفتاح على السوق الإسرائيلية دون الأكثرات بنوعية الصادرات التي لا يمكن مقارنته بالمنافع العائدة على إسرائيل من انفتاحها على مصر بسكانها البالغ عددهم أحادي عشر مرة من سكان إسرائيل لاسيما مع اتجاه المستهلك الإسرائيلي أكثر فأكثر إلى زيادة نسبة استهلاكه من السلع الواردة من الدول المتقدمة الصناعية و قد قدر البعض أن نحو نصف الواردات الإسرائيلية لا يتوفر إلا في الدول الصناعية ، و نصل في نهاية المطاف إلى مجموعة من النتائج و هي :
- أن إسرائيل لا تتمتع بفائض من رأس المال من اجل تصديره .
- أن فوائض إيرادات النفط العربية تؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية الناتجة عن وفرة رأس المال للاقتصادات العربية حتى في مواجهة الاقتصاد الأمريكي
- اعتقد البعض أن العبرة في مدى توفر رأس المال كعامل مؤثر في القدرة التنافسية لصناعة في مواجهة بقية الصناعات لا يكمن في تحقيق المدخرات بل في مدى قدرة أي من الصناعتين على تعبئته و في اطار ظروف يتيح فيها المجال للبنوك الأجنبية و فروعها في البلاد العربية بحرية اجتذاب المدخرات المحلية و رأس المال العربي و يمكن للمتخصصين معرفة أي الصناعات سوف تفوز بهذه المدخرات في نهاية الامر .
- كيفية تأثير ذلك على الاستقلال الاقتصادي للبلاد العربية و كيفية تمتعها بحرية الارادة السياسية سواء في دول العجز أو دول الفائض في رأس المال .
- الاقتصاديين و السياسيين العرب ينبغي عليهم دراسة النظام الاقتصادي الجديد و المنافع المترتبة على زيادة حصيلة الدولة من عملات أجنبية و بين مدى فقدان الدولة لقدراتها على اتخاذ مواقف سياسية مستقلة و التفصيل بين استخدام ما يمتلكونها من سلاح في تحرير أراضيهم و تحقيق الوحدة القومية العربية و بين استخدامه في حروب أفريقية و اسيوية يتم أدارتها من خلال التحكم عن بعد و ليس للعرب علاقة في كافة الأحوال .
إما فيما يتعلق بالعلاقات المصرية – الإسرائيلية نجد أن بعد العدوان الثلاثي التي شنتها كل من بريطانيا و فرنسا و إسرائيل على مصر سنة 1956 م نظراً لتأميم قناة السويس من قبل ” جمال عبد الناصر ” و تم احتلال سيناء حيث تم وضع قوات دولية طوارئ في سيناء بين حدود مصر و إسرائيل و فتح ” مضيق تيران ” إمام الملاحة الإسرائيلية ، و بعد هزيمة مصر في حرب 1967 م التي اندلعت بين إسرائيل و كل من مصر و سوريا و الأردن ادت إلى احتلال قطاع غزة و الضفة الغربية و الجولان و سيناء و تم اصدر القرار ( رقم 242 ) الذي يؤكد على مجموعة من النقاط الأساسية ، و هي :
- احترام سيادة دول المنطقة على أراضيها .
- حرية الملاحة في الممرات الدولية .
- حل مشكلة اللاجئين .
- أنشاء مناطق منزوعة السلاح .
- اقرار مبادئ سلام و عادل و دائم في الشرق الأوسط ، و ذلك وفق لما جاء في الفقرة 3 – 4 من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على :
3- يفضى جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم و الأمن و العدل الدولي عرضة للخطر .
4- يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق و مقاصد ” الأمم المتحدة ” . ([9]).
من أهم الأسباب لضغط على مصر من اجل عقد صلح مع إسرائيل خصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية أكدت على عدم أجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي التي احتلها في هذه الحرب إلا من خلال الوصول إلى تسوية نهاية للنزاع العربي – الإسرائيلي و عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل يتم الاعتراف بالوجود الشرعي لإسرائيل و انهاء المقاطعة الاقتصادية ايضا .
