كمال خلف
يوم الثلاثاء الماضي كنت أهم في نشر تفاصيل أنباء نقلها لي صديق مطلع في الشمال السوري ، عن بدء تركيا إجراءات لنقل مقاتلين سوريين واجانب من آدلب شمال سورية إلى ليبيا ، قبل أن احجم عن ذلك تحت وطأة الشك بالمعلومات نظرا لفداحتها .
وبعد ظهر اليوم التالي كانت الأنباء تتسرب حول هذا الأمر ، واقرأ التفاصيل الكاملة على مواقع مختلفة السياسيات والانتماءات ، كانت تتحدث عن فتح أنقرة مراكز لتسجيل أسماء المقاتلين من فصائل إدلب للذهاب والقتال الى جانب حكومة طرابلس ضد قوات خليفة حفتر . ولصالح تركيا في معركة إقليمية تتشابك فيها مصالح الأطراف الإقليمية على امتداد مياه شرق المتوسط ، وتتواجه فيها مصر ومعها الإمارات والسعودية مقابل تركيا وقطر على الأرض الليبية .
كانت المعلومات تتحدث بالتفصيل عن عقود لثلاثة أشهر للمقاتلين مع أجور تتراوح بين 2000 و 3000 الاف دولار ربما ستدفع لهم من الجيب القطري . وعن مراكز تجنيد بدأت تفتح أبوابها للراغبين في مختلف مناطق الشمال السوري . وعن دفعات سترسل تباعا لجبهات القتال .
ولم يحجب النفي الخجول لبعض هذه التشكيلات لهذه الأنباء ، قوة الحقائق على الأرض ، خاصة بعد أن نشر المرصد السوري المعارض تفاصيل إفتتاح مراكز التجنيد في عفرين و اماكن أخرى . وتفاصيل عمليات النقل .
ما من شك أنها تبدو خطوة صادمة فقط لجهة العمل بها بشكل علني وسافر وبهذا الشكل الواضح وامام أنظار العالم . و لجهة استعمال من سمتهم تركيا وكثيرون من عالمنا العربي “ثوار حرية وتحرر” ، وأصحاب قضية وصفوها “بالعادلة” وإذ بهم ليسوا سوى مرتزقة يقاتلون لحساب من يدفع لهم في أي مكان . أما هذه العملية ذاتها فقد تمت قبل ثمان سنوات ولكن تحت جنح الظلام والتضليل الإعلامي و باتجاه سورية . فقد تم تجنيد مقاتلين من تونس ومازال الملف حاضرا في القضاء التونسي ومحل جدل هناك بعنوان ” من المسؤول عن فضيحة تسفير الشباب التونسي للقتال في سورية ” وكذلك تم جلب مقاتلين من ليبيا ومن العراق ولبنان والأردن ومناطق مختلفة من العالم ، وجرى تسهيل انتقالهم عبر الحدود التركية وتم تأمين السلاح والعتاد والمال لهم في مهمة وحيدة هي إسقاط النظام في سورية بأي ثمن ومهما كان مصير سورية بعد ذلك .
لقد تم تضليل العالم بأن الشعب السوري يقاتل النظام ، وأن النظام يقتل شعبه ، بينما كان الشعب السوري ضحية تنظيمات متعددة الجنسيات شكلتها أجهزة المخابرات التركية وبعض الأجهزة العربية ، لإسقاط النظام بالقوة . ومن ثم تقاتلت هذه المنظمات و الفصائل والكتائب فيما بينها بعد أن اختلفت الجهات الداعمة لها ، وقتلت الالاف من الابرياء ونكلت بسكان المناطق التي وقعت تحت سيطرتها ، “جلدا و سحلا وقطع رؤوس وقطع أيدي و تجنيد اطفال وسبيا” بذريعة تطبيق الشريعة .
الفرق بين اليوم وما قبل ثمان سنوات هو فقط سفور العملية وعدم بذل أي جهد لاخفائها ، وعدم الاكتراث بموقف الأمم والشعوب منها . والسبب في ذلك برأينا هو انهيار العالم العربي ، وضعفه وانقسامه واقتتاله وانهيار منظومة القيم الدولية ، فلم يعد أحد يحترم القانون الدولي أو يقيم وزنا للشرعة الدولية . فإذا كانت الولايات المتحدة اكبر دولة في العالم ورئيسها يحتقر القانون الدولي ، ويدوس على الشرعة الدولية وقرارات الأمم المتحدة ، فلا عتب على تركيا أو غيرها . أصبحنا أمام شرعة الغاب القوي يفتك بالضعيف وللأسف نحن العرب الحلقة الأضعف في هذه الغابة .
وبالمناسبة حتى نقل تركيا لمقاتلين من شمال سورية إلى ليبيا ليس جديدا إلا من ناحية وضوحه وكثافته هذه المرة كما ذكرنا آنفا ، فقد سبق أن نشرت تقريرا في” راي اليوم ” في نيسان أبريل من هذا العام تحدث التقرير عن رحلات جوية مباشرة من تركيا إلى مصراتة تنقل مسلحين من “جبهة النصرة” .
وفي الأول من نوفمبر2017 تحدثت تقارير عن وصول مقاتلين من العراق و سوريا إلى ليبيا تجمع المقاتلين الوافدين كان حينها في الكفرة جنوب البلاد . وأشرف حينها أمير”فيلق الأمة” في سوريا الليبي” المهدي الحاراتي” بالتعاون مع عبد الحكيم بلحاج على تنظيم انتقاء المقاتلين ممن يمكن الاعتماد عليهم في القتال داخل ليبيا. وذات العام أعلنت الإدارة العامة لمكافحة الإرهاب التابعة لقيادة الجيش الليبي أنها ألقت القبض على 16 مقاتلاً من جبهة النصرة في كمين، أثناء تسللهم إلى ليبيا عبر صحراء الكفرة جنوب البلاد. كانوا يحملون الجنسية السورية والسودانية وكانوا قد شاركوا في القتل في سوريا.
وقد شاركت فصائل الشمال السوري في عملية لصالح الجيش التركي وتحت امرته مباشرة ضد الأحزاب الكردية في عفرين وشرق الفرات . لتتحول هذه القوات التي مازالت توصف بأنها “معارضة سورية مسلحة” ، إلى قوات مرتزقة ومليشيات تقاتل حيث التمويل والمال .
لسنا مع الحرب في ليبيا ، ولسنا مع ظاهرة تشكيل جيوش من المرتزقة عابرة للحدود تقاتل لصالح هذه الدولة أو تلك ، ونعتقد أن حكومة الوفاق ارتكبت خطأ كبيرا بدعوة تركيا للقتال معها ضد خصمها ، كما أن اللواء حفتر كان عليه أن يلجأ الى الحلول الدبلوماسية وليس للقوة لأن ليبيا وشعبها سيدفع الثمن ، نحن مع الحل السياسي والحوار الذي يجمع كل الأطراف الليبية على طاولة واحدة بعيدا عن التدخلات الخارجية . ولكن من يصغي وصوت طبول الحرب والفوضى في ليبيا والمنطقة أعلى من صوت العقل والحكمة ؟
حمى الله ليبيا مسقط رأسي وموطن اول صرخة لي في وجه الظلم والجور .
كاتب واعلامي فلسطيني