كتب هنري فاريل تحليلًا في صحيفة واشنطن بوست حول اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أبرم مؤخرًا، ويرى أن بوريس جونسون قدم تنازلات لأيرلندا وللاتحاد الأوروبي على عكس ما هدد بها مرارًا من «بريكست بدون اتفاق». غير أن الاتفاق ما زال يتعين تمريره في البرلمان البريطاني والمصادقة عليه من قبل حكومات الاتحاد الأوروبي، وربما كانت الثانية هي العقبة الأسهل.
يقول فاريل: توصل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى اتفاق مؤقت بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) وهي العملية التي من ستغادر المملكة المتحدة من خلالها الاتحاد الأوروبي.
غير أن الاتفاق لا زال يتعين إجازته من قبل مجلس العموم البريطاني (وهو الأمر الذي سيكون صعبًا) وأن يتم التصديق عليه رسميًّا من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (والذي من المحتمل أن يكون أسهل). حتى إذا تجاوز الاتفاق العائقين، سيكون ذلك مجرد بداية لعملية أطول، تتفاوض بموجبها بريطانيا على علاقتها المستقبلية في الاتحاد الأوروبي. بيد أن هذا التحرك يمثل تقدمًا هامًّا.
«نجاح تفاوضي كبير» لأيرلندا
ويضيف التحليل: عندما ذهب الناخبون البريطانيون إلى صناديق الاقتراع في استفتاء البريكست، كان القليل منهم يفكر في العلاقة مع أيرلندا. غير أنه تبين أن هذه العلاقة هي العامل الوحيد الأكثر أهمية الذي يعقد مفاوضات البريكست. إذ تتقاسم جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية حدودًا وتاريخًا مزعجًا وخطرًا تجدد الإرهاب، الذي توقف إلى حد كبير عندما وفر اتفاق الجمعة الحزينة إطارًا طويل الأجل للعلاقة بين أيرلندا الشمالية وأيرلندا.
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع نظيره الأيرلندي ليو فارادكار
وعندما تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، فإنها ستترك الجمارك المشتركة وترتيب السوق الذي سمح بترك المراكز الحدودية مهجورة إلى حد كبير. وقد خشي السياسيون الأيرلنديون على جانبي الحدود من أن يؤدي ذلك إلى استئناف الإرهاب. وهم قلقون أيضًا من الأضرار الاقتصادية للحدود القاسية.
ويشير فاريل إلى أن المخاوف في جمهورية أيرلندا أدت بالاتحاد الأوروبي إلى الضغط من أجل حل مسألة الحدود باعتباره شرطًا مسبقًا رئيسيًّا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقبل السياسيون والمفاوضون البريطانيون ذلك في البداية، لكن فيما بعد شعروا بالحيرة والإحباط من استعداد الاتحاد الأوروبي لحماية مصالح أيرلندا. ففي النهاية بريطانيا دولة كبيرة وأيرلندا دولة صغيرة.
ويبدو أن بعض السياسيين البريطانيين يعتقدون أن استقلال أيرلندا هو حادث تاريخي غريب. غير أن جهود بريطانيا لإبعاد مؤيدي أيرلندا الأوروبيين باءت بالفشل. وبفضل الدبلوماسية المثابرة، نجحت أيرلندا في تشكيل فهم الاتحاد الأوروبي لمصالحها في المفاوضات، حتى أن موقف أيرلندا لعب دورًا محوريًّا.
ويوضح الكاتب أن الترتيب الذي تم التوصل إليه معقد وستظل أيرلندا الشمالية بموجبه جزءًا من الاتحاد الجمركي للمملكة المتحدة (بحيث يمكن أن يكون جزءًا من الاتفاقيات التجارية التي تبرمها المملكة المتحدة)، لكن ستعمل بموجبه في ظل قواعد الاتحاد الأوروبي. ويعتبر فاريل أن هذا نجاح تفاوضي كبير لأيرلندا، التي ضمنت اتفاقًا يحمي مصالحها الأساسية في الاستقرار السياسي، إلى جانب الحفاظ على العلاقات الاقتصادية بين الجمهورية وأيرلندا الشمالية. سيكون رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فرادكار سعيدًا للغاية.
