عمر نجيب
رغم مرور حوالي شهر على فشل منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك والدول المنتجة والمصدرة المتحالفة معها “اوبك زائد” في الاتفاق خلال اجتماعها في فيينا يوم 5 مارس 2020 على آلية لخفض الانتاج بهدف وقف تدهور أسعار الذهب الأسود في السوق الدولية، لا يزال الخلاف قائما بين السياسيين والمحللين وغيرهم حول الأهداف والدوافع الحقيقية للأطراف المنتجة الرئيسية من حرب إغراق الأسواق وبالتالي تواصل إنهيار الأسعار.
البعض تحدث عن مشروع لإضعاف اقتصاديات روسيا وفنزويلا وإيران أساسا لإعتمادها بدرجات متفاوتة على مداخيل النفط، آخرون تحدثوا عن إتفاق سري بين موسكو والرياض مغطى بتصريحات متضاربة بهدف استعادة حصتهما في السوق العالمية عن طريق دفع منتجي النفط الصخري الأمريكي إلى الافلاس عندما لا تغطي الاسعار المتدنية تكلفة انتاجهم، وبالتالي إعادة الولايات المتحدة إلى وضع المستورد للنفط بعد أن تحولت إلى مصدر ومنتج رئيسي. البعض ذكر كذلك أن الأسعار المتدنية وإذا استمرت لمدة ستة أشهر على أقل تقدير لن تدفن فقط شركات النفط الصخري الأمريكية والكندية بل ستدمر انتاج الكثير من الحقول حول العالم التي ترتفع فيها التكلفة مثل جزء من الانتاج البريطاني والنرويجي في مياه الشمال الاطلسي وسيمكن لأوبك تبعا لذلك أن تستعيد قوتها في السوق الدولية والتي تضاءلت تدريجيا خلال العقدين الماضيين.
وجد أصحاب نظرية التآمر على موسكو وطهران وكركاس دعما في البداية خاصة بعد أن رحب الرئيس الأمريكي ترامب بتدني أسعار النفط وإنعكاساتها الإيجابية على المستهلك الأمريكي حيث تراجع سعر البنزين في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى في 20 عاما، ووصل سعر البيع للمستهلك إلى ما دون الدولار للغالون في بعض الولايات، ولكن الأمور تبدلت نوعا ما عندما أظهرت مؤشرات سوق الأوراق المالية في وول ستريت إنهيار أسهم الشركات الأمريكية المنتجة للنفط الصخري، وما لبثت أن لحقت بها الكثير من الشركات، وبدأت أصوات الأنين تسمع من البيت الأبيض.
ربط كثيرون بين الاختلالات في الأسواق وآثار جانحة كوفيد 19 مؤكدين أنها المؤثر الأكبر. خلال الأيام التي تلت اجتماع فيينا تناول المحللون بالدرس قدرات موسكو والرياض على الصمود اقتصاديا أمام الأسعار المتدنية للذهب الأسود، في حين تحدث آخرون عن المستفيدين من رخص اسعار الذهب الأسود، طبعا دول العالم الثالث كانت في مقدمة المنتفعين، ولكن عددا قليلا تناول بالدرس مكاسب الصين التي تستورد كميات هائلة من النفط. أحد الخبراء في لندن ذكر أن أرباح الصين من الاسعار المنخفضة ستعوض الجزء الأكبر من خسائرها خلال الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وأزمة كورونا.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن تكملة شهر مارس بعد إجتماع فيينا شهدت خليطا من الاخبار والتفسيرات المتضاربة التي كان بعضها ورغم صدورها من أفواه خبراء لا يصمد لأكثر من ساعات محدودة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حمل يوم الجمعة 3 أبريل، السعودية مسؤولية انهيار الأسعار، فيما قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إن وزير الطاقة الروسي كان هو المبادر في الخروج للإعلام يوم 5 مارس والتصريح بأن الدول في حل من التزاماتها اعتبارا من الأول من أبريل، مما أدى إلى زيادة الدول في إنتاجها لمقابلة انخفاض الأسعار لتعويض النقص في الإيرادات.
من جانبه، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن “موقف المملكة من إنتاج البترول الصخري معروف وأنه جزء مهم من مصادر الطاقة، وأن السعودية تسعى للوصول إلى المزيد من التخفيضات وتحقيق توازن السوق وهو ما فيه مصلحة لمنتجي البترول الصخري، بعكس ما صدر عن روسيا ورغبتها في بقاء الأسعار منخفضة للتأثير على البترول الصخري”.
