د. شهاب المكاحله
على الرغم من أنه لا توجد هناك طريقة محددة لاحتساب خسائر الدول بسبب جائحة الفيروس التاجي الجديد (COVID-19) إلا أن نظرة واحدة لأسواق المال العالمي وبورصة العملات والمعادن الثمينة والنفط تشي بأن أسواق المال خسرت ما لا يقل عن ٣٠ بالمائة من قيمتها، مع اقتراب الاقتصاد العالمي من التحول من مرحلة الركود إلى الكساد بما يحاكي الكساد العظيم في القرن الماضي مع اختلاف القيم المالية.
فمنذ بداية العالم ٢٠٢٠، تسبب فيروس كورونا بإضعاف القدرات الشرائية ليس للأفراد فحسب بل وللدول كذلك ما دفع بعضها إلى اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي بما فيها الولايات المتحدة والصين اللتين ضخت تريليونات من الدولارات لإنعاش أسواقها واقتصاداتها نظراً لتوقف عجلة الانتاج المصحوب بضعف الطلب العالمي وخصوصاً على قطاع النفط والغاز.
يمكن أن يزداد عدد حالات الإفلاس في الكثير من دول العالم بسرعة إذا لم يتحسن النشاط الاقتصادي قريباً وهذا الأمر هو المرجح في الوقت الراهن إذ لن يستعيد الاقتصاد العالمي عافيته قبل مضي أعوام على الجائحة. وليس أدل على ذلك من نظرة بسيطة على الاقتصاد الصيني والأميركي اللذين بدءا يعانيان معاً وخصوصاً الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من تبخر السيولة النقدية ما يعني عدم قدرة هذا القطاع على الوفاء بالتزاماته مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشركات الصينية والأميركية اليوم لديها عبئ ديون ضخم جداً يصل إلى ١٥٠ و٢١٠ بالمائة على التوالي.
وهنا لا بد من العودة إلى تحليل السياسة النقدية أولاً وتصنيف مرحلة الصدمة بالجائحة من ناحية العرض والطلب. بالنسبة للكثيرين فإن الفيروس أثر سلباً على العرض ومن ثم على الطلب. لذلك فإن حالة عدم اليقين العالمية تعني الانتظار حتى تنزاح هذه الغيمة التي تسببت في إعلان الكثير من الدول خفض سعر الفائدة من أجل تحفيز القطاع الخاص والأسر على ادخار أقل وإنفاق أكثر، ولكن من الناحية النظرية يمكن تطبيق ذلك على الدول التي بها دوران نقد سريع أما في دول العالم الثالث فإن الادخار– إن لم يكن معدوماً — فهو محدود والإنفاق يزداد في مثل هذه الظروف للتحوط والطوارئ وغيرها. لذلك لا بد من تفعيل النظرية النقدية الكينزية الجديدة للعمل على استقرار الاقتصاد عند مستوى الناتج المحلي الإجمالي المحتمل من أجل المحافظة على استقرار الأسعار وهنا لا نعني أسعار السلع الأساسية فقط بل الخدمات والعقارات وغيرها.
وللحد من تأثير الجائحة على الاقتصاد المحلي، فلا بد من التركيز على المسار الديناميكي قصير المدى للاقتصاد بأن تأخذ الدولة بالحسبان حالة عدم اليقين في الاعتبار مع إبقاء المرونة في السياسة النقدية لتخفيف الآثار الاقتصادية السلبية قصيرة المدى علما بأن الدول الأخرى ليست بأحسن حال من الأردن لأن الجميع لم يكن يوما يتوقع أن يتوقف النشاط الاقتصادي والانتاجي والاستثماري والاستهلاكي.