الرئيسية / أخبار / مؤتمر ميونيخ للأمن: أخطر الأشخاص في العالم هم المكلفون بإدارة القطاع الأمني

مؤتمر ميونيخ للأمن: أخطر الأشخاص في العالم هم المكلفون بإدارة القطاع الأمني

في الوقت الذي يجتمع فيه أفضل المكلفين بإدارة سياسة الأمن العالمية في مؤتمر ميونيخ للأمن هذا الأسبوع، فإن قادة الاتحاد الأوروبي لن يتأقلموا تمامًا مع العديد من كبار القادة الآخرين الحاضرين، ذلك أن بروكسل في كل الأحوال لا تملك إلى حد الآن القوة الصلبة لقتل أي أحد.

في هذا السياق، لا يمثل رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ومفوضو الاتحاد الأوروبي في وفده، جزءًا مما يقول بعض الخبراء أنه أخطر تهديد أمني مباشر. الآن، مثل أي وقت مضى، يدير العالم أكثر الأشخاص خطورة.

حسب إيان بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا الاستشارية التي تعنى بالمخاطر السياسة ويقع مقرها في نيويورك، “يمثل رؤساء البلدان، وليس الإرهابيين، أبرز العوامل التي تسببت في عدم الاستقرار الهائل الذي يشهده العالم، الذي أثر في السوق ومن المتوقع أن يستمر لفترة طويلة”. إن العديد من هؤلاء القادة، أو كبار مستشاريهم، سيكونون حاضرين في مؤتمر ميونيخ يومي الجمعة والأحد، لكن الحاضرين منذ زمن طويل يقولون إنه من غير المرجح أن يكون هناك الكثير من الاستبطان.

في حين يتمثل محور الاهتمام هذا العام في “فقدان الطابع الغربي” – أي القلق الجماعي إزاء تدهور مكانة الغرب – يقول المحللون إن الانهيار الأوسع والأكثر ضررا سيحدث عن قريب وسيشمل التجاهل المتزايد للاتفاقيات القانونية الدولية طويلة الأمد بشأن كيفية خوض النزاعات المسلحة، فضلا عن الطريقة الجديدة المحفوفة بالمخاطر  للحديث عن الضربات العسكرية المميتة، أو حتى الاحتفال بها.

تعلن كل هذه التغييرات عن تلاشي تقليد “الحرب العادلة” الذي ينص على الأخلاقيات العسكرية – نظرية الحرب العادلة – والذي يعود إلى آلاف السنين ويوفر إطارًا أخلاقيًا للقادة لاستخدام السلطة. بالإضافة إلى ذلك، تطرح هذه التغييرات بعض الأسئلة غير المريحة – التي من غير المرجح أن تُطرح في ميونيخ أو بروكسل في أي وقت قريب – حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي مستعدًا للتعامل مع الشركاء الجيوسياسيين الذين لا ينفك إجرامهم عن التزايد، وإذا كان سعيه على المدى الطويل لاكتساب المزيد من القدرات العسكرية والدفاعية، بما في ذلك تطوير جيش الاتحاد الأوروبي، يتماشى حقًا مع الأهداف الأساسية للمجموعة المتمثلة في السلام والازدهار.

في حين أن ترسانة الاتحاد الأوروبي لا تزال مقتصرة إلى حد كبير على العقوبات الاقتصادية، فإن القادة الآخرين يؤكدون بشكل متزايد على القوة الفتاكة ذات الأهداف الغامضة، ويستخدمون وسائل غير متكافئة مثل القتل المستهدف والهجمات الإلكترونية وغيرها من التدابير المختلطة، وفي بعض الأحيان يوظفون قوات بالوكالة التي تشمل المرتزقة والميليشيات الخاصة.

بدأت هذه السنة بتداول عبارة “الحرب العالمية الثالثة” على مواقع التواصل الاجتماعي بعد هجوم صاروخي أمريكي أمر به الرئيس دونالد ترامب استهدف الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهي ضربة وصفها النقاد بأنها عملية اغتيال غير قانونية.

صورة

تصرّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتبجح في أعقاب اغتيال قاسم سليماني

على الرغم من أن الحكومات في الماضي كانت لا تعلق على الفور على مثل هذه الحالات، إلا أن ترامب كان سريعًا في فعل ذلك وفي التفاخر، حيث أنه نشر رمزا تعبيريا لعلم الولايات المتحدة على تويتر قبل لحظات من إعلان المسؤولين عن وفاة سليماني. لقد تفاخر دونالد ترامب الابن أيضا بشكل فاضح بعد أن قتلت الولايات المتحدة هذا الشهر أحد قادة تنظيم القاعدة في اليمن، قاسم الريمي. كما أشاد نجل الرئيس بوالده وشكره على عملية القتل على موقع تويتر، بينما وجه في الوقت نفسه هجوما سياسيا على الديمقراطيين الأمريكيين بسبب مجالس أيوا الانتخابية (والمحافظة على تقليد عائلي، وذلك بتهجئة “القاعدة” بالخطأ).

كما أعرب ترامب عن القليل من القلق بشأن الاتفاقيات الأخرى المتعلقة بالحرب في القانون الدولي، كما هو الحال عندما هدد بقصف المواقع الثقافية في إيران، ثم أصر على ذلك عندما أُبلغ بأن القيام بذلك سيمثل انتهاكًا لاتفاقية التصديق. في هذا الصدد، قال ترامب للصحافيين: “يُسمح لهم بقتل شعبنا وتعذيبه وتشويهه. يُسمح لهم باستخدام القنابل المزروعة على الطريق وتفجير شعبنا. ولا يُسمح لنا بلمس مواقعهم الثقافية؟ لا تسير الأمور بهذه الطريقة”.