الضبابية ظلت سائدة على المشهد وإن بدأت تخف كثافتها بعد أن تحركت الادارة الأمريكية مع بداية شهر أبريل 2020 لإقناع السعودية وروسيا وأعضاء الاوبك بالتحرك لوقف عملية إغراق الاسواق بالنفط وبالتالي الحد من إنهيار الأسعار.
ولكن مرة اخرى طرح سؤال حول من سيخفض الانتاج وبأي قدر ونسبة؟. وهل ستشارك الولايات المتحدة وأطراف أخرى خارج الاوبك في الخفض الكفيل برفع الاسعار؟. وما هو السعر الذي ستقدر مختلف الأطراف المؤثرة أنه الأفضل والمناسب لها؟. وكيف ستوضع الآليات للحفاظ عليه إذا كان هناك تفاهم.
في التفاصيل تظهر المشاكل.
فاقد غير مسبوق في الطلب
تحدث الرئيس الأمريكي ترامب يوم 2 أبريل عن خفض قدره 10 ملايين برميل يوميا لإعادة الاستقرار إلى الأسواق، بعده بساعات ذكر مصدر في البيت الأبيض رقم 15 مليون برميل يوميا.
ولكن يوم 3 أبريل قال مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول إن خفض أوبك ودول منتجة أخرى لإنتاج النفط بشكل كبير لن يكون كافيا للحيلولة دون تراكم هائل لمخزونات الخام العالمية في الربع الثاني من العام، إذ تؤدي إجراءات لاحتواء فيروس كورونا إلى فاقد ”غير مسبوق“ في الطلب.
وذكر بيرول لرويترز إنه حتى مع خفض للإنتاج بما يصل إلى عشرة ملايين برميل يوميا، والذي ربما تناقشه أوبك ومنتجون آخرون، سيظل هناك تراكم يومي بمقدار 15 مليون برميل في الربع الثاني.
من جانبها ذكرت الخبيرة في مركز الطاقة بكلية سكولكوفو للإدارة في موسكو، ايكاترينا غروشيفينكو، إن استقرار السوق لا يتعلق الآن بسلوك الشركات المصنعة، بمقدار ما يتعلق بتطور فيروس كورونا في العالم، الذي له الآن تأثير قوي على الطلب. فتقديرات مؤسسة غولدمان ساكس الأكثر سلبية لتراجع الطلب تقول بتراجع يبلغ 26 مليون برميل يوميا.
المعروف أن الإنتاج الروسي بلغ 10.7 مليون برميل في اليوم، أما السعودي فحوالي 9.8 مليون برميل في اليوم خلال شهر فبراير، وفق آخر تقرير شهري لمنظمة أوبك.
مصدر مقرب من تحالف “أوبك زائد” أفاد أن الاجتماع المقبل سيناقش خفضا للإمدادات العالمية بواقع 10 ملايين برميل يوميا أي حوالي 10 في المائة من المعروض العالمي، مضيفا أن أي تخفيضات إضافية يجب أن تأتي من منتجين من خارج التحالف.
وقال أحد مصادر أوبك إن “المشكلة الأولى هي أنه يتعين علينا أن نخفض مستوى الإنتاج الحالي الآن، وليس العودة إلى مستوى ما قبل الأزمة”.
وأضاف أن “القضية الثانية هي أنه يجب على الأمريكيين القيام بدور”.
الحديث عن منتجين آخرين يساهمون في خفض الانتاج يعني لاوبك الولايات المتحدة، ولكن حتى بداية الاسبوع الثاني من أبريل لم يصدر أي مؤشر إيجابي من البيت الأبيض بل على العكس صدرت اشارات تهديد.
فقد ذكر ترامب في إحاطة إعلامية بواشنطن: “الرسوم تدر الكثير من المال على بلدنا، نحن فرضناها على الصين ودول أخرى، ودول أخرى فرضتها علينا”. وتابع قائلا: “هل سأفعل هذا من أجل النفط؟. نعم أستطيع، لكن هل سأفعل ذلك الآن؟. لا. أفكر بفرضها لا. ولكن إذا تمت معاملتنا بطريقة غير نزيهة، فمن الواضح أن هذه أداة في ترسانتنا”.