أن اجبار إسرائيل على الانسحاب دون مقابل من سيناء مع بداية سنة 1957 م من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، يؤكد على أن الأخيرة عملت على تهيئة الظروف المناسبة من اجل الوصول إلى التسوية من خلال اتخاذ مجموعة من الخطوات البالغة التعقيد في مجالات متعددة ، و هي :
- ضمان استحالة استرداد العرب لأراضيهم بالقوة الذي تطلب بدوره استمرار تدفق الأسلحة الحديثة إلى إسرائيل الذي وفرته الولايات المتحدة الأمريكية مع ضمان عدم معارضة الاتحاد السوفياتي لذلك في مقابل بعض التنازلات الأمريكية في مجالات اخرى و بعض المناطق على المستوى العالمي لاسيما مع بداية مرحلة الانفراج الدولي الذي اتاح ذلك بسهولة .
- تجميد حركة المقاومة الفلسطينية من خلال توجيه ضربة إلى الفلسطينيين في الأردن و لبنان .
- اخماد الأصوات المعارضة للصلح مع إسرائيل في الدول العربية التي تؤكد على ضرورة استرداد الأرض بالقوة أو على الأقل الاسترداد الكامل الفلسطيني و أولها القدس ، و قد تكفل ذلك مجموعة من الحكومات العربية و العامل المساعد الأساسي في اخماد الأصوات هو مقتل الملك ” فيصل ” سنة 1975 م نظراً لأنه أكد في ايامه الأخيرة على ضرورة استعادة القدس .
- أعداد العرب نفسياً بهدف قبول الصلح مع إسرائيل و يعدّ هذا العامل أكثر العوامل صعوبة و أقلها نجاحاً .
أكد وزير الخارجية ” هنري كيسنيجر ” عند وقوع حرب اكتوبر سنة 1973 م التي شنتها مصر و سوريا على إسرائيل بتاريخ 6/10/1973 م في سيناء و هضبة الجولان بأنها كان يستوجب الانتقال من معادلة استراتيجية إلى معادلة اخرى ، و يعدّ أحد أبرز مصممين الدبلوماسية الأمريكية نظراً لانجازه السريع فك الاشتباك في الجبهتين المصرية و السورية دون حدوث اختلال التوازن بين الأطراف المحاربة و أصر بأن على الحكومة الأمريكية أن تلعب دور محورياً من خلال استغلال حرب أكتوبر للوصول إلى التسوية للنزاع العربي الإسرائيلي لاسيما مع تقدير مصر للولايات المتحدة الأمريكية في انقاذ القنوات العسكرية المصرية و تمكنها من استرداد قناة السويس و جميع الأراضي في شبه جزيرة سيناء ، مع استرداد جزء من مرتفعات الجولان السورية و منها مدينة القنيطرة لسوريا ، و من ثم ساهمت حرب سنة 1973 م في قبول الصلح مع إسرائيل من قبل العديد من الحكومات العربية من قبيل العفو عند المقدرة الامر الذي مهد لزيارة الرئيس الراحل ” أنور السادات ” رئيس الجمهورية المصرية إلى ” القدس ” في شهر نوفمبر سنة 1977 م و قد شكلت هذه الزيارة مفاجأة لاسيما أنها تزامنت مع ايام عيد الأضحى و تم إيداعها في الوسائل المختلفة المكتوبة و المصورة مما ادى إلى اغلاق الصحف المعارضة أو تكبيلها و تعطيل البرلمانات العربية المحدودة العدد التي تتمتع بقدر من الحرية و قيام قوات الأمم المتحدة بالفصل بين جيش إسرائيل و بين من نجا من الفلسطينيين في جنوب لبنان و في هذه الأثناء تم التوقيع على اتفاقية السلام بين مصر و إسرائيل في مدينة واشنطن بتاريخ 26/3/1979 م تم الاعتراف بإسرائيل كدولة شرعية ذات سيادة حدودها المادتان الثانية و الثالثة ” المادة الثانية : أن الحدود الدائمة بين مصر و إسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر و فلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني و ذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة . و يقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس و يتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضي الطرف الآخر بما في ذلك مياهه الاقليمية و مجاله الجوي . البند الأول و الثاني من الفقرة الأول من المادة الثالثة : 1- يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة و مبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم ، و بصفة خاصة : أ) يقر الطرفان و يحترم كل منهما سيادة الآخر و سلامة أراضيه و استقلاله السياسي . ب) يقر الطرفان و يحترم كل منهما حق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الأمنه و المعترف بها ” ، و تعهدت بعدم تهديد إسرائيل بالحرب و تسوية كافة المنازعات بينهما بالطرق السلمية ، و عدم اتاحة المجال لأحد باستخدام أرضها من اجل تهديد أمن إسرائيل أو مواطنيها أو أملاكها ، و عدم التحريض ضد إسرائيل في كل الأماكن و معاقبة من يقوم بذلك حسبما جاء في المادة الثالثة من الاتفاقية ” الفقرة الثانية من المادة الثالثة : يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على اراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الاثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب أو الافعال العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان . كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة ” ، و منع أي دعاية ضد إسرائيل حسبما جاء في الملحق رقم ثلاثة من المادة الخامسة ، و اتاحة المجال للسفن الإسرائيلية و البضائع من إسرائيل و الذاهبة إليها بالمرور الحر في قناة السويس و مداخلها في مضيق تيران و خليج العقبة حسبما جاء في المادة الخامسة ” الفقرة الأولى تنص على أن : تتمتع السفن الاسرائيلية و الشحنات المتجهة من إسرائيل و إليها بحق المرور الحر في قناة السويس و مداخلها في كل من خليج السويس و البحر الأبيض المتوسط وفقا لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنطبقة على جميع الدول . كما يعامل رعايا إسرائيل و سفنها و شحناتها و كذلك الأشخاص و السفن و الشحنات المتجهة من إسرائيل و إليها معاملة لا تتسم بالتعبير في كافة الشئون المتعلقة باستخدام القناة ، الفقرة الثانية تنص على : يعتبر الطرفان أن مضيق تيران و خليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو ايقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوى . كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة و العبور الجوى من و إلى أراضيه عبر مضيق تيران و خليج العقبة ” ، عدم الدخول في أي اتفاق أو تعهد بأي التزام يتعارض مع ما تقدم و في حالة وجود تعارض بين التزامات مصر طبقا لاتفاقية ” كامب ديفيد ” التزاماتها في مواجهة أي بلد عربي آخر يكون لاتفاقية الأولوية المادة السادسة ” تنص على : لا تمس هذه المعاهدة و لا يجوز تفسيرها على أي نحو يمس بحقوق و التزامات الطرفين وفقا لميثاق الأمم المتحدة ، 2- يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نية التزاماتهما الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أي فعل أو امتناع عن فعل من جانب طرف آخر و بشكل مستقل عن آية وثيقة خارج هذه المعاهدة . 3- كما يتعهدان بأن يتخذا كافة التدابير اللازمة لكى تنطبق في علاقاتهما أحكام الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي يكونان من أطرافها بما في ذلك تقديم الاخطار المناسب للأمين العام للأمم المتحدة وجهات الايداع الاخرى لمثل هذه الاتفاقيات . 4- يتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي التزام يتعارض مع هذه المعاهدة . 5- مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة و أي من التزاماتهما الأخرى ، فان الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة و نافذة ” ، و قد تم موافقة مصر على تسليح شبه جزيرة سيناء تسليحا محدوداً نصت الاتفاقية على حدوده في المواد 2-6 من الملحق رقم 1 ، و اتاحة المجال بوجود قوات الأمم المتحدة في سيناء و حرية التنقل فيها ايضا ، و عدم إقامة موانئ حربية في سيناء ، و عدم استخدام المطارات التي إقامتها إسرائيل فيها إلا للأغراض المدنية ، و اتاحة المجال لاستخدام هذه المطارات من قبل أي دولة في الأغراض التجارية حسبما ما جاء في المادة السادسة من الملحق رقم 3 ، و تعهدت مصر بعد انسحاب إسرائيل من نحو ثلثي أراضي سيناء إلا أن في ظل الاحتلال الإسرائيلي للثلث الباقي أن تقيم علاقات دبلوماسية و قنصلية مع إسرائيل حسبما جاء في المادة الثالثة من الاتفاقية و المادة الأولى من الملحق رقم 3 أن يتم إلغاء ، أن يتم إلغاء كل القيود التي تحول دون وجود علاقات اقتصادية مع إسرائيل الامر الذي ميز إسرائيل على غيرها و القيام بإنهاء المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل ، و أن يتم الدخول مع إسرائيل خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر من انسحاب إسرائيل الأول إلى خط العريش – رأس محمد في مفاوضات من اجل عقد اتفاقية تجارية تهدف إلى تدعيم العلاقات الاقتصادية النافعة للبلدين حسبما جاء في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من الاتفاقية ” يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل و العلاقات الدبلوماسية و الاقتصادية و الثقافية و انهاء المقاطعة الاقتصادية و الحواجز ذات الطابع التمييزي المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد و السلع . كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتع مواطني الطرف الآخر الخاضعين لاختصاصه القضائي بكافة الضمانات القانونية و يوضح البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة الطرفان بمقتضاها بالتوصل الى اقامة هذه العلاقات و ذلك بالتوازي مع تنفيذ الأحكام الأخرى لهذه المعاهدة ” ، و المادة الثانية من المحلق رقم 3 ، و من اجل عقد اتفاقية ثقافية بناء على النظر إلى اتفاق وجهة نظر الطرفين على النفع الناتج عن التبادل الثقافي بينهما فجميع الميادين حسبما في المادة الثالثة من المحلق رقم 3 ، و اتاحة المجال من قبل مصر قبل بداية الانسحاب الإسرائيلي من الثلث الشرقي لسيناء بحرية مرور الأشخاص و المركبات من إسرائيل إلى مصر و في داخل الأراضي المصرية طبقا للقواعد العامة المطبقة على الأجانب في مصر دون تمييز لا تخضع له دولة أجنبية اخرى ، حرية زيارة الأماكن الدينية و التاريخية دون تمييز حسبما جاء في المادة الرابعة من الملحق رقم 3 ، اتفق الطرفان على التعاون بهدف دعم السلام و الاستقرار و التنمية في منطقة الشرق الأوسط حسبما جاء في المادة الخامسة من الملحقين رقم 3 ، ضرورة صيانة الطرق و السكك الحديدية القائمة بينهما ، العمل على بحث أنشاء طرق و سكك حديدية جديدة ، و أنشاء طريق يربط بين مصر و إسرائيل و الأردن يتيح المجال لحرية تنقل الأشخاص و المركبات و السلع ، و إقامة خطوط الاتصال بالبريد و الهاتف و البرق و