فرح مرقه:
مجدداً، ولكن على استحياء، تبرز العبارة الغائبة منذ مدة ان “الأمن القومي السعودي من الامن القومي الأردني” في مكالمة هاتفية أجراها عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني مع نظيره السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يؤكد فيها تضامن عمان مع الرياض في الحوادث الأخيرة والتي استهدفت موقعين تابعين لشركة أرامكو في السعودية، من قبل طائرات بدون طيار.
عمان تستبق بذلك القمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي، التي يحضرها وزير الخارجية أيمن الصفدي، برسالة إيجابية وذات بعد تضامني مع الرياض، خصوصا بعدما برز اسم الأردن فجأة الى جانب السعوديين في سياق جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
فمنذ أسبوع يرد اسم المخابرات الأردنية في ملف القضية، باعتبار الدائرة قدمت تسهيلات استخبارية لسعوديين، وان احد المتورطين بالملف دخل الأراضي التركية بجواز سفر اردني مزوّر، ورغم ان العاصمة الأردنية تتجاهل الملف تماما، بينما تقوم وسائل الاعلام التركية والقطرية بالتقليل من أهمية المعلومة، إلا ان الأردن والسعودية تدركان جيدا ان مثل هذه المعلومة ذات أهمية كبيرة في عمق العلاقة بين البلدين.
ورغم ان الاعلام التركي ومن ثم القطري يحاولان تصوير المشهد كزجّ سعودي باسم الأردن في القضية، الا ان مطلعين على ملف القضية لا يزالوا يؤكدون ان التعاون الأردني السعودي، خصوصا في تلك الفترة، كان في مرحلة شديدة العمق والتسهيلات التي قدّمت (وأعلن عنها) لا تبدو مستبعدة.
عاهل الأردن بهذا المعنى يستطيع القول وبوضوح ان الامن القومي السعودي من نظيره الأردني، خصوصا بعد ورود اسم بلاده حتى ولو في تفصيلة صغيرة في جريمة وأزمة حقيقية للرياض مثل جريمة خاشقجي، بينما تلتزم عمان ومنذ البداية الصمت والحذر.
في فترة الجريمة (تشرين اول العام الماضي 2018) صمتت عمان تماما، واعقب ذلك زيارة مثيرة للتساؤلات لملك الأردن الى الرياض في مؤتمر دافوس الصحراء والظهور بجانب ولي العهد في مشهد نتج عنه لاحقا سلسلة تغييرات مفاجئة في العلاقة واخذت طابعا سلبيا واكثر جمودا (منها اقالة المبعوث الملكي الخاص الدكتور باسم عوض الله ولاحقا تغيير مدير المخابرات الجنرال عدنان الجندي وتعيين الجنرال احمد حسني حاتوقي).
الرياض وعبر شخصيات محسوبة عليها، اتهمت عمان بالخروج عن السرب ومناكفتها عبر تعيين حاتوقي باعتباره اقرب للمحور التركي القطري ثم باستعادتها علاقاتها مع قطر عبر تبادل السفراء، بينما الطبقة السياسية الأردنية تتهم الرياض أصلا بالضغط على الأردن وتجاهل مصالحه خصوصا في ملف القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات.
الجمود عمليا متواصل ومنذ سنوات، بينما اليوم (الاحد) تذهب عمان ممثلة بوزير خارجيتها للمشاركة في المؤتمر الإسلامي، وهي تحمل إلى جانب تصعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي في تصريحاته عن ضم غور الأردن والبحر الميت للسيادة الاسرائيلية، أيضا سلسلة ملفات تتعلق بالأردنيين المقيمين في السعودية، منها ما كشفت عنه قناة الجزيرة القطرية الأسبوع الماضي عن معتقلين أردنيين في السعودية ومنذ اشهر، وهو ملف ينمو ويتعاظم بالاقنية الخلفية للعلاقات وتقرر عمان سلف ان تتعامل معه بعيدا عن الأضواء والاعلام.
من تابع تقرير الجزيرة يدرك جيدا ان الاردن يرفض الافصاح والمبالغة في التعامل من الناحية الاعلامية والاعلانية مع الملف، ويفضل ابقاءه قيد البحث الامني والدبلوماسي، وهنا تحديدا تفيد عمان علاقتها الافضل مع قطر في تفهم وادراك مصالحها الاعلامية.
في سياق تصريحات نتنياهو يبدو ان الازمة الأردنية الإسرائيلية تصل حداً غير مسبوق في الوقت الذي تراعي فيه العاصمة الأردنية انها لا تريد الدخول في معارك مسبقة في الوقت الذي تمر فيه إسرائيل في فترة انتخابات (19 أيلول سبتمبر) من جهة، وفي الفترة التي تستعد فيها لاستلام أراضي الغمر والباقورة من الإسرائيليين من جهة ثانية ومن جهة ثالثة قبل اعلان الأمريكيين عما يحملونه للاردن فيما يعرف بصفقة القرن والتي يبدو ان طهاتها مختلفون بعد استقالة جيسون غرينبلات ثم تراجعه عن الاستقالة.
بالحديث عن الملف الأمريكي والتنسيق عبر الأمريكيين، فان زيارة غامضة قد حصلت الأسبوع الماضي من مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى الطازج ديفيد شينكر للعاصمة الأردنية ولنظيرتها السعودية لم تحظَ بالكثير من المتابعة للتفاصيل، والتي اعتبرت سلفا زيارة تتضمن محطات مختلفة تهدف فيها لبناء أرضية اكثر سلاسة للعلاقات في المنطقة، قبيل صفقة القرن.
شينكر (أدى اليمين الدستورية في حزيران الماضي)، زار لبنان والأردن والسعودية وتونس دون أي زيارة لإسرائيل، ولا دول المنطقة الأخرى، وهي زيارة لم تحظَ بالاضاءات الإعلامية المفترضة.
بكل الأحوال، يذهب وزير الخارجية الأردني لجدة لحضور القمة الطارئة في سياق وتظهر عمان ترحيبا بالبيان السعودي ضد اعلان نتنياهو والذي بدا قويا وذو صيغة حادة في الرفض لاعلانه ضم غور الأردن والبحر الميت، إلا انها بطبيعة الحال لا تزال “تائهة” بملف العلاقات مع الجارة الكبرى في مرحلة تحمل لها الكثير من الإشارات المتضاربة.