د. جواد الهنداوي
الانتخابات الامريكية و خسارة ترامب و عنادهِ بالبقاء في البيت الأبيض جعلتنا نعتقد بانَّه اصبحَ مِنَ السهل على امريكا ان تُغيّر رئيس دولة اخرى بالتآمر او بالاغتيال ، و من الصعب عليها ان تغيّر رئيسها بموجب مبدأ تداول السلطة .
الاهتمام الرسمي و الشعبي لدول وشعوب العالم بالانتخابات الامريكية و بمتابعتها يدّلُ ، دون شكْ ،على تأثير السياسات الامريكية على دول وشعوب العالم ، وحجم التدخل الامريكي في شؤونهم . خلال الانتخابات ، كان للأمريكيين حق التصويت لهذا او لذاك المُرشّح ، وكان لشعوب العالم ،التي تُراقب و تتابع ، حق التمنّي بأنتخاب هذا او ذاك المُرشّح .
سيبقى ترامب مُشكلة و مصدر حذر و ازعاج لأمريكا وللدولة العميقة وتحت مراقبتها وهو خارج الرئاسة مثلما كان وهو رئيساً .و ممكن ان نرى ترامب في ثلاث مراحل : ترامب رئيساً في المرحلة الانتقالية و أمدها محدود بشهريّن ، و ترامب وهو حزبياً جمهورياً و يّعُدُ للانتخابات القادمة ، وترامب رئيساً سابقاً و يمتلك معلومات سرّية و خطيرة عن الامن القومي والاستراتيجي الامريكي ،شأنه شأن الرؤساء الذين سبقوه، ولكن مع فارق بينه وبينهم في الشخصية والسلوك و الالتزام بعدم إفشاء الأسرار .
سيكون ترامب ،في المرحلة الانتقالية ، ليس كبطّة عرجاء ، كما هو الوصف الشائع للرئيس المنتهية ولايته ، وانما كبطّة مُقعدة لسببيّن : فهو اولاً تحت مراقبة أذرع و اجهزة الدولة العميقة ، والتي ستحول دون تنفيذ ايّ قرار متهور و انتقامي قد يقّدم عليه الرئيس في فترة انتقال السلطة ؛ وهو ،ثانياً ، تحت سوء تأثير نفسي و معنوي و شعور بغدر أصدقاء كان وفياً لهم ، و انجزَ و حققَّ لهم ما لم ينجزه و يحققه مَنْ سبقه من الرؤساء،
و اقصد اسرائيل .لم ينتظر و لم يتوقع الرئيس ترامب بانْ يصّوت ٧٥ بالمائة من اليهود في امريكا لصالح بايدن .
يهود كاليفورنيا و مالديفيا ، وحسب جريدة هارتس الاسرائيلية ، الصادرة بتاريخ ٢٠٢٠/١١/١١، و نتائج فرز التصويت هم الذين رجحّوا فوز بايدن.
ولكن لماذا صوّت اليهود لصالح بايدن؟
لسببّن : الأول يعود الى استراتيجية الدولة العميقة، و بموجبها قد ادى الرئيس ترامب ،خلال مدته الرئاسية ،دوره المطلوب تجاه اسرائيل، والعالم، وبكل تأكيد نجحَ تجاه اسرائيل وفي تطويع بعض حكاّم المنطقة ، ولكنه فشِل تجاه العالم ، وفشل اجتماعياً و سياسياً تجاه امريكا . بقاءهِ لدورة اخرى ، وحسب استراتيجية الدولة العميقة، سيقود الى تنّمرهِ و تمرّده ويصبح خارج السيطرة .
والسبب الثاني وهو مُتمّم للسبب الأول، وهو خشيّة يهود امريكا من استقواء ترامب بالحركات العنصرية البيضاء الامريكية ، والتي هي ضّد السامية ، كما أنَّ سلوك ترامب المناهض لحقوق الانسان و الحريات ، و الديمقراطية ، والذي يستخف دائماً بالقانون الدولي ،هذا السلوك الترامبي اصبح مصدر قلق و خوف ليهود امريكا .
اليوم ، ترامب رئيساً مخذولاً و مطعوناً و نادماً لما قدّمه لاسرائيل .
لن يقدمْ على مغامرة عسكرية ضّد ايران او حزب الله او سوريا الاّ اللهم ينوي ايذاء اسرائيل ودول في المنطقة توسّلت اليه لدعم و تعزيز اسرائيل . اذا أراد ان يثأر و يتّهور و ينتقم ،فسيعمل ذلك ضّدَ من خذلوه و طعنوه وحالوا دونه ودون الفوز .
قد يُقدمْ ترامب على سحب ما تبقى من قواته من العراق و من سوريا، وهو يعلم جيداً بأنَّ بقاء القوات الامريكية في العراق و في سوريا هي مصلحة اسرائيلة وليس مصلحة امريكية . اسرائيل هي التي طلبت من الرئيس ترامب ،قبل شهور ، بعدم تنفيذ قرار سحب القوات الامريكية من العراق و من سوريا .
تتولى فرنسا الآن ، و اعتقد بدافع من اسرائيل ومن بعض الدول العربية ، الطلب من الرئيس ترامب بعدم سحب قواته من العراق ، و بذريعة محاربة داعش ، و نتوقّع طبعاً خلال هذه الايام نشاط ملحوظ لداعش من اجل تبرير بقاء القوات الامريكية في العراق و في سوريا .
ترامب و بصورة السياسي الجمهوري سيعزّز دور الحركات العنصرية البيضاء وسيزيد من عمق الانقسام في الحزب الجمهوري و في المجتمع الامريكي ، ولكن سيكون تحت مجهر مراقبة و متابعة الدولة العميقة ، وقد يعرّض حياته للخطر ، ومن بين حجج و مبررات التخلصّ منه ، هو منع قيامه بإفشاء اسرار استراتيجية عن الامن القومي الامريكي و المصالح الامريكية ، لاسيما و سلوكه وشخصيته ونوباتهِ الجنونية تؤهله ، و بجدارة لهذا المصير .
سفير سابق لجمهورية العراق