وكانت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية قد ذكرت يوم 3 أبريل إن مسؤولين أمريكيين وكنديين يناقشون فرض رسوم على واردات النفط الروسية والسعودية إذا لم تتوصل الدولتان لاتفاق ينهي “حرب أسعار” النفط. بل ذهب البعض الى ان واشنطن قد تذهب إلى حد فرض عقوبات على من يشتري النفط الروسي أو السعودي.
المعروف أنه رغم أن الولايات المتحدة تصدر كميات هامة من النفط إلى الاسواق الخارجية فإنها وبناء على مكانيزمات التجارة تستورد كذلك النفط.
وكان ترامب قد تعهد بالدفاع عن القطاع النفطي في الولايات المتحدة، المنتج الأول في العالم مع 13 مليون برميل في اليوم، إلا أن تكلفة النفط الصخري الذي يستخرجه هذا البلد مرتفعة ولا يعود إنتاجه مربحا بمستوى الأسعار الحالي.
وبعد ظهر يوم الجمعة 3 أبريل اجتمع ترامب مع رؤساء شركات النفط الأمريكية الكبرى في البيت الأبيض لمناقشة الهبوط التاريخي في أسعار الخام الذي يهدد أنشطتهم.
وقبيل بدء المحادثات، قال ترامب للصحفيين وقد أحاط به وزراء ومشرعين من ولايات نفطية ورؤساء شركة نفطية كبرى مثل اكسون موبيل وشيفرون وكونتيننتال ريسورسز ”سنجتاز هذا المأزق وسنستعيد نشاط قطاعنا للطاقة“.
وقالت مصادر مطلعة إن الإدارة قد تعرض سبلا لمساعدة صناعة النفط على تجاوز الأزمة، بما في ذلك فرض رسوم استيراد على النفط الخام الأجنبي أو تيسير القواعد التنظيمية لتصدير الشحنات.
وكان ترامب قد صرح يوم الخميس إنه لم يقدم أي تنازلات للسعودية أو روسيا ولم يوافق على خفض انتاج النفط الأمريكي. وأبلغ مسؤول أمريكي رويترز أن الهبوط في الأسعار أرغم بالفعل شركات نفط أمريكية كبرى على خفض الانتاج، فيما اعلنت شركات متوسطة افلاسها.
أحد أكبر متعاملي النفط في العالم قال إن طاقة تخزين الخام العالمية توشك على النفاد وإن منتجي النفط الصخري الأمريكيين يبيعون الخام بالمجان تقريبا لكنهم مازالوا يرفضون تقليص الإنتاج، على أمل أن يجتازوا العاصفة بسلام.
وابلغ ماركو دوناند، الرئيس التنفيذي لمجموعة مركوريا إنرجي، إن التطورات تبرز الصعوبات التي تواجهها روسيا والسعودية في محاولتهما الحد من منافسة النفط الصخري الأمريكي عن طريق الأسعار المنخفضة. وذكر لرويترز بالهاتف ”في الولايات المتحدة، نشتري بمستويات تقترب من الصفر لكن نظرا لالتزامات شتى تجاه خطوط الأنابيب والبنوك فإنهم يواصلون البيع. يمضون بلا توقف على أمل أن يعود الطلب، فيعودون إلى الحياة“.
ايكاترينا غروشيفينكو الخبيرة في مركز الطاقة بكلية سكولكوفو، ترى أن هناك، الآن، عدة سيناريوهات للتطورات المستقبلية:
الأول، هو العودة إلى صفقة “أوبك زائد”، والثاني، استئناف صفقة “أوبك زائد” بشكل موسع. ولكن، في حال تحقق التوقعات السلبية للطلب، لن تنفع جهود “أوبك زائد”، والثالث، الانتعاش السريع. فمن شأن الانتعاش الاقتصادي في الصين والتغلب على وباء كورونا في الولايات المتحدة وأوروبا أن يعيدا التوازن إلى السوق، وأما الرابع، فحرب من أجل البقاء. لا أحد يخفض الإنتاج، والأقوى يبقى.
أما المحلل في قسم العمليات التجارية في سوق الأوراق المالية الروسية لشركة “فريدم فاينانس انفستمنت”، ألكسندر أوسين، فيرى أن السوق سوف يتقاسمها أكبر ثلاثة لاعبين، في إطار المحادثات التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي.