الإذاعة و التليفزيون طبقاً للقواعد و الاتفاقيات الدولية حسبما جاء في المادة السادسة من المحلق رقم 3 ، و في حالة عدم وصول الطرفان إلى اتفاق يتعلق بتحديد الدول التي تشترك في تكوين قوات الأمم المتحدة التي سوف ترابط في سيناء و مراقبي الأمم المتحدة الذين سوف يرابطون في إسرائيل فإن الطرفين سوف يقبلان و يؤيدان ما قامت باقتراحه الولايات المتحدة الأمريكية بتكوين هذه القوات و المراقبين مذكرة مرفقة بالملحق رقم 1 ، مع الأخذ بالعلم ، أن إسرائيل قبلت بالانسحاب من سيناء خلال ثلاث سنوات ، إما فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين و احتلال الضفة الغربية للأردن و قطاع غزة ، و قد جاء في ذكرها في خطاب موقع بين الطرفين و موجه إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية و تم احالتها إلى اتفاقية ” كامب ديفيد ” التي عقدت بين الطرفين في واشنطن بتاريخ 17/9/1978 م ، علماً بأن الخطاب و الاتفاقية لا يشكلان الزام على إسرائيل إلا في اطار التفاوض حول المسائل المذكورة اعلاه كما لم يرد في اتفاقية شهر مارس أو محلقاتها أو في اتفاقية ” كامب ديفيد ” أي ذكر للأراضي السورية المحتلة أو القدس ، و قد تعهد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك في خطاب مؤرخ بتاريخ الاتفاقية إلى الطرفين بأنه في حالة فشل مجلس الأمن الدولي في عمل الترتيبات الضرورية من أجل تكوين القوات الدولية المتفق عليها في الاتفاقية ، فإن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سوف يكون على استعداد لاتخاذ الخطوات الضرورة من اجل تكوين قوة اخرى ملائمة و مقبولة يتكون أفرادها من عدة جنسيات ، و تقدم إلى الكونجرس الأمريكي بطلب للموافقة على تقديم منح إسرائيل مبلغ 800 مليون دولار ([10]) بغرض تغطية نفقات أنشاء مطارين جديدين يحلان محل القواعد التي سوف يتم الانسحاب منها في سيناء طبقا للاتفاقية و بتقديم مبلغ 220 مليون دولار اخرى لضمان قرض لإسرائيل قدره 2.2 ألف مليون دولار يستخدم في شراء أسلحة و معدات حربية و تقديم مبلغ 300 مليون دولار كمعونة اقتصادية لمصر ، و 50 مليون دولار اخرى لضمان قرض لمصر قدره 105 الف مليون دولار يستخدم في شراء معدات حربية و أسلحة ([11]) ، و في هذا يمكننا كتابة نبذة مختصرة على تصور طبيعة العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل و الاقتصادي العربي نظراً للانفتاح كل منهما على الآخر ، في اطار اتفاقية السلام بين مصر و إسرائيل ، حيث يتضح أن العلاقات الاقتصادية الخارجية لإسرائيل ذات نمطين أساسيين هما :
- العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية مع الدول الصناعية المتقدمة .
- العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية مع الدول الأفريقية و الآسيوية .
تتمحور العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية مع الدول الصناعية المتقدمة حول تصدير المواد الأولية و الزراعية سواء أكانت في شكلها الأول الخام أو بعد مرورها بعملية تصنيع بسيطة من الأمثلة الموالح ، الماس ، خام الفوسفات ، المنسوجات ، و بالمقابل تستورد السلع الصناعية الحديثة فيها الآلات ، الكيماويات ، الأسلحة المتطورة و الحديثة .
