الرئيسية / أخبار / الأزمة الإيرانية: إلى أين؟

الأزمة الإيرانية: إلى أين؟

د. سماء سليمان

متخصصة في العلاقات الدولية

شغلت الأزمة الإيرانية الأوساط السياسية، حيث تراوحت التوقعات ما بين توقعات بالتهدئة وأخرى بالحرب، ومن ثم يثير التساؤل حول أيا من الاتجاهين سيكون له الغلبة على أرض الواقع، ثم ما هي التوقعات المستقبلية على المدى القصير؟

بداية، يجب التنويه إلى أن الرئيس الأمريكي رونالد ترامب قدم رؤية مغايرة لقضايا المنطقة خلال حملته الانتخابية ومنها القضية الفلسطينية والقضية السورية والإيرانية، وبالفعل بعد توليه السلطة نقل ترامب سفارة أمريكا إلى القدس واعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان كما انسحب من الاتفاق النووي الإيراني يوم 8 مايو 2018 والذي كان ينص على التزام إيران على التخلي لمدة لا تقل عن عشر سنوات عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي وتقييده بشكل كبير بهدف منعها من امتلاك القدرة على تطوير أسلحة نووية مقابل رفع العقوبات عنها، وقد انسحب ترامب لأنه يريد من إيران أن تتخلى نهائيا عن برنامجها النووي.

وترتب على عدم استجابة إيران لمطلب ترامب أن فرضت أمريكا في 4 نوفمبر 2018 حزمة من العقوبات طالت صناعة النفط والمدفوعات الخارجية وقد أثرت هذه العقوبات على إنتاج إيران الخام والصادرات، ولكنها منحت ثماني دول اعفاءً من العقوبات تجاه إيران وهي: تركيا والصين والهند وإيطاليا واليونان واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. وفي 22 أبريل 2019 طالبت أمريكا هذه الدول بوقف مشترياتها من النفط أول مايو، ولذا أعلنت أمريكا في 2 مايو بدء تطبيق العقوبات الأمريكية المشددة على إيران وأعلنت هدفها تصفير صادرات إيران النفطية.

ولكن بإعلان إيران رفضها أخذ حصتها في السوق العالمي فضلا عن إعلان الرئيس حسن روحاني في خطاب أن بلاده ستواصل تصدير النفط.

هنا، بدأ التصعيد العسكري الأمريكي في 8 مايو بإعلان وزير الدفاع بالوكالة باترك شاناهان تحرك حاملة الطائرات “إبراهام لينكولن” ومجموعة من القطع الحربية إلى منطقة القيادة المركزية الأمريكية في منطقة الخليج، وأعقب ذلك إرسال أمريكا في 8 مايو أربع قاذفات من طراز بي-52، كما وافقت أمريكا في 10 مايو على نشر صواريخ باتريوت في الشرق الأوسط، كما أعلنت أمريكا في 18 مايو إعادة انتشار قواتها في مياه وأراضي خليجية بناء على اتفاقات ثنائية بين أمريكا والدول الخليجية، ويمكن القول أن الهدف من التحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة تمثل إجراءً احترازيًا ردًا على التهديدات الإيرانية من ناحية، ومن ناحية ثانية تمثل ردعًا وعامل ضغط على النظام الإيراني إيران، ومن ناحية ثالثة، تستثمر أمريكا الموقف وتعيد أنتشار قواتها في المنطقة تمهيدا لحرب قادمة على المدى المتوسط قد تكون خمس سنوات مع إيران.

ومن الملاحظ أنه كان لكل من طرفي الأزمة تصريحات ذات لهجة متشددة وتصعيدية، منها تصريح إيران بأنها قادرة على تكبيد أمريكا خسائر جمة من جراء الاعتداء عليها، كما منحت الدول الموقعة على الاتفاق النووي 6 يوما للالتزام بجانبها من الاتفاق وهي: فرنسا وألمانيا والصين وروسيا.