وهكذا، كما يتصور أوسين، هناك مصلحة لدول الشرق الأوسط ومنتجي النفط الصخري في رفع الأسعار. وعلى هذه الخلفية، فإن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة حول التأثير السلبي لأسعار النفط الحالية على الاقتصاد الأمريكي ذات دلالة خاصة.
الوقود الحيوي
قطاع آخر في مركب الطاقة الأمريكي والاوروبي بدأ يلفظ أنفاسه الا وهو الوقود الحيوي.
يواصل انتشار فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط تسديد الضربات القاسية لصناعة الوقود الحيوي، لدرجة قادت إلى إغلاق عدد من مصانع الإيثانول. وللأسف قد لا يعود بعضها أبدا للعمل.
وتخضع صناعة الوقود الحيوي كلها لإعادة تقييم. فمنذ فترة طويلة حتى قبل اتساع جائحة كورونا التي حولت الطرق التي كانت مكتظة إلى طرق مهجورة وأشعلت حرب أسعار النفط، كان المنتجون يكافحون للتأقلم مع فائض المعروض والاضطرابات التجارية. والآن أصبح تراجع الطلب والأسعار يعني أن صغار المنتجين ومن لديهم ديون كبيرة سيكافحون للنجاة في ظل خسائرهم.
وفي تحليل لوكالة “بلومبرغ” للأنباء، قال تود بيكر المسؤول التنفيذي لمصنع “جرين بلاينز” الأمريكي لإنتاج الإيثانول: ”عندما نتجاوز حدثي البجعة السوداء (في إشارة إلى نظرية البجعة السوداء التي تشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة) … أي حرب أسعار النفط وفيروس كورونا … ربما نبدو مختلفين كصناعة … هناك بالتأكيد مصانع سينفد رأس مالها”.
وتواجه هذه الصناعة، التي كان ينظر إليها كبديل أكثر مراعاة للبيئة وكوسيلة لتجنب بعض الدول الاعتماد على النفط الأجنبي، ضربة ساحقة من جانب آخر. فمصانع إنتاج الإيثانول من الذرة في الولايات المتحدة تغلق أبوابها، وديون المنتجين البرازيليين للوقود القائم على قصب السكر مستمرة في التزايد، كما أن الجهود المبذولة لاستخدام المزيد من الوقود الحيوي أصبحت مهددة في آسيا. أما في أوروبا، فتحول المنتجون إما لخفض الإنتاج أو لتوفير المواد اللازمة لتصنيع معقمات الأيدي.
أسعار الوقود الرخيصة مؤلمة لمنتجي الوقود الحيوي والمزارعين الأمريكيين، الذين يبيعون نحو ثلث إنتاجهم من الذرة لمصانع الإيثانول.
ويكافح المنتجون لتوفير مستودعات للتخزين في ظل استمرار تراجع الطلب. ووفقا لـ”غرين بلاينز” فإنه خلال الثلاثين يوما القادمة سيتوقف إنتاج ثلاثة إلى أربعة مليارات غالون من الإنتاج الأمريكي.
وكانت شركة “آرتشر دانيلز – ميدلاند” عملاق الأعمال التجارية الزراعية بدأت إنتاج الإيثانول في أواخر السبعينيات. إلا أن الأمر استغرق حتى مطلع الألفية عندما أعلن الرئيس آنذاك جورج دبليو بوش تفويضا لاستخدام هذا الوقود للحد من الاعتماد على النفط المستورد، ومنذ ذلك الحين بدأت الصناعة في الاتساع. إلا أن بعض المصانع أفلست بعدما ارتفعت أسعار الذرة في وقت الأزمة المالية.
وفي آسيا، وصلت أسعار زيت النخيل إلى أعلى سعر مقابل الديزل خلال سنوات، وهو الارتفاع الذي من المحتمل أن ينسف الجهود التي تبذلها إندونيسيا وماليزيا للترويج للمزيد من استخدام الوقود الحيوي محليا.
من المنتصر ؟
كتب المحلل السياسي ألكسندر نازاروف في موسكو:
تواصل وسائل الإعلام الغربية والعربية الحديث عما تسميه “حرب النفط السعودية الروسية”، على الرغم من إنكار كلا الطرفين لذلك. في نفس الغضون، يبدو أن الهدف الحقيقي للسعوديين، متمثلا في صناعة النفط الصخري الأمريكي، قد شعر بقوة الضربة. وكانت الصحف الغربية، منذ شهر واحد، قد نوهت بأن تسريبات عما أسمته موافقة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على “المحاولات السعودية لتدمير روسيا، ولكن مع الإبقاء على أسعار النفط في نطاق مقبول بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية”. مع ذلك، وعلى خلفية الهدوء الروسي، كانت الولايات المتحدة هي من أثارت الضجة أولا لوقف هذه الحرب.