أما علاقتها الاقتصادية الإسرائيلية مع الدول الأفريقية و الآسيوية تنتهج إسرائيل سياسة تصدير السلع الصناعية البسيطة و المتقدمة و تستورد المواد الأولية كالأخشاب و الماس غير المصنع و البن و الكاكاو و غيرها من السلع الزراعية ، كل ما سبق يفسر تحقيق معظم الصناعات التصدير الإسرائيلية المستوى المطلوب من التقدم نظراً لما توفر لها من مهارات المهاجرين إليها من الدول الصناعية و نظراً لفرض الحماية في عقد الستينات حيث تم اتاحة المجال بالنفاذ إلى الأسواق العربية نظراً لعدم وجود معظم الصناعات في هذه الأسواق أو نظراً لاتجاه معظم الصناعات المصرية التي قامت إلى منتصف عقد الستينات من القرن العشرين إلى أسباع طلب فئات ذات الدخل المحدود نسبياً ، و يتوقع أن تجد إسرائيل في البلاد العربية بعد انهاء المقاطعة الاقتصادية سوقاً كبير لصادراتها من لسلع المعدنية و الكهربائية و الالكترونية و من السماد و المواد الكيماوية و الأسلحة و بعض الأنواع المتقدمة من المنسوجات و الأزياء و بعض أنواع الخبرة و المهارات الصناعية في مقابل استيراد إسرائيل للمواد الخام و الوقود و السلع الغذائية و الأيدي العاملة و بعض المنتجات كالصناعات البسيطة التي تتميز بارتفاع نسبة العمل فيه كالأنواع الأقل جودة من المنسوجات و بعض الصناعات الغذائية مثل الذي يسرى منذ سنة 1967 م في علاقة إسرائيل بالأراضي المحتلة في الضفة الغربية و غزة و سعت إسرائيل إلى أنهاء المقاطعة الاقتصادية مع جميع البلاد العربية و لاسيما مع سوريا و الأردن و في سنة 1957 م كتب وزير الخارجية إسرائيل السابق ” أبا إبيان ” ، أن نوعية العلاقات الاقتصادية التي تسعى إسرائيل إلى إقامتها مع البلاد العربية ليست هي كالعلاقة القائمة بين لبنان و سوريا مثلاً ، بل هي أقرب إلى العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة و أمريكا اللاتينية و أضاف إن إسرائيل سوف تقدم سوقاً للمنتجات الزراعية القابلة للتلف التي تنتجها سوريا و الأردن و لبنان ، و اللحوم التي تنتجها العراق ، و القطن الذي تنتجه مصر في حين بأنه ليس هناك مجال للشك في أن صناعاتنا قادرة على أن تجعل في متناول يد البلاد العربية منتجات من مختلف الأنواع ([12]) ، و يقول أحد الاقتصاديين المصرين ” بينت هانسن ” بأنها من الخطأ المبالغة في تصور مدى قدرة الصناعات الإسرائيلية على التفوق على الصناعات المصرية نظراً لان الصناعات الإسرائيلية ليست عالية الكفاءة في استخدامها للموارد و قد اعتمدت هذه الصناعات على توفر كميات غير محدودة من رأس المال سواء أكان بمقابل زهيد أو بدون مقابل ، و تتعرض الصناعات الإسرائيلية إلى المشاكل الناجمة عن التضخم في النفقات بسبب ارتفاع الأجور ، رغم تحقيقها بعض النجاح في التصدير إلى الدول المتقدمة نظراً لأنها حظيت بدعم من الجاليات اليهودية في هذه الدول ، مما يدّلل على أن الصناعات الإسرائيلية لم تصل إلى درجة المنافسة المطلوبة مع الدول المتقدمة ناهيك على أن بعض الصناعات المصرية التي تتميز بكفاءة لن تتعرض إلى مشاكل في منافستها للصناعات الإسرائيلية المقابلة لها لاسيما بأن اسعار الصرف تؤثر بشكل أساسي في مدى تمتع القدرة على المنافسة الاقتصادية و قد حققت البلاد العربية الفقيرة عجزاً كبيراً في ميزان التجارة بعد فتحها أبواب التجارة فإن الحل يكمن في تخفيض عملاتها مع تطبيقها سياسات نقدية و مالية مناسبة فائض من رأس المال ، و بالمقابل تراكمت أرصدة ضخمة لدول النفط العربية الغنية فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدم لإسرائيل القدرة التنافسية من حيث توفير رأس المال المطلوب كما أن اتاحة التبادل