بوريس جونسون لم يخسر هو الآخر
ويتابع الكاتب: يشتهر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بمرونة في وجهات نظره، حيث غير موقفه تجاه البريكست وفقًا لما تمليه طموحاته السياسية. وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية حالة من الفوضى، حيث أدت جهود جونسون للمضي قدمًا في خروج متشدد لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى فقدانه دعوى قضائية لم يسبق لها مثيل ضد قراره بإغلاق البرلمان واتهامه بالكذب على الملكة، وفقًا لما ذكره هنري فاريل في تحليله المنشور في واشنطن بوست.
وافترض المراقبون السياسيون- بمن فيهم المسؤولون الأوروبيون والأيرلنديون- دائمًا أن أولوية جونسون هي أن يبقى رئيسًا للوزراء بدلًا من المضي قدمًا في الدفع باتجاه بريكست متشدد. وكانت الصعوبة التي واجهته هو أنه بدا مستحيلا تقريبًا أن يحل مشكلة البريكست نظرًا لحسابات البرلمان البريطاني وفي حزبه نفسه.
وقد أخفقت الجهود السابقة للدفع باتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأدت إلى انقسام حزب المحافظين، حيث صوت المعارضون للبريكست مع حزب العمل ورفض المؤيدون لبريكست تأييد أي اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يحرر المملكة المتحدة من القواعد الاقتصادية للاتحاد الأوروبي. والمشكلة الأخيرة هي أن حكومة جونسون اعتمدت على أصوات من الحزب الديمقراطي الوحدوي المتشدد في أيرلندا الشمالية للبقاء في السلطة. وبدا من المستحيل صياغة اتفاق يكون مقبولًا لدى الاتحاد الأوروبي مع الإبقاء على مساندة المحافظين وعدم إثارة نفور الوحدويين.
ويرى فاريل أن الاتفاق الحالي لن يرضي الوحدويين. كما أنه ليس من الواضح أنه سيجرى تمريره من خلال البرلمان. ما يفعله الاتفاق هو أنه يسمح لجونسون أن يقول إنه توصل إلى اتفاق، على الأرجح لخوض الانتخابات العامة وحزب المحافظين يقف خلفه متحدًا.
وعلى الرغم من أن الصفقة أبعد ما تكون عن «بريكست بدون اتفاق» الذي هدد جونسون به، ويقدم تنازلات كبيرة إلى الاتحاد الأوروبي وأيرلندا، إلا أن جونسون نجح في الحفاظ على دعم أنصاره من المتشددين المؤيدين للبريكست. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزبه يأتي في الصدارة وقد يكون لديه فرصة جيدة إذا ما دعا جونسون إلى إجراء انتخابات، سواء فشل الاتفاق أو نجح. أيا كان ما يحدث بشأن البريكست، فإن جونسون لديه فرصة جيدة للغاية للبقاء في رئاسة الوزراء، وهذا ما يهتم به جونسون.
الوحدويون خاسرون.. رغم التنازلات المقدمة لهم
ويكمل التحليل: في النهاية، كان الوحدويون هم الذين خسروا. يقدم الاتفاق بعض التنازلات لموقفهم (يوفر حق النقض على الترتيب الجديد لجمعية أيرلندا الشمالية، إذا تمكنت من بدء الاجتماع مرة أخرى، على الرغم من أن حق النقض لا يخص الوحدويين وحدهم)، ولكنه خلف اللغة الفنية، يقيم حاجزًا جديدًا بين أيرلندا الشمالية والبر الرئيسي البريطاني. وقد عارضت زعيمة الحزب الديمقراطي الوحدوي، آرلين فوستر الاتفاق.
ويختم المقال بالقول: ومع ذلك، قد لا يكون حتى الديمقراطيين الوحدويين غير ساخطين كثيرًا على الاتفاق – طالما لم يوقعوا عليه. فقد كان العديد من المؤيدين الوحدويين التقليديين في مجتمع الأعمال والمجتمع الزراعي في أيرلندا الشمالية أقل قلقًا بشأن الآثار الدستورية غير المؤكدة على المدى الطويل لاتفاق قد يجعل أيرلندا الشمالية أقرب قليلا إلى جمهورية أيرلندا وأكثر اهتمامًا بالتأثير قصير الأجل على الاقتصاد والاستقرار السياسي لبريكست صعب وغير تفاوضي، الأمر الذي ربما أدى إلى إنشاء مراكز جمركية جديدة على طول الحدود. من المرجح أن يقبلوا بالنتيجة، وبالمثل، فإن السياسيين الذين يدعمونهم قد يشعرون بالارتياح، حتى لو لم يعترفوا بذلك علنًا أبدًا.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.