لم تكن الكارثة التي حلت بصناعة النفط الصخري الأمريكية ملحوظة في خضم الارتفاع الحاد في معدلات البطالة وتراجع الاقتصاد الأمريكي بسبب جائحة فيروس كورونا. لكن الشركات الأمريكية العاملة في قطاع النفط الصخري أصبحت على وشك الإفلاس. بل إن شركة “وايتينغ بتروليوم”، رائدة استخراج النفط الصخري سابقا، أعلنت إفلاسها يوم 1 أبريل. وذلك إلى جانب إعلان عدد من شركات النفط الصخري الأمريكية في تكساس عن استعدادها للمشاركة في خفض الإنتاج الإضافي، وهو ما كانت روسيا تسعى إليه برفضها خفض الإنتاج. من ناحية أخرى دعت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى التدخل واتخاذ إجراءات صارمة ضد السعودية لإنقاذ صناعة النفط الصخري الأمريكية.
لقد أدت إجراءات الحجر الصحي، والذعر المنتشر في جميع أنحاء العالم بسبب جائحة فيروس كورونا إلى تراجع في قطاعات الصناعة والنقل، وهو ما أدى بالتالي إلى انخفاض في استهلاك النفط. فقد تراجع استهلاك النفط في الصين بنسبة 20 في المائة أثناء الحجر الصحي، والآن ومع احتمال اندلاع موجة ثانية من عودة تفشي المرض في الصين، تنضم المزيد من الدول الكبرى في العالم إلى الحجر الصحي، وهو ما يهدد بانخفاض إضافي في استهلاك النفط قد يصل في أسوأ السيناريوهات إلى بضع عشرات في المئة، وهو ما يزيد بعدة مرات عن إجمالي إنتاج السعودية من النفط.
إن هذا العامل تحديدا، وليس زيادة الإنتاج من قبل السعوديين، هو ما أصبح فعليا العامل الرئيسي في انخفاض أسعار النفط. ومع انهيار الاقتصاد العالمي، لم يعد السعوديون يسيطرون على مجريات الأمور، ولن يتمكنوا من كسب الحرب، حتى ولو لجأوا إلى إفلاس الجميع. فالضربة للاقتصاد العالمي قوية لدرجة أن الصناعة قد لا تتعافى، وقد لا ترتفع أسعار النفط إلى المستوى الذي يريده السعوديون.
اختبار صعب لتحالف “أوبك زائد”
جاء في تحليل كتبته رانيا الجمل ودميتري جدانيكوف لوكالة رويترز يوم 2 أبريل:
يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه توسط في صفقة بين السعودية وروسيا تتضمن تخفيضات كاسحة على إنتاج النفط. الرياض دعت إلى محادثات طارئة، وموسكو تقول إنها لم تعد تخطط لزيادة الإنتاج في معركة على الحصة السوقية.
لكن يبقى السؤال: حتى إذا توصل أكبر ثلاثة منتجين في العالم إلى اتفاق غير مسبوق لكبح إنتاج النفط، هل يمكن لأي صفقة أن تحجب ما يكفي منه في الوقت الذي قضى فيه فيروس كورونا على ثلث الطلب العالمي على الخام؟.
غير أن شيئا واحدا أضحى واضحا: بعد أن أخذت أسعار النفط في الأشهر الثلاثة الأخيرة بعض أشد انحناءاتها في التاريخ، فإن التحرك في مواجهة ذلك سيكون اختبارا صعبا، إن لم يكن مستحيلا، لتحالف أوبك زائد، التجمع غير الرسمي الذي دعم أسعار الخام لثلاث سنوات إلى أن انهار اتفاقه في مارس.
يقول مصدر في أوبك أحيط علما بسياسة النفط السعودية إن حجم التراجع في الطلب قد يتطلب تحركا يتجاوز المدى الذي يمكن لمجموعة أوبك زائد أن تمضي إليه منفردة. وقال ”هذا وضع استثنائي يتطلب إجراءات استثنائية“.