كما صرح جون بولتون مستشار الامن القومي الأمريكي بأن ارسال أمريكا لحاملة الطائرات يبعت برسالة واضحة لإيران مفادها أن أي هجوم على مصالح أمريكا أو حلفائها سيقابل بقوة شديدة.

وقد تزامن مع تحذير أمريكا للسفن التجارية من تعرضها لهجمات وكذلك وضع إيران صواريخ بالستية قصير المدى وصاريخ كروز على متن قوارب صغيرة للحرس الثوري الإيراني في الخليج، أن أعلنت الإمارات في 12 مايو تعرض أربع سفن تجارية من عدة جنسيات لعمليات تخريب قرب المياه الإقليمية باتجاه ميناء الفجيرة البحري، وقد أعلنت السعودية في 13 مايو تعرض ناقلتين لها لهجوم تخريبي، وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي قرب المياه الإقليمية للإمارات، كما تعرضت محطتي ضخ خط أنابيب لنقل النفط من حقول المنطقة الشرقية في 14 مايو لهجوم بطائرات “درون” مفخخة من قبل جماعة الحوثي.

مما يعني أن استهداف سفن تجارية ومحطات لضخ النفط تعني النيل من مصالح الولايات المتحدة الأمريكية سواء التجارية أو الخاصة بالطاقة التي تريد أمريكا أن تمر بسلام في منطقة الشرق الأوسط.

والصحيح أن لغة التصعيد بين البلدين دفعت بالعديد من المراقبين الدوليين إلى توقع حدوث حرب بين كلا الدولتين، ولكن اتجهت كلا الدولتين إلى وساطة عدد من الدول وقد انعكس ذلك في الزيارات التي قام بها وزيرا الخارجية لكلا الدولتين، حيث زار وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف كلا من اليابان والصين وهما الدولتين من ضمن الثمان دول التي مازالت تستورد النفط الإيراني ومن ثم لهما مصلحة من تدخلهما في التهدئة بين البلدين، وقد صرح وزير خارجية إيران في 18 مايو بأن بلاده لا تريد الحرب، كما زار وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو بروكسل لعقد محادثات مع الدول الأوروبية، وقد صرحت وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موجيريني أن الحوار هو الطريق الوحيد لمعالجة الخلافات مما يعني أنه اقنع الدول الأوروبية بوجهة النظر الأمريكية وهو الضغط على إيران للعودة للمفاوضات مع أمريكا، كما أكد بومبيو أثناء زيارته لروسيا في 14 مايو أن بلاده لا تسعى لحرب مع إيران.

مما يعني أن كلا الدولتين تتجهان للتهدئة، خاصة أن ترامب نفي في 14 مايو وجود خطة لإرسال حشود قوامها 120 ألف جندي إلى الخليج، كما أفادت صحيفة نيويورك تايمز في 18 مايو أن إيران أزالت الصواريخ عن القوارب للتخفيف من حدة التوتر.

وأخيرا، يمكن القول أن الأزمة الإيرانية لن تتحول إلى حرب ولكن سيكون طرفي الأزمة أكثر حرصا على إحتوائها، لأن كلا الدولتين ليس لديهما الاستعداد لتحمل خسائر حرب غير معلوم متى ستنتهي وحجم الخسائر التي ستترتب عليها، فضلا عن المساعى التي ستبذلها الدول المختلفة لاحتواء الأزمة، فضلا عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها إيران والتي نتج عنها احتجاجات متتالية، وهذا ما دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى دعوة الفصائل السياسية إلى الوحدة، مما يعني أن الداخل الإيراني هش سياسيا واقتصاديا، كما أن الرئيس ترامب لن يقدم على حرب يترتب عليها خسائر عسكرية وجنود لسعيه للفوز بفترة رئاسية ثانية، ومن ثم يمكن التوقع أن أمريكا لن تقدم على حرب مع إيران إلا قبل نهاية فترة حكم ترامب الثانية، أي حربا على المدى القصير.