د. جلال جراغي
منطقة الشرق الأوسط تشهد تطورات متسارعة هذه الأيام، وازدادت وتيرة هذه التطورات تصاعداً حينما حصلت أحداث في دول عدة في المنطقة خاصة بعد القرار التركي الأخير في القيام بعملية عسكرية داخل أراضي سوريا ما سببت في تصعيد التوتر الذي كانت تمر به المنطقة أصلاً بدءاً من العدوان العسكري السعودي على اليمن وشعبه العزل ومروراً بمختلف الأحداث التي ألقت بظلالها على العلاقات الإقليمية منها قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي عصف بالعلاقات الثنائية بين الرياض وأنقرة وانتهاءاً بأحداث غيرت قواعد اللعبة في المنطقة ومن أبرزها ما حدث من الهجوم على الناقلات النفطية وكذلك منشآت النفطية السعودية.
ويمكن قراءة هذه الأحداث ومعالجتها كافة في ظل ارتباطها العضوي بعنصرين أساسيين في المنطقة وهما العنصران الإيراني والسعودي، وبالنظر إلى الظروف الراهنة، فإن هذين العنصرين ما دام لم يقترب بعضهما من بعض فسيستمر عدم الاستقرار الذي تمر به المنطقة ومن شأنه أن یؤدي إلى تداعيات لا تحمد عقباها.
الجانب الوحيد الذي يستغل هذه التطورات هو الكيان الإسرائيلي الذي يتمادى في مقارباته السياسية والعملانية في عملية انتهاك أبسط حقوق الشعب الفلسطيني لتمنعه من حياة كريمة وفي هذا الاتجاه لا يألو جهدا في دق الإسفين وإثارة التفرقة بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة. وإلى ذلك، فإنه مادام العنصران الرئيسيان في المنطقة لم يقترب بعضهما من بعض والقيام بتحسين علاقاتهما الثنائية وتطويرها فإن إسرائيل هي من ستعمل على تطبيع علاقاتها مع دول إسلامية وعربية. وعلى هذا، فإنه يتعين على الدول العربية والإسلامية التي تدعى تقديم الدعم للقضية الفلسطينية أن تتخذ خطوات في مسار تطبيع علاقاتها مع إيران.
كما كان الرئيس الراحل لمجمع تشخيص مصلحة النظام فی ایران ”اكبر هاشمي رفسنجاني” قد شبه في زيارته الشهيرة التي قام بها إلى السعودية في شهر يونيو 2008 والتي جمعته مع الملك السعودي الراحل ”عبدالله بن عبدالعزيز”، شبه كل من السعودية وإيران بجناحين للعالم الإسلامي، فإنه ما لم يجتمع هذان الجناحان في جسم واحد، فإن القوى الدولية سواء كانت أمريكية أو روسية أو أي قوة أخرى، ستتمادى في ابتزاز السعودية أو أي دولة عربية واسلامية أخرى على حساب القضايا الرئيسة في المنطقة. وبالتالي، فإن اتخاذ السعودية خطوات رامية لتحسين مقارباتها الدبلوماسية حيال ايران وباقي الدول الإقليمية بما سيترتب عليها تبعات ايجابية، فسيكون سداً منيعاً في وجه الكيان الإسرائيلي ومن يقف خلفه. وانطلاقاً من هذا، فإنه ينبغي على السلطات السعودية وخاصة ولي عهدها ”محمد بن سلمان” إدراك هذه الحقيقة ومن ثم القيام بالعمل في اتجاه تغيير توجهاته السياسية خاصة أمام إيران.
