الرئيسية / أخبار / الأردن في معادلة “لا بلح الشام ولا عنب اليمن”

الأردن في معادلة “لا بلح الشام ولا عنب اليمن”

فرح مرقه:

تخسر عمان أدواراً كان من الممكن أن تلعبها بسهولة لو أرادت استغلال البعد المرجعي لها، أو حتى إن أرادت استغلال مكانتها الجغرافية، وهي ترى موسم الانفتاح تارة على إيران وأخرى على سوريا ومن حلفائها التقليديين في الإمارات والرياض، أو حتى وهي تعيد لعب دورٍ جرّبته سابقاً ضد تركيا وجماعة الإخوان المسلمين.

الأردن، لا يزال اليوم في مكان متأخرٍ جداً عن ركب الدول العربية التي تعيد علاقاتها مع طهران، رغم كل كلام الملك عبد الله الثاني عن أن لا مشكلة لدى المملكة بالتقارب مع طهران، والذي يستذكر رؤساء وزرائه انه اعلنه لهم بجملة حاسمة في اجتماعهم اليتيم معه هذا العام، بالقول “نحن هاشميون، ولا مشكلة لدينا بالتقارب مع ايران”. إذ أعلنت ايران انها تستقبل مسؤولين اماراتيين، كما ان السعودية ترسل رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للتوسط مع ايران.

عمليا لو طبّقت عمان ما تحدث عنه الملك بداية العام، لكانت اليوم استعادت ولو جزءاً من الدور الذي تفقده بوضوح في محيطها الإقليمي، ولكان قربها من ايران لم يجعلها فقط اقرب لمحيطها في العراق ودمشق، ولكن أيضا للاوروبيين الذين لا يألون جهداً في التواصل مع ايران للحفاظ على الاتفاق النووي ولتخفيف التوتر بالخليج.

الأردن وتحديدا نظامه الملكي ذو الخلفية الهاشمية كان يمكنه ان يكون ذو مصداقية عالية لدى طهران من جهة، ولكان استعاد دوره مع دول الخليج وواشنطن بالضرورة بدل الانعزال الذي تحياه المملكة والذي لا يزال الخبراء يرون أن الأردن لا يتخذ خطوات حقيقية في سبيل فكّه.

في واحدة من جلسات “رأي اليوم” مع رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي كان قد تحدث عن استقطاب واسع تحياه المنطقة بين ثلاثة محاور هي المحور التركي من جهة، والإيراني من جهة ثانية، والإسرائيلي من جهة ثالثة، وأن الأردن يحاول النأي بنفسه عن الاستقطاب المذكور، وهذا تقدير ليس من الصعب الاتفاق معه، رغم الحاجة الملحّة لفهم مصطلح “النأي بالنفس” في السياق.

ما يفهمه المحللون والدبلوماسيون حتى اللحظة ان عمان تبتعد عن المشهد المحيط فيها، وبالتالي وبدلا من الموازنة في العلاقات بين المحاور الثلاث، فإنها تخرج تماما من محيطها، وهنا الحديث عن علاقات غدت هشّة في محور إسرائيل- الرياض، وعلاقات تبدو منقطعة في محور ايران وبغداد ودمشق، الى جانب رغبة أردنية مباغتةٍ في “ضرب” العلاقات مع المحور التركي القطري.

في المحور الأول (إسرائيل- الرياض) ليس سراً ان الأردن لا يتمتع بعلاقات جيدة مع حكومة بنيامين نتنياهو وحلفائها منذ سنوات، وليس سرا أيضا ما يقوله سياسيون مخضرمون في سياقه تارة عن استعادة التأزيم النجدي التاريخي تجاه الهاشميين في عهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، وأخرى عن عدم استقرار في الثقة بين البلدين.

في المحور الثاني أيضا، لا يجد المراقبون ان العلاقات التي تبدو جيدة مع بغداد تسهل أي جزء من موازنة عمان لعلاقاتها، بالعكس، يرون انها كانت ولا تزال المعيار الرئيسي للتأكد ان مصالح الأردن يمكن ان تتعطل وبسهولة رغم كل الاتفاقيات مع العراقيين بسبب إصرار الأردن على عدم الذهاب للايرانيين وعدم إقامة علاقات معهم.

بالمحور الثالث، والحديث عن تركيا بصورة أساسية، تبدو عمان وعلى طريقة المثل العربي القديم لم تحصل لا على “بلح الشام ولا عنب اليمن”، خصوصا وهي تتفنن حسب تحليل سياسي عميق استمعت اليه “رأي اليوم”، بخسارة حتى الأصدقاء الجدد، والحديث كان عن الإدانة الأردنية الخشنة للعملية التركية في سوريا، وتوجه عمان إلى القاهرة كخصمٍ لأنقرة وإعلان موقفها مجدداً من هناك.

الجملة المذكورة استمعت “رأي اليوم” لكثير مما يدعمها في الأردن، حيث عمان خجولة جدا في التواصل مع جيرانها وكذلك مع الدول الكبرى ولا تذهب بحماس الا في حالة العداء والادانات، وهنا التساؤل يظهر عن السبب الذي يجعل الأردن يدين العدوان التركي مثلا ولا يذهب لدمشق، او السبب الذي يجعل الأردن تدين ما قامت به انقرة من القاهرة بدلا من الرياض في وقت تظهر فيه الإشكالات المتعطلة للمصالح الأردنية في الدولتين الجارتين.

القفز عن المحيط الجغرافي يجعل الأردن في خانة ضيقة بالضرورة رغم ان المحيط ببساطة يفتح باب كل المحاور، في وقت تظهر فيه السياسة الخارجية الأردنية وهي نائية بنفسها عن المناخ الإقليمي لدرجة جعلت البلاد في حالة اقرب للعزلة التي لا تفكها المساعدات الغربية ولا العلاقات مع الغرب بكل تفاصيلها.

بكل الأحوال، يلحظ المراقب للسياسة الخارجية الأردنية نتيجة رغبة أو تخبط في السياسة، عنوانها “التقوقع على النفس والانعزال عن المحيط” الامر الذي يؤثر فقط في الحسابات السياسية وانما بات يؤثر عمليا على مصالح الأردنيين في مختلف البلدان المذكورة من جهة وعلى الحفاظ على المصالح الأردنية السيادية من جهة أخرى. في هذا السياق، واذا أراد الأردن الحفاظ على ما تبقى له من دور ان يتحرك فعلا باتجاه محاور الإقليم ويوازن علاقاته معها بدلا من نأيه بنفسه عنها جميعا وبالتالي خنق الاقتصاد والسياسة.