التجاري مع الدول المتقدمة لا يشكل عامل اجبار لهذه الدول على إلغاء ما تفرضه من قيود على حركة رأس المال الأجنبي إليها و إقامة المشروعات الأجنبية في إسرائيل و بالمقابل فإن بعض الصناعات المصرية تمتع بالقدرة و الكفاءة على التصدي لتحديات الناجمة من منافسة الصناعات الإسرائيلية المقابلة لها ، و لكن هذه الصناعات المصرية سوف تشمل الصناعات التي تم الاعتماد عليها بشكل كبيراً على العمل غير الماهر و على توفر بعض المواد الأولية إلا أنها سوف تعجز عن مجابهة منافسة الصناعات كثيفة الاستخدام للمهارات و الخبرة الفنية و كثيفة الاستخدام لرأس المال لاسيما مع تمكن إسرائيل من تحقيق التفوق آنذاك في الصناعات كثيفة الاستخدام للمهارات و الخبرة الفنية و كثيفة الاستخدام لرأس المال من أهمها الصناعات الكيماوية و المعدنية و الكهربائية و الحربية و السلع الاستهلاكية المعمرة ليس بسبب منحها رأس المال بكميات كبيرة من الدول الصناعية و لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية بل نظراً لهجرة الكفاءات و المهارات إليها من الدول الصناعية علما بأنها كفاءات لم تتراكم للدول الصناعية إلا من خلال عشرات السنوات من النمو الاقتصادي المستقل و الحماية ايضا ، و التساؤل حول إذا كانت مصر تمتع بالقدرة على تصدير بعض السلع الصناعية إلى إسرائيل و إنما هو ما إذا كانت العلاقات التجارية بين مصر إسرائيل من اجل تحرير التجارة بينهما سوف تكون على غرار العلاقة الاقتصادية بين دولة صناعية متقدمة و دول متخلفة نظراً لان الثانية سوف تقوم بتصدير قوة العمل غير الماهر سواء مباشراً أو غير مباشر في شكل صادرات من المواد الأولية أو صناعية بسيطة و الخدمات السياحية ، و إذا كان إلغاء مصر لحماية بعض صناعاتها يترتب عليها ذات النتائج في إسرائيل من اجل استغلال كافة امكانياتها بهدف تنمية فروع الصناعة الحديثة ، ليس هناك تناقض بين تخصص مصر في انتاج و تصدير السلع كثيفة الاستخدام لعنصر العمل نظراً لإتاحة المجال لتبادل التجاري مع إسرائيل الذي يعدّ غير مرغوب فيه ، و بين نقد اتجاه رؤوس الأموال الأجنبية إلى التركيز على انتاج السلع المصرية ذات الكثافة المرتفعة لرأس المال ، و أن العمل على ضرورة تطبيق فنون الانتاج التي تتناسب مع نسب عناصر الانتاج المتوفرة و تتيح فرصاً واسعة للعمالة و اتجاه منتجاتها من اجل اشباع السوق المحلية في مصر و حماية الصناعات المصرية الأكثر استخداماً لرأس المال حتى يبلغ الاقتصاد درجة من النمو تتيح المجال لهذه الصناعات القدرة على منافسة الواردات ، و إما ضرورة اتاحة المجال لاستيراد المنتجات و الاستثمارات كثيفة الاستخدام لرأس المال بحيث يكرس الهيكل للإنتاج آنذاك و يحل الواردات محل بعض المنتجات المحلية و دفع غيرها من المنتجات إلى التصدير بعد اتجاها إلى اشباع السوق الداخلية المصرية في السابق و هذا يعدّ مختلف الرؤى بصورة واضحة ، إلا أن ” بنيت هانسن ” قد غير رأيه فيما يتعلق بأثر تحرير العلاقات الاقتصادية بين العرب و إسرائيل دون توضيح الأسباب بين 1970 – 1973 م بعد أن عبر سنة 1970 م عن اعتقاده بإن البلاد العربية لم تخسر كثيرا : على اية حال من عدم وجود علاقات اقتصادية بينها و بين إسرائيل كتب في سنة 1973 م أن هذا القول ربما كان صحيحاً في الماضي ، أما في المستقبل فربما كان صحيحاً في الماضي ، إما في المستقبل فربما كانت المنافع التي يمكن أن يجنيها العرب كبيرة ([13]) .