يبدو أن البلدين بإدراكهما الوقائع الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية، متجهان نحو ذوبان الجليد في علاقاتهما وهذا ما تبين إلى حد ما من لهجة محمد بن سلمان الأخيرة حيال إيران والتي أكد فيها أنه يحرص على الحل السياسي مع إيران بدل الحل العسكري، ومن الجانب الإيراني أيضا فإن السلطات الإيرانية قد أكدت مرارا بأن إيران تحرص على استئناف علاقاتها مع كل الدول المجاورة بما فیها السعودية كدولة جارة ومسلمة. أضف إلى الجانب السياسي والتطورات الميدانية في المنطقة، فإن الدولتين تجمعهما المشاريع الاقتصادية المشتركة تقتضی العمل المشترک من جانبهما ومنها مشروع حقل ”فرزاد” الغازي المشترك ما أشار إليه وزير النفط الإيراني ”بيجن نامدار زنغنة” مؤخرا قائلاً بأن التوقيع على اتفاقية حول هذا الحقل الغازي المشترك مع السعودية سيتم في غضون الأشهر المقبلة.
إلى ذلك، فإنه فيما يتعلق باستئناف العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران، کما قد ذكرت في مقال سابق تكرمت “رأي اليوم” بنشره بعنوان “إيران لا تحتاج إلى الوساطة مع السعودية” فإن طهران لا تحتاج بالفعل إلى الوساطة لتحسين علاقاتها مع السعودية ذلك لأن السلطات الإيرانية قد صرحت بأن طهران ترحب بأي حوار وحل سياسي مباشر مع السعودية باعتبارها دولة جارة، وآخر من أكد على الموقف الإیراني في هذا الصدد كان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف وقبله رئيس مجلس الشورى الإسلامي، إذ إن الرجلین أكدا استعداد ايران للجلوس على طاولة الحوار مع السعودية ومعالجة القضايا الإقليمية وحلحلة الخلافات السياسية بين البلدين.
تجدر الإشارة هنا أن المملكة العربية السعودية ولیست ایران، بسبب تصرفاتها العدائية ضد إيران وحلفائها في المنطقة هي من تحتاج إلى الوساطة للعودة على طاولة الحوار مع طهران، والسبب في ذلك أن أساس الخطاب السياسي الايراني يتمثل في الحل السياسي لجمیع الخلافات العالقة، غير أنه لا يبدو أن هذا هو الحال بالنسبة للخطاب السعودي فيتضح هذا من تصريحات وملاحظات المسؤولين السعوديين التي آخرها ترجع إلى كلمة رئيس مجلس الشورى السعودي ”عبد الله آل الشيخ” أمام مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في صربيا والذي قام فیها بكيل التهم جزافاً ضد ايران كما فعل قبله وزير الخارجية السعودي ”إبراهيم العساف” أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ74 مركّزاً فيها على موضوع واحد وهو کان إيران متناسياً أو متجاهلاً قضايا إقليمية رئيسیة وعلى رأسها القضية الفلسطينية وكل ما يرتبط بها من القتل المتعمد للفلسطينيين بيد الصهاينة والاعتراف الأمريكي بمدينة القدس كعاصمة للكيان الصهيوني وما إلى ذلك من القضايا ذات اهتمام للساحتين الاقليمية والدولية، بينما كان أساس كلمة الرئيس الايراني ”حسن روحاني” قبل العساف وأمام نفس المؤتمر، القضية الفلسطينية معتبراً ایاها القضية الأولى للعالمين العربي والإسلامي لافتاً إلى تمادي الكيان الصهيوني في انتهاكاته ضد الفلسطينيين داعياً الدول الاسلامية والعربية للحوار مباشرة كانت أو غير مباشرة لتسوية خلافاتها كما أن لهجته كانت حيال السعودية مرنة وخالية من أي اتهام.
وختاماً فإن من نافلة القول إنه على السلطات السعودية أن تفهم هذه الحقيقة بأن تحقيق مصالح الوطنية العلياء للسعودية يكمن في تحقيق مصالح باقي الدول الإقليمية ولملمة المخاوف الرئيسة على المستوىین الإقليمي والدولي والتجنب من استبدل الأصدقاء بالأعداء والأعداء بالأصدقاء.
كاتب وإعلامي ايراني