تراجع الطلب على النفط بما يصل إلى 30 مليون برميل يوميا، أي ما يقارب إنتاج السعودية وروسيا والولايات المتحدة معا.
يتجاوز التراجع أيضا أغلب إنتاج جميع أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول، التي ظلت لعقود اللاعب الأكثر نفوذا في سوق النفط.
وكتب مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية هذا الأسبوع ”حجم الاضطراب الحالي يفوق قدرة أوبك على إعادة توازن الأسواق بمفردها.“
وتابع ”هناك حاجة ملحة إلى تعاون دولي أكبر،“ متوقعا أن تعاني الولايات المتحدة والمنتجون الآخرون من ذوي التكلفة المرتفعة.
لم تطلب السعودية ولا روسيا بشكل مباشر من الولايات المتحدة – التي أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم بفضل ثروة النفط الصخري التي ساعدها دعم أوبك للأسعار – المشاركة في أي تخفيضات للإنتاج، وهو ما تحظره قوانين مكافحة الاحتكار الأمريكية.
لكن، في الواقع، قد تكون مشاركة أمريكية ما ضرورية في أي اتفاق إذا كان من المأمول له أن يحدث أثرا على مستوى العوامل الأساسية للسوق.
خطأ في الحسابات
يقول كيريل دميترييف، أحد كبار مفاوضي النفط الروس ورئيس صندوق الثروة السيادي الروسي، في تصريحات لرويترز ”إذا زاد عدد أعضاء أوبك زائد وانضمت دول أخرى، ثمة إمكانية لاتفاق مشترك من أجل موازنة أسواق النفط.“
لكن طريقة الاستجابة تجدد سجالا مريرا اندلع أوائل مارس في فيينا، حيث شبت الخصومة بين موسكو والرياض وانهار اتفاق أوبك زائد لتقييد المعروض على نحو مفاجئ.
فقد دعت السعودية إلى تخفيضات إضافية عميقة، قائلة إنها لم تعد مستعدة لتحمل العبء الأكبر للتخفيضات وإنها ترغب أن يتحمل الآخرون – مشيرة بوضوح إلى روسيا – حصة أكثر تناسبا.
وردت موسكو بأن تعميق التخفيضات لن يكون منطقيا لحين اتضاح المدى الكامل لتداعيات فيروس كورونا، في ضوء أن إجراءات مكافحة الفيروس تكاد توقف النشاط الاقتصادي في أنحاء العالم، لينحدر بشدة الطلب على وقود الطائرات والبنزين والديزل.
وبدلا من إيجاد طريقة لتجاوز خلافاتهما، أخطأ كلاهما في قراءة مدى عزم الأخر التمسك بموقفه. وحتى في ظل العواقب السلبية على الأوضاع المالية للبلدين، غادرا الاجتماع متعهدين بفتح الصنابير واقتناص الحصص السوقية مما أسفر في النهاية عن انهيار أسعار النفط.
وقال مصدر نفطي روسي محنك ”أخطأت روسيا حساب رد الفعل السعودي.. لم تعتقد موسكو قط أن السعوديين قد يهددون بزيادة الإنتاج لهذه الدرجة الكبيرة. ظننا أنهم سيواصلون فحسب العمل بالتخفيضات القائمة“.
أما السعودية فأخطأت تقدير مدى انهيار الطلب على النفط والذي دفع أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها فيما يقرب من 20 عاما.
أدركت الرياض سريعا أنه، في سوق مترعة بالخام، حتى المشترون الذين يمكن التعويل عليهم لا يرغبون في المزيد وأن تخفيضات الأسعار الكبيرة لن تغير هذا الوضع. فقد نأت شركات النفط الرئيسية وكبرى الدول المستهلكة عن شراء الشحنات الإضافية.
قد يكون أمام كلا الطرفين الآن فرصة لإعادة النظر – وربما سبيل لادعاء أن كلا منهما كان على صواب. ففي حالة التوصل إلى اتفاق، تستطيع الرياض أن تقول إن ضخ مزيد من الخام أجبر روسيا على العودة إلى الطاولة. وبوسع موسكو، إذا انضم آخرون، أن تقول إن أثر الفيروس تجاوز ما يمكن لمجموعة أوبك زائد أن تتعامل معه بمفردها.
أحدث ترامب، الذي قال إن موسكو والرياض ”جن جنونهما“ بضخ المزيد بعد انهيار اتفاقهما بشأن المعروض، صدمة في السوق يوم الخميس 2 ابريل بقوله إنه توسط في صفقة بين السعودية وروسيا.