الخلاصة :
تم دراسة تجربة ” محمد على ” في الاعتماد على الذات في أحداث التنمية السياسية و الاقتصادية و مقارنته بتجربة ” جمال عبد الناصر ” إلا أننا لاحظنا عدم التوازن في عملية اتخاذ القرارات في كلا التجربتين ، و تركز محور اهتمام المحور الثاني على ابرز مدى أهمية الثقافة العربية و خصوصاً في مصر نظراً لأنها بؤرة الثقافة العربية الامر الذي يتطلب ضرورة التركيز على إعادة دراسة الاتفاقيات السياسية و الاقتصادية و الثقافية المعقودة بين البلاد العربية و لعل أهمها ، معاهدة للدفاع المشترك و التعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية ، و المعاهدة الثقافية العربية اللذان يعدّان محور الاهتمام و التركيز في هذه الدراسة ، اضافة إلى منح الاهتمام إلى الاتفاقية الاقتصادية العربية و سائر الاتفاقيات مع ضرورة قراءة قرارات الشرعية الدولية بشأن النزاع العربي-الإسرائيلي ، و النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي و تفعيلها من اجل إقامة الدولة الفلسطينية الفعلية و بنائها في اطار احترام الاتفاقيات و المعاهدات مع إسرائيل و اتاحة المجال لكافة الدول العربية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية و الشراكة الأوروبية المتوسطية و الاتحاد من اجل المتوسط في اطار احترام الاتفاقيات و المعاهدات المعقودة مع ” إسرائيل ” بهدف المحافظة على الأمن و السلم الدوليين و التحلي بالعقلانية الاقتصادية و الشفافية السياسية و الاقتصادية مع المنظمات الاقتصادية الدولية و الشراكة الأوروبية المتوسطية و الاتحاد من اجل المتوسط ، ثم تم كتابة نبذة مختصرة على علاقة البلاد العربية بإسرائيل و خصوصاً مصر و كيفية إيجاد الحلول المناسبة للنزاع العربي-الإسرائيلي و النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي .
اعداد : الاستاذة فاطمة أحمد الثني – ماجستير علوم سياسية جامعة طرابلس سنة 2018-2019 م .
[1] عبد الوهاب الكيالي ، و آخرون ( تحرير ) ، موسوعة السياسة : الجزء الثالث ( بيروت : المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، 1991 ) ، ص . 45 .
[2] جلال أحمد امين ، المشرق العربي و الغرب : بحث في دور المؤثرات الخارجية في تطور النظام الاقتصادي العربي و العلاقات الاقتصادية العربية ( بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ، 1979 ) ، ص . 19 .
[3] المرجع السابق ، ص . 19 .
[4] المرجع السابق ، ص . 19 .
[5] جلال أحمد امين ، المشرق العربي و الغرب : بحث في دور المؤثرات الخارجية في تطور النظام الاقتصادي العربي و العلاقات الاقتصادية العربية ، مرجع سبق ذكره ، ص .ص 20 -21 .
[6] المرجع السابق ، ص . 81 .
[7] جلال أحمد امين ، المشرق العربي و الغرب : بحث في دور المؤثرات الخارجية في تطور النظام الاقتصادي العربي و العلاقات الاقتصادية العربية ، مرجع سبق ذكره ، ص . 41 .
[8] جلال أحمد امين ، المشرق العربي و الغرب : بحث في دور المؤثرات الخارجية في تطور النظام الاقتصادي العربي و العلاقات الاقتصادية العربية ، مرجع سبق ذكره ، ص . 56 .
[9] http:∕∕www.un.org∕ar∕documents∕charter∕chapterl.shtml . page 1 of 1-
ميثاق الأمم المتحدة .
[10] جلال أحمد امين ، المشرق العربي و الغرب : بحث في دور المؤثرات الخارجية في تطور النظام الاقتصادي العربي و العلاقات الاقتصادية العربية ، مرجع سبق ذكره ، ص . 119 .
[11] المرجع السابق ، ص . 119 .
[12] جلال أحمد امين ، المشرق العربي و الغرب : بحث في دور المؤثرات الخارجية في تطور النظام الاقتصادي العربي و العلاقات الاقتصادية العربية ، مرجع سبق ذكره ، ص . 120
[13] جلال أحمد امين ، المشرق العربي و الغرب : بحث في دور المؤثرات الخارجية في تطور النظام الاقتصادي العربي و العلاقات الاقتصادية العربية ، مرجع سبق ذكره ، ص . 125 .
