إن كان فيروس الكورونا المستجد محنة للعالم، فان هذه المحنة قد تتحول بالإرادة وقليل من الجهد إلى “فرصة”.
في الوقت الذي تعاني فيه معظم دول العالم من الخسائر البشرية الفادحة المؤسفة والضرر الاقتصادي البالغ الذي سيلقي بظلاله عليها نتيجة للفيروس مما سيؤدي لتغييرات مستقبلية عميقة وجذرية في تطبيق مفهوم العولمة، لكن كما في كل محنة بالعالم توجد فرص جمة للبعض الجاهز لاستغلال هذه الفرص وتطويعها، وهنا تكمن فرصة الأردن. فرصة جدية ومهمة لجذب استثمارات دولية واقليمية جديدة لتحريك عجلة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل للأردنيين وبالذات في المحافظات الأقل حظاً.
لقد قدمت الدولة الأردنية، مقارنة بالعديد من دول العالم الأكثر تقدماً وثراء على حد سواء، صورة مشرقة وجهود إبداعية دؤوبة بتوجيهات ملكية سامية في إدارة أزمة ومحنة الكورونا من خلال إجراءاتها العديدة في خمسة أبعاد مهمة: الصحي، الإنساني، الاجتماعي، الاقتصادي لقطاع الأعمال والمالي للأفراد.
شمولية الاستراتيجيات لهذه الأبعاد لكل من تواجد على أرض الأردن من مواطنين وضيوف، على الرغم من شح وضعف الإمكانيات والموارد المالية للدولة الأردنية في البعدين الاقتصادي والمالي. قدم الأردن للعالم نسخة مشرفة لمعاني الإنسانية والسمو بمفاهيم المواطنة والدولة.
وكما قال روبين شارما “لا تضيع الفرصة الواضحة التي تقدمها لك المحنة أو المأساة”، لذا يجب على الأردن عدم إضاعة جهود الأردن بمواجهة كورونا التي أخذت صدى اعلامي عالمي إيجابي.
الدولة الأردنية مطالبة بأن تكمل ابداعها الدؤوب في إدارة الأزمة الى استغلال الفرص الاستثمارية الاقتصادية الناتجة عن الأزمة.
بكل بساطة أتحدث عن تحول الأردن الى “الملجأ الآمن” للاستثمارات الحيوية لمرحلة ما بعد العولمة التي نعرفها حالياً، وهي المرحلة الجديدة التي أطلق عليها اسم “العولمة الجزئية”، والتي ستنتج عن تحالفات سياسية واقتصادية جزئية مختلفة عن الوضع الحالي.
قد يطلق البعض (من المتشائمين أو المتكاسلين) الدعوات للتريث فما زالت محنة كورونا في أوجها ومن المبكر التفكير بهذه النمطية، ولكن التخطيط وبناء الاستراتيجيات لمثل هذه المهمة يحتاج وقتاً والتنفيذ يحتاج الى وقتٍ أكثر، ولكن لصيد الفرص لا تملك الأردنُ ترف الوقت.
وعلى سبيل المثال، فإن أمام جزء لا يستهان به من القطاع الصناعي الإنتاجي فرصة غير مسبوقة لإحلال المنتج الأردني بديلا لسلع مستوردة.
ثلث مستوردات الأردن على الأقل تأتي من دول كبرى عصفت بها جائحة فيروس الكورونا بشكل عنيف أدى الى تخلخل اقتصاداتها وسلاسل التزويد لديها، وهذا بحد ذاته يشكل فرصة غير مسبوقة لإحلال جزء من هذه الواردات من إنتاج محلي لهُ طلب استهلاك داخلي وفُرص تصديرية عالية للأشقاء بالدول المجاورة الذين يستوردون أيضاً هذه السلع من الدول الكبرى المتأثرة بكورونا.
وكما تظافرت الجهود لصد الهجوم الكوروني، فان على مؤسسات الدولة الأردنية العامة والخاصة أن تتظافر جهودها لشق طريقها نحو عالم ما بعد كورونا، وأن تسطر انموذجا بتحويل المحن الى فرص بتوظيف قصة الانتصار بمواجهة الكورونا لجذب الاستثمار لقطاعات المرحلة القادمة.
وهذا كله لن يأتي أكله الا بتحديد القطاعات التي يجب العمل على جذبها في مرحلة ما بعد الكورونا “مرحلة العولمة الجزئية”، بالإضافة الى الحاجة الماسة لتهذيب البيت الداخلي وتعزيز مبدأ التسامح بين الأهالي وبين المؤسسات والأهالي، وخلق إطار واضح للأدوار المختلفة للمؤسسات ورجال الأعمال في ترويج الاستثمار لمرحلة “العولمة الجزئية”.
وهنا والان يحين دور الخروج من مرحلة الخطط والاستراتيجيات العامة التي عانينا منها لسنوات عديدة الى مرحلتي الخطط التفصيلية والتنفيذ، وهنا وليس كما يقولون بأن الشيطان يكمن في التفاصيل ولكن يكمن أكثر بالأدوات، وللحديث بقية