وكتب ترامب على تويتر ”أتوقع وآمل أن يخفضان الإنتاج حوالي عشرة ملايين برميل، وربما أكثر بكثير وهو، إذا حدث، سيكون شيئا عظيما لصناعة النفط والغاز“ ذاكرا رقما للتخفيضات يعادل عشرة بالمئة من المعروض العالمي.
إذا لم يشارك المنتجون الأمريكيون طوعا في خفض الانتاج، فقد يجدون أنفسهم مجبرين على ذلك. ففي ظل التدني الحالي للأسعار، قد يضطرون إلى إغلاق جانب كبير من الإنتاج النفطي عالي التكلفة أو طلب المال من الحكومة تجنبا للإفلاس.
وسيكون أي اتفاق رسمي للتعاون مع أوبك معقدا بسبب قوانين مكافحة الاحتكار. لكن بعض منتجي النفط الصخري الأمريكيين في تكساس طلبوا من الهيئة المنظمة لقطاع الطاقة هناك فرض تخفيضات للمرة الأولى في 50 عاما – وقال أحد ثلاثة مفوضين بالهيئة التنظيمية الأمريكية إنه قد يكون من المنطقي إجراء ذلك.
وأجرى المفوض، رايان سيتون، اتصالا هاتفيا بالأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركندو شهر مارس.
وقال ترامب عقب حديث مع بوتين ”يوجد الكثير من النفط وهو في بعض الحالات أقل قيمة من الماء على الأرجح… لم نر قط شيئا كهذا.“
وبحث المسؤولون الأمريكيون عددا من الأفكار بشأن الطريقة التي يمكن للولايات المتحدة أن تساهم بها في إدارة أسواق النفط العالمية.
لكن في بادرة تجاه موسكو، عرضت الولايات المتحدة هذا الأسبوع الشروع في رفع العقوبات المفروضة على فنزويلا إذا اتفقت المعارضة وأعضاء بالحكومة على تشكيل حكومة انتقالية، في تحول عن سياسة تصفها موسكو بغير العادلة.
وقال المصدر في أوبك إن من غير الواضح ما الذي يمكن أن تقترحه واشنطن على الرياض لتخفيف الأزمة.
ومن غير الواضح أيضا إن كان بوسع المنتجين التحرك بالسرعة الكافية لإحداث تغيير سريع في مثل هذه الأوقات المضطربة.
وقال سعد رحيم، كبير الاقتصاديين في ترافيغورا لتجارة السلع الأولية، ”من حين لآخر عندما يقول ترامب إنه سيتحدث إلى بوتين بخصوص الطاقة، ترتفع الأسواق قليلا.. لكن… الوقت تأخر كثيرا“.
أوبك ستزداد قوة
جاء في تحليل لوكالة “بلاتس” الدولية للمعلومات النفطية صدر في 22 مارس 2020، إن وضع السوق النفطية في شكلها الحالي قد يقوي مركز “أوبك”، إذا أخذنا في الحسبان أن الإنتاج الأمريكي من الخام يواجه مشكلة طاحنة، وأن عديدا من الحلول المؤقتة ستؤدي في النهاية إلى موت مؤلم بطيء لكثير من مشاريع النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة.
وأضافت “بلاتس”، أن وضع السوق سيئ وأن هناك انسدادا في الأفق وغيابا في القراءة المستقبلية لوضع الصناعة، وهو ما أدى إلى تهاوي أسعار النفط، على الرغم من جهود احتواء تداعيات انتشار فيروس “كورونا”، ونقص الوضوح فيما يتعلق بجهود الولايات المتحدة لإنقاذ منتجي النفط المحليين.
خام غرب تكساس الوسيط أنهى الأسبوع الثالث من مارس على وضع كارثي، حيث تلقت توقعات الطلب على النفط ضربة أخرى، بينما تم تطبيق تدابير متشددة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتزامن ذلك مع حالة من التشكيك في مدى فاعلية جهود حكومة الولايات المتحدة في ملء الاحتياطي الاستراتيجي من النفط.
ونوه التحليل إلى أن مطالبة المشغلين في حقل بيرميان الأمريكي لتقليص الإنتاج، لدعم الأسعار سيكون استراتيجية فاشلة، حيث سيسمح ذلك للمنتجين الآخرين بملء الفراغ وأخذ حصة تكساس في السوق.
ولفت إلى استمرار تقلص أعمال وأنشطة الحفر الصخري، ما يخفض بشكل معتدل حجم إنتاجهم من النفط، مشيرا إلى تسجيل متوسط التخفيضات الكبيرة في ميزانيات منتجي النفط الصخري في مارس ما يقرب من 30 في المائة، ولكن الشركات التي أعلنت تخفيضات في مشاريعها الإنتاجية لعام 2020 تشهد انخفاضات حجمها بنسبة تقترب من 5 إلى 10 في المائة.
وأشار التحليل إلى أن وزارة الطاقة الأمريكية طلبت رسميا شراء ما يصل إلى 30 مليون برميل من المنتجين الأمريكيين، لدعم احتياطي النفط الاستراتيجي، لافتا إلى أن هذه هي الخطوة الأولى في خطة إدارة الرئيس ترامب لتقليل تأثير انخفاض أسعار النفط على شركات التشغيل المحلية عن طريق ملء المخزونات الحكومية إلى السعة القصوى.
وفي السياق ذاته، نقل التقرير عن إيجور سيتشين الرئيس التنفيذي لشركة “روسنفت” الروسية قناعته الخاصة بأن على أكبر منتجي النفط في العالم مواصلة التشاور، وبحث التوصل إلى صيغ جديدة للتعاون لمصلحة استقرار السوق.
ونوه التحليل إلى أن تحالف المنتجين بشكل عام تراجعت قدرته في التأثير على السوق، بسبب عدة عوامل أخرى ومتغيرات مؤثرة طرأت على وضع السوق، ومنها العوامل الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية والأزمة الطاحنة الخاصة بانتشار فيروس “كورونا” المستجد التي تهدد بركود واسع في الاقتصاد العالمي.
ويرى التقرير أن تفشي فيروس “كورونا” المستجد هو أخطر التحديات الراهنة غير المعروفة المدى الزمني، ولا الحجم الحقيقي للخسائر، منوها إلى أن قضية فيروس “كورونا” إلى جانب العوامل السياسية والعقوبات، التي تقف وراء عدم الاستقرار الحالي في السوق، وتهدد الصناعة بموجة حادة وممتدة من الخسائر الفادحة.
وذكر أن انتشار الوباء أدى إلى شلل واسع في كل مظاهر الحياة ووجه ضربات قاصمة للاقتصاد العالمي بعدما لجأت كل دول العالم إلى الحد من النقل وإلغاء الرحلات الجوية والعزلة العامة لمناطق بأكملها من العالم، ما تسبب في تهاوي مستوى الاستهلاك من الطاقة.
وحسب رأي “بلاتس”، فإن سوق النفط تعاني فائضا حادا في الإنتاج وتخمة واسعة من الإمدادات النفطية، ما يجعل توازن السوق واستقرار العرض والطلب مهمة عسيرة للغاية ما دامت أزمة فيروس “كورونا” ما زالت مشتعلة والإصابات مستمرة في التزايد، لافتة إلى ضرورة الاستفادة من التجربة الصينية في احتواء الأزمة والسيطرة عليها، واشارت أن الأزمة تعطي فرصة لعودة قدرة اوبك على لعب دورها الرائد السابق.
وأضاف التقرير أن تقلبات الأسعار تغذيها أحيانا التصريحات السياسية، ولكن السوق قادرة تدريجيا على التكيف مع التحديات التي تواجهها على الرغم من الضبابية الحالية وعدم معرفة حجم العواقب والخسائر.
ونوه إلى أن إعلان شركة روسنفت الروسية، أنها حتى بدون استثمار إضافي في الاستكشاف يمكن لها الحفاظ على الإنتاج عند الأحجام الحالية لمدة 22 عاما، يعني أن تباطؤ الاستثمارات الجديدة إذا استمرت التداعيات السلبية لأزمة تفشي فيروس “كورونا” على سوق النفط حيث من جانبها، أجرت منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” مشاورات أخيرا مع الوكالة الدولية للطاقة، التي تمثل مصالح الدول المستهلكة ومع منتجين أمريكيين لمناقشة تحديات السوق في المرحلة الراهنة بعد التهاوي الحاد في مستويات الطلب على أثر عزل المدن وفرض إجراءات الحجر الصحي وتعطل حركة الطيران في أغلب دول العالم.