لكن وفقا للخبراء القانونيين، تسير الأمور بهذه الطريقة – أو من المفترض أن تعمل بهذه الطريقة على أي حال. لكن موقف ترامب شجع الزعماء الآخرين الذين قد يولون اهتمامًا ضئيلا بما يسمى بالمعايير الغربية. ويعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من أكثر زعماء العالم عنفاً عندما يتعلق الأمر بعمليات القتل خارج نطاق القانون على الأراضي الأجنبية.

خلال مؤتمر صحفي عُقد في كانون الأول/ ديسمبر في قصر الإليزيه في أعقاب مناقشات في باريس حول إنهاء الحرب في شرق أوكرانيا، اعترف بوتين بأن روسيا اغتالت زليمخان خانغوشفيلي، وهو زعيم انفصالي شيشاني، في برلين أغسطس/ آب الماضي. وفي هذا السياق، قال بوتين في نبرة رتيبة “أعرف أن رجلاً مات في برلين.” ردًا على السؤال المتعلق بعملية الاغتيال، وتابع قائلا: “لقد لعب هذا الرجل دورا نشيط في أعمال القتال في جانب الانفصاليين في القوقاز.. إن هذا الرجل القوي الدموي كان مطلوبًا من قبل السلطات الروسية”.

من المتوقع أن يزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ميونيخ، والأمر سيان بالنسبة لنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، الذي قبلت حكومته بعد الكثير من الاعتراضات مسؤوليتها الكاملة عن مقتل جمال خاشقجي، الصحفي والكاتب في صحيفة “واشنطن بوست”، في القنصلية السعودية في إسطنبول. من جهتهم، أورد الخبراء إنه غالبا ما يبدو أن البابا فرانسيس يعد الزعيم الوحيد الذي يمتلك خطة دولية تندد بشدة بالعنف هذه الأيام.

صورة

أقر كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل بالقيود المفروضة على السياسة الخارجية للمجموعة

يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي الذين غالبا ما يتعرضون للانتقاد بسبب عدم وجود القوة الصلبة اللازمة لتأكيد قيم القوة الناعمة خاصتهم، أن يتشجعوا على الأقل بإدراكهم لحقيقة أنهم لم يكونوا على الأقل من بين المساهمين الرئيسيين في نشأة سباق التسلح العالمي.

بينما مزح ترامب ذات مرة قائلا إن رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر كان “قاتلًا وحشيًا”، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال لا يمتلك طائرات دون طيار ولا جنودا يعتمد عليهم. وهكذا، اعترف بوريل بالقيود المفروضة على الاتحاد الأوروبي، وقال أمام البرلمان الأوروبي الشهر الماضي: “إننا نحاصر أنفسنا اعتقادا بأنه لا يوجد حل عسكري. في سوريا، وُجد حل عسكري قدمه الأتراك والروس”. من المرجح أن يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا مستمرة ليصبح أقسى.

يشير محللون أمنيون إلى سببين لزيادة الإحساس بانعدام القانون، ألا وهما بروز الصين التي لا تتوافق مع النظرة الغربية لحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية (كما يتضح من تعاملها مع مسلمي الأويغور والمتظاهرين الديمقراطيين في هونغ كونغ)، وتراجع واشنطن المستمر عن دور الشرطي العالمي الذي لعبته، ولو على مضض، منذ نهاية الحرب الباردة. ووفقا للمؤرخ والعقيد المتقاعد من الجيش الأمريكي الذي أصبح الآن رئيسًا لمعهد كوينسي للحكم الرشيد في واشنطن، أندرو باسيفيتش، “من نواحٍ عديدة، منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، يبدو أحيانًا كما لو أن شرطي العالم لم يتقاعد مبكرًا بقدر ما انتقل من طرف إلى آخر”.

صورة

وفقًا لأحد المؤرخين، غيرت الولايات المتحدة فلسفتها العسكرية منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية.

تابع باسيفيتش قائلا: “انحرفت عمليات التسليم الاستثنائية، أو ما يسمى بمبدأ بوش للحرب الوقائية، التي أعلن فيها أن لدينا الحق في شن حرب ضد بعض الكيانات التي نشك في أنها قد تشكل في المستقبل تهديدًا، أي أننا سنقضي على التهديد قبل أن يُصبح تهديدا”. وأضاف باسيفيتش قائلا: “يطيح ذلك بالقيود التي كانت الأمم قد اعترفت حتى الآن باحترامها”.

من جهة أخرى، أفاد أندرو فيالا، وهو أستاذ فلسفة ومدير مركز الأخلاقيات في كلية ولاية فريسنو بكاليفورنيا، بأن جزءًا من المشكلة يتمثل في أن الأشخاص الذين يدعون ضد العنف غالبا لا يُدعون إلى فعاليات مثل مؤتمر ميونيخ حيث من المحتمل أن يشجعوا على التفكير الذاتي. حيال هذا الشأن، قال فيالا “هناك هذا النوع من المؤسسات الأمنية التي تحكم حقًا المحادثة. هذا جزء من المشكلة، هناك نوع من فرضية النزعة العسكرية لدى النخب العالمية، وهناك قلق مشترك من أن كل شيء يتطلب حلاً عسكريًا”. وأضاف فيالا: “إذا كان كل ما لديك مطرقة، فسيبدو كل شيء وكأنه مسمار”.

المصدر:  بوليتيكو