الرئيسية / أخبار / إشارات أردوغان بالتمدد في الأراضي السورية وأسبابها

إشارات أردوغان بالتمدد في الأراضي السورية وأسبابها

لم تعد توازنات الميدان السوري عصيةً على فهم أحد، بل ان الأطراف الخارجية اللاعبة لسنوات على الساحة السورية تجاوزت مصاعبها في الاعتراف بحسم محور المقاومة وفي قلبه الدولة السورية لهوية المنتصر في الحرب. لكن الأمر ليس نفسه بالنسبة للمسار السياسي المنتظر أن يترجم توازنات الميدان، على شكل عملية سياسية تعيد إلى سوريا الاستقرار السياسي والاقتصادي.

ففي هذا السياق لا تزال القوى المختلفة تراهن كل منها، إما على أوراقها وأفضلياتها الديبلوماسية، وفي مفاصل القرار في المؤسسات الدولية، أو على امتداداتها الإقليمية المتضمنة تأثيراً حقيقياً على الأرض؛ على شباك قبض الأثمان من استثمارات السنوات الأخيرة في الأزمة السورية.

ومع أن مسارات الحل التي رسمت في آستانة وجنيف على حلقات متتابعة، ساهمت إلى حدٍ بعيد في تأصيل فكرة الحل السياسي وإمكانية نجاحه على الرغم من سخونة الميدان عند انطلاقتها، إلا أن كلا الصيغتين لم توصلا إلى بر الحل السياسي المتضمن لإمكانية الاتفاق حوله. ذلك أن حلقات مفقودة من الصيغتين كانت تُبرز دائماً الحاجة إلى شركاء إضافيين حول الطاولة، تحمل معها ضماناتها الخاصة لإمكانية نقل التوافق حول الطاولات إلى الأرض.

من هنا كان استباق أنقرة للاجتماع الرباعي حول سوريا، الذي ضم قادة كلٍ من روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، بالإعلان عن أن المشاركين بهذه القمة “سيركزون اهتمامهم على إيجاد طرق جديدة للتسوية السياسية في هذا البلد”. 

الأمر الذي يستبطن تقديراً تركياً بأن الطرق السابقة لم توصل إلى الحل المنشود القابل للتنفيذ. بينما اختلفت قراءة الروس لهدف القمة بعض الشيء، بإعلان المتحدث باسم الرئاسة ديمتري بيسكوف أن القمة “تهدف لتوفيق المواقف في القضية السورية”. أما الشريكين الأوروبيين الآخرين، فلابد أنهما راضيان عن حيازتهما فرصةً جديدة للعودة إلى التأثير في مسار الحل، بعدما بيّنت السنوات الماضية ضعف تأثيرهما، واقتصار دوريهما على تلقي التاثيرات الجانبية للحرب.

لكن التوافق حول وحدة الأراضي السورية وضرورة بلورة حلٍ سياسي للأزمة، فضلاً عن الصيغة الرباعية الوليدة، لم تلغِ التباينات الواضحة بين الدول المجتمعة، إن على مستوى الأولويات، أو على مستوى عمق رؤية كلٍ منهم لمستقبل سوريا.

ففي حين لم تشكل عودة المستشارة الألمانية إلى سيرة “مصير الأسد” موقفاً يتوافق مع مجريات الأحداث، واستدراكها بربط ذلك بانتخابات يشارك فيها السوريون بالداخل والخارج، كان الموقف الفرنسي أكثر حدةً بالقول بوجود حربين في سوريا، واحدة على الإرهاب، وأخرى من النظام ضد شعبه، على حد تعبير الرئيس ماكرون. هذا الموقف يؤشر إلى استمرار التصلب الفرنسي تجاه الحكومة السورية، والمراهنة على قدرة ما على تغيير مجريات العملية السياسية، بالاستناد إلى موقفٍ أميركي مستتر خلف ألمانيا وفرنسا، يدفع باتجاه عدم تمكين الروس من إنضاج حل سياسي مع الأروبيين والأتراك، من دون بذل الكثير من الجهد المباشر لتعقيده.

في المقابل، ينبع تشديد الرئيس الروسي على محاربة الإرهاب وإنهاء مسألة إدلب من تفاهم الروس مع السوريين والإيرانيين على أهمية استعادة كامل الميدان، قبل اتخاذ قطار الحل السياسي مساره الأخير، وبما يتوافق مع المواقف الروسية السابقة. لكن اللافت بين مواقف القارة الأربعة كان تركيز الرئيس التركي المستمر على مواجهة الكرد، وتصويب العيون التركية على شرق الفرات، وعزمها على تركيز العمليات العسكرية هناك بدلاً من منبج.

لقد أنهت تركيا استعداداتها لمواجهة المقاتلين الكرد في شرق نهر الفرات، بل إنها بدأت عملياً بشن هجمات ضدهم، بحسب ما أعلنه أردوغان أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. لكن إشارته إلى أن بلاده لن تسمح بأية محاولة “لإغراق إدلب وسوريا بالدماء والنيران مجدداً عبر تحريض النظام من جهة وإعادة إحياء “داعش” من جهة أخرى”، تحمل في طياتها تحدياتٍ جدية للمسار الناشيء من القمة الرباعية، الذي كان يُنتظر منه نتائج لم تحملها المسارات السابقة في آستانة وجنيف.

هذه المعطيات، تبيّن مرة جديدة الفشل بإنتاج مسارٍ توافقي للقوى المؤثرة في الأزمة السورية، واستمرار المراهنات الخارجية، بصورةٍ ربما توحي بأن المربع الأخير من لعبة الأزمة السورية سيحسم في الميدان، كما حُسمت النقلات السابقة على رقعة هذه الأزمة.