د. شهاب المكاحله
يرى بعض خبراء السياسة الأميركيين الذي التقيتهم عقب إعلان الإدارة الأميركية الانسحاب من شمال شرق سوريا أن هذ القرار يُعد حكيماً لكنه جاء متأخراً لأن وجود عناصر من الجيش الأميركي في سوريا بات محفوفاً اكثر بالمخاطر. لقد كانت حجتهم في الانسحاب أن هذا الأمر تكتيكي لا أكثر من أجل جذب تركيا مجدداً إلى الحقل المغناطيسي الأميركي لاحتواء إيران وإجبارها على التفاوض حول اتفاقية نووية جديدة أكثر شمولاً.
ووصف البعض بأن هذا القرار بالكارثة في السياسة الخارجية الأميركية التي قد تشوه سمعة الولايات المتحدة كحليف جدير بالثقة، واصفين القرار بأنه علامة أخرى على ضعف الوجود الإقليمي للولايات المتحدة. فمن خلال اللقاءات أجمع السياسيون الأميركيون على أمرين هما: أولاً، أن انسحاب القوات الأميركية سيؤدي إلى عودة الدولة الإسلامية (داعش) وثانياً، أن الولايات المتحدة خانت حليفاً أساسياً هو قوات سوريا الديمقراطية وهي بذلك خسرت ثقة الحلفاء الإقليميين من الدول وحسب وصف أحدهم، فإن واشنطن رمت قوات سوريا الديمقراطية ومؤيديها السوريين الأكراد في أفواه الذئاب وهم في هذه الحالة، الأتراك.
فكان ردي على جميع هؤلاء أن واشنطن تستطيع التخلي عن الأكراد في أي وقت لأنهم ليسوا لاعبين إقليمين ولكن تركيا حليف رئيس ولاعب إقليمي قوي، فأنقرة تلعب دوراً مركزياً في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.
ففي عام 1982، نشرت الولايات المتحدة قوات في لبنان للحفاظ على السلام والمساعدة في إعادة بناء الدولة اللبنانية. وبعد مرور عام تقريباً، تم تفجير ثكنات المارينز الأميركية في بيروت بعمل انتحاري، مما أسفر عن مقتل 241 جندياً أميركياً وعدد آخر من القوات الفرنسية. فتم استهداف الولايات المتحدة لأنها لم تتمكن من السير على حبل مشدود بين الأحزاب اللبنانية المتناحرة والحكومة اللبنانية وسوريا وإسرائيل. واليوم هناك سيناريو مشابه يتكشف في سوريا، بين السوريين وبين الأكراد السوريين والأتراك. فانسحاب الولايات المتحدة جاء لتحقيق ثلاثة أهداف: أولاً: تجنب خطر الوقوع في سيناريوهات الفوضى الإقليمية؛ وثانياً، استقطاب تركيا مجدداً إلى الفلك الأميركي لأن تركيا يمكنها المساعدة في تضييق الخناق على إيران، وأخيراً، فإن إطلاق يد تركيا في سوريا ضد الأكراد يمكن لواشطن أن تضرب عدة عصافير بحجر واحد: تسليم مصير الأكراد لتركيا مقابل استعادة واشنطن لتحالفها مع تركيا كما أن الأكراد في شمال شرق سوريا ليسوا هم الغالبية لكن بحكم المساعدة الأميركية تمكنوا من السيطرة على تلك المنطقة لتغيير البنية الديمغرافية، وأخيراً، تريد تركيا نقل اللاجئين البالغ عددهم ٢ مليون سوري إلى تلك المنطقة لإبعادهم عن الحدود. فتركيا تريد منع قيام كيان كردي يهدد أمن تركيا القومي لذلك تريد أنقرة إقامة منطقة آمنة من منبج إلى حدود العراق بعمق ٤٠ كم بينما تريد واشنطن أن تكون تلك المنطقة بعمق ٢٠ كم فقط. فلو وافقت واشنطن على مخطط أنقرة، هل تكون تركيا رأس حربة ضد إيران وفق المخطط